نجاح القاري لصحيح البخاري

كتاب الحدود

          ░░86▒▒ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، كِتَابُ الحُدُودِ) جمع حدٍّ، وهو المنع لغةً، ولهذا يُقال للبوَّاب: حدَّادً؛ لمنعه النَّاس عن الدُّخول، وفي الشَّرع: الحدُّ: عقوبةٌ مقدَّرة لله تعالى، وإنَّما جمعه؛ لاشتماله على أنواع، وهي حدُّ الزِّنى، وحدُّ القذف، وحدُّ الشرب، والمذكور فيه: حدَّ الزِّنى والخمر والسَّرقة. وقيل: أصل الحدِّ ما يحجز بين الشَّيئين، فيمنع اختلاطهما، وحدُّ الدَّار ما يُميِّزها، وحدُّ الشَّيء: وصفه المحيط به الممِّيز له عن غيره، وسُمِّيت عقوبة الزَّاني حدًّا؛ لكونها تمنعه المعاودة، وتكون حاجزًا بينه وبين الزِّنى؛ أي: لكونها مانعًا لمتعاطيه عن معاودة مثله، ومانعًا لغيره أن يسلك مسلكه.
          قال الرَّاغب: ويطلقُ الحدود ويُراد بها نفس المعاصي، كقول الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187]، وعلى فعل شيءٍ فيه شيء مقدَّر ومنه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1]، وكأنَّها لمَّا فصلت بين الحلال والحرام سُمِّيت حدودًا، فمنها ما زُجر عن فعله، ومنها ما زُجر عن الزِّيادة عليه والنُّقصان منه، وأمَّا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:5] فهو من الممانعة.
          ثمَّ إنَّ البسملة ثابتةٌ قبل قوله: ((كتاب الحدود)) في رواية غير أبي ذرٍّ، / وفي رواية أبي ذرٍّ: تأخير البسملة عن لفظ الكتاب.
          (ومَا يُحْذَرُ مِنَ الْحُدُودِ) وفي رواية أبي ذرٍّ عن المستملي: <باب ما يحذر من الحدود> ولم يذكر البخاريُّ فيه حديثًا.