نجاح القاري لصحيح البخاري

كتاب الجمعة

           (╖ (1)) كذا ثبتت البسملة هنا في رواية وقدِّمت، وفي رواية أخرى ثبتت أيضاً، ولكن أخِّرت عن التَّرجمة.
           ░░11▒▒ (كِتَابُ الْجُمُعَةِ) ثبتت هذه التَّرجمة للأكثر، وسقطت في رواية كريمة وأبي ذرٍّ عن الحمُّويي. و«الجمُعة» بضم الميم على المشهور، وقد تسكن، وقرأ بها الأعمش. وحكى الواحديُّ عن الفرَّاء: فتحها، وحكى الزَّجَّاج الكسر أيضاً.
          وفي «الموعب» لابن التياني: من قال بالتَّسكين قال في جمعه: جُمَع، ومن قال بالتحريك، قال في جمعه: جُمُعات.
          واختلف في تسمية هذا اليوم بالجمعة مع الاتِّفاق على أنَّه كان يسمَّى في الجاهليَّة العَرُوبة _بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة_، فقيل: سمِّي بذلك؛ لأنَّ الله تعالى جمع فيه خلق آدم ◙، وَرَدَ ذلك من حديث سلمان ☺. أخرجه أحمد وابن خزيمة، وغيرهما في أثناء حديث.
          وله شاهد عن أبي هريرة ☺، ذكره ابن أبي حاتم موقوفاً بإسناد قويٍّ، وأحمد مرفوعاً بإسناد ضعيف، وهذا أصحُّ الأقوال.
          ويليه ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين: من أنَّ الأنصار قالوا لأسعد بن زُرارة _قبل أن يقدم النَّبي صلعم _: لليهود يوم يجتمعون فيه، فاجعل لنا أيضاً يوماً نجتمع فيه، ونذكر الله تعالى ونصلِّي ونشكره، فجعله يوم الجمعة، وكانوا يسمُّونه يوم العروبة، فسمِّي الجمعة حين اجتمعوا إليه.
          وقيل: لأنَّ كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه، فيذكِّرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم، ويخبرهم بأنَّه سيبعث منه نبيٌّ، روى ذلك الزُّبير في كتاب «النَّسب» عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن بن عوف مقطوعاً، وبه جزم الفرَّاء وغيره.
          وقيل: إنَّ قصيًّا هو الذي كان يجمعهم، ذكره ثعلب في «أماليه». وقيل: سمِّي بذلك؛ لاجتماع النَّاس للصَّلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم فقال: إنَّه اسم إسلامي لم يكن في الجاهليَّة، وإنَّما كان يسمَّى العَروبة. انتهى.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: وفيه نظر، فقد قال أهل اللُّغة: إنَّ العروبة اسم قديم كان للجاهليَّة، وقالوا في الجمعة: هو يوم العروبة، فالظَّاهر أنَّهم غيروا أسماء الأيَّام السبعة بعد أن كانت تسمَّى: أول، أهون، جبار، دُبار، مونس، عَروبة، شُبار.
          قال الجوهريُّ: كانت العرب تسمِّي يوم الاثنين: أهون في أسمائهم القديمة، وهذا يشعر بأنَّهم أحدثوا لها أسماء، وهي هذه المتعارفة الآن كالسَّبت والأحد إلى آخرها.
          وقيل: إنَّ أوَّل من سمَّى الجمعة العَروبة: كعب بن لؤي، وبه جزم الفرَّاء وغيره، فيحتاج من قال: إنَّهم غيروها إلَّا الجمعة، فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص، والله أعلم.
          ثمَّ إنَّ الجمْعة _بسكون الميم_ بمعنى المفعول؛ أي: اليوم المجموع فيه، وبفتحها بمعنى الفاعل؛ أي: اليوم الجامع.
          واستُشكل تأنيثه مع كونه صفة اليوم.
          وأجيب: بأنَّ التاء فيه للمبالغة لا للتَّأنيث / كما في رجل علَّامة، أو هو صفة للسَّاعة.
          وذكر ابن القيم في «الهَدْي» ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصيَّة؛ فإنَّها يوم عيد، ولا يصام مفرداً، وقراءة {الم.تَنزِيلُ}[السجدة:1-2]، و{هَلْ أَتَى} [الإنسان:1] في صبحها، والجمعة والمنافقون فيها، والغسل لها، والطِّيب، والسِّواك، ولبس أحسن الثِّياب، وتبخير المسجد والتَّبكير، والاشتغال بالعبادة حتَّى يخرج الخطيب والخطبة، والإنصات، وقراءة الكهف، ونفي كراهة النَّافلة وقت الاستواء، ومنع السَّفر قبلها، وتضعيف أجر الذَّاهب إليها بكلِّ خطوة أجر سنة، ونفي سجر جهنَّم في يومها، وساعة الإجابة وتكفير الآثام، وأنَّها يوم المزيد، والشَّاهد والمدَّخر لهذه الأمَّة، وخير أيَّام الأسبوع، وتجتمع فيه الأرواح إن ثبت الخبر فيه، وذكر أشياء أخر فيها نظر، وترك أشياء يطول ذكرها، والله أعلم.


[1] في هامش الأصل: قد بدئ في جمع هذه القطعة الخامسة بعون الله الملك الفيَّاض وقت الضَّحوة الكبرى يوم الأربعاء الثَّاني والعشرين من أيَّام جمادى الآخرة من شهور السَّنة التَّاسعة والعشرين بعد المائة والألف يسَّر الله الاختتام.