نجاح القاري لصحيح البخاري

{لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}

          ░9▒ (باب قَوْلِهِ) وسقط في رواية غير أبي ذرٍّ لفظ:< باب قوله>، وثبت في رواية أبي ذرٍّ: <{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}> ({لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}) أي: ما طاب ولذَّ منه، وقد كان / النَّبي صلعم يأكل الدَّجاج، ويحبُّ الحلوى والعسل.
          وروى ابن أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ ☻ : نزلت هذه الآية في رهطٍ من أصحابِ رسول الله صلعم قالوا: نقطعُ مذاكيرنا، ونترك شهوات الدُّنيا، ونسيحُ في الأرض كما يفعلُ الرُّهبان، فبلغَ ذلك النَّبي صلعم فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا: نعم، فقال النَّبي صلعم : ((لكنِّي أصومُ وأُفطر، وأُصلِّي وأنام، وأنكح النِّساء، فمن أخذَ بسنَّتي فهو منِّي، ومن لم يأخذ بسنَّتي فليس منِّي)).
          وروى ابنُ مردويه من طريق العوفي عن ابن عبَّاس ☻ نحو ذلك، وروى التِّرمذي وحسَّنه عن ابن عبَّاس ☻ : أنَّ رجلًا أتى النَّبي صلعم فقال: يا رسولَ الله، إنِّي إذا أكلت من هذا اللَّحم انتشرت، وإنِّي حَرَّمتُ عليَّ اللَّحم، فنزلت.
          وحُكي عن الحسن أنَّه قال لبعض الأولياء لمَّا منع نفسه أكل الدَّجاج والفالوذج: أترى لعاب النَّحل بلباب البرِّ بخالص السَّمن يعيبه مسلمٌ، ولما نقل له عن بعضهم أنَّه لا يأكلُ الفالوذج، ويقول: لا أؤدي شكره، قال: أيشربُ الماء البارد؟ قيل: نعم، قال: إنَّه جاهلٌ، إنَّ نعمة الله فيه أكثر من الفالوذج.
          وقال الإمامُ القسطلاني: نعم من ترك لذَّات الدُّنيا وانقطع إلى الله تعالى متفرِّغًا لعبادته من غير ضرر نفسٍ ولا تفويت حقٍّ ففضيلةٌ لا منعَ منها بل هو مأمورٌ بها.