نجاح القاري لصحيح البخاري

المزمل

          ░░░73▒▒▒ (سُوْرَةُ الْمُزَّمِّلِ) وفي رواية أبي ذرٍّ زيادة: <والمدثر> وحذفها أولى؛ لأنَّه أفرد المدثر بعد بالترجمة، وفي بعض النُّسخ سقط لفظ: <سورة> المزمل بالتشديد، وأصله المتزمِّل، فأبدلت التاء زايًا، وأدغمت الزاي في الزاي. وقرأ أبيُّ بن كعب على الأصل، والمزَّمِّل والمدَّثِّر والمتلفِّف والمشتمل بمعنى. قال مقاتل: هي مكيَّةٌ إلَّا قوله: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ} [المزمل:20]، وهي ثمانمائة وثمانية وثلاثون حرفًا، ومائتان وخمس وثمانون كلمة، وعشرون آية.
          ولم تثبت البسملة هنا في جميع الرِّوايات.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَتَبَتَّلْ} أَخْلِصْ) أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8] أخْلِص، وصله الفريابي وغيره، وقد تقدَّم في كتاب «قيام الليل» [خ¦1124]. وروى عبد عن شبابة عن ورقاء عن ابن جريجٍ عنه بلفظ: أخلِص له المسألة والدُّعاء. وقال قتادة: أخْلِص له الدَّعوة والعبادة.
          وقال ابنُ أبي حاتم: روي عن ابن عبَّاسٍ ☻ وأبي صالح والضَّحَّاك وعطيَّة والسُّدي وعطاء الخراسانيُّ / مثل ذلك.
          وعن عطاء: انقطعْ إليه انقطاعًا، وهو الأصل فيه، يُقال: بتلت الشَّيء: إذا قطعته.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ: {أَنْكَالًا} قُيُودًا) أي: قال الحسن في قوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيْمًا} [المزمل:12] قيودًا؛ أي: فسَّر قوله: {أنكالًا} بالقيود، وصله عبد بن حُميد عن يحيى بن عبد الحميد عن حفص عن عَمرو عنه. وقال أبو عبيدة: الأنكال واحدها: نِكل _بكسر النون_ وهو القيدُ، وهذا هو المشهور، وقيل: النِّكل الغلُّ، وقيل: هو بفتح النون والكاف.
          ({مُنْفَطِرٌ بِهِ}: مُثَقَّلَةٌ بِهِ) بالتشديد، وفي اليونينية: بالتَّخفيف أشار به إلى قوله ╡: {يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيْبًا. السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل:17-18] وفسَّره بقوله: «مثقَّلة به». وصله عبد بن حميد من وجهٍ آخر عن الحسن البصريِّ في قوله: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قال: مثقَّلةٌ به يوم القيامة؛ أي: أثقالًا يؤدِّي إلى انفطارها لعظم اليوم عليها. ووصله الطَّبري وابن أبي حاتم من طريقه بلفظ: مثقَّلة موقرة.
          ولابن أبي حاتم من طريقٍ أخرى عن مجاهد: {مُنْفَطِرٌ بِهِ} تنفطر من ثقل ربِّها تعالى، وعلى هذا فالضَّمير لله تعالى، ويحتمل أن يكون الضَّمير ليوم القيامة.
          وقال أبو عبيدة: أعاد الضَّمير مذكرًا لأنَّ مجاز السَّماء مجاز السَّقف يريد قوله: {مُنْفَطِرٌ بِهِ}؛ أي: على تأويل السَّماء بالسَّقف، ويحتمل أن يكون على حذف والتَّقدير: شيءٌ منفطرٌ به.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ({كَثِيبًا مَهِيلًا}: الرَّمْلُ السَّائِلُ) أي: قال ابن عبَّاس ☻ في قوله تعالى: {وَكَانَتِ الجِبَالُ كَثِيْبًا مَهِيْلًا} [المزمل:14] أي: رملًا سائلًا.
          وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عبَّاس ☻ به، وأخرجه الحاكم من وجهٍ آخر عن ابن عبَّاسٍ ☻ ولفظه: المهيل إذا أخذتَ منه شيئًا تبعك آخره، والكثيب: الرَّمل.
          وقال الفرَّاء: الكثيب: الرَّمل، والمهيل: الَّذي تُحَرِّك أسفله، فينهال عليك أعلاه.
          ({وَبِيلًا} شَدِيدًا) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل:16]، وفسَّر {وَبِيلًا} بقوله: «شديدًا». وصله الطَّبري من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ ☻ . وقال أبو عبيدة مثله. وقال الثَّعلبي: ({وبيلًا})؛ أي: شديدًا صعبًا ثقيلًا، ومنه يُقال: كلأ مستوبل، وطعامٌ / مستوبل: إذا لم يستمرأ، ومنه: الوبال.
          ولم يُورد المصنِّف في سورة المزمل حديثًا مرفوعًا، وقد أخرج مسلم حديث سعد بن هشام عن عائشة ♦ فيما يتعلَّق منها بقيام اللَّيل.
          وقولها: فصار قيام اللَّيل تطوُّعًا بعد فريضةٍ، ويمكن أن يدخلَ في قوله تعالى في آخرها: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [المزمل:20] حديث ابن مسعودٍ ☺: إنَّما مالُ أحدكم ما قدَّم، ومالُ وارثه ما أخَّر.
          وسيأتي في «الرِّقاق» [خ¦6442].