نجاح القاري لصحيح البخاري

كتاب الأيمان والنذور

          ░░83▒▒ (1) (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، كِتَابُ الْأَيْمانِ والنُّذُورِ) الأَيمان _بفتح الهمزة_ جمع: يمين، واليمين خلافُ اليسار، وهو القوَّة أيضًا، قال الله تعالى: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة:45] ؛ أي: بالقوَّة والقدرة، وأطلقت على الحلف في الشَّرع، وهو تقوية أحدِ طرفي الخبر بالمقسم به.
          وقال الكرمانيُّ: اليمين تحقيقُ ما لم يجبُ وجوده بذكر الله تعالى، وإنَّما أُطلقت عليه؛ لأنَّهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلٌّ بيمين صاحبه. وقيل: إنَّ اليد اليمنى من شأنها حفظ الشَّيء فسُمِّي الحلف بذلك لحفظ المحلوف عليه، ويُسمَّى المحلوف عليه يمينًا لتلبُّسه بها، ويجمع اليمين أيضًا على أيمن، كرَغِيف وأَرْغُف، وتُسمَّى ألية أيضًا، وقد تعرف بأنَّه تحقيق الأمر المحتمل، أو توكيده بذكر اسمٍ، أو صفة لله.
          قيل: وهذا أخصر التَّعاريف وأقربها، هذا إن قصد اليمين الموجبة للكفَّارة وإلَّا فيزاد، أو ما أقيم مقامه ليدخل نحو الحلف بالطَّلاق، أو العتاق وهو ما فيه حثٌّ، أو منعٌ، أو تصديقٌ، وخرج بالتَّحقيق لغو اليمين بأن سبق لسانه إلى ما لم يقصده بها، أو إلى لفظها كقوله حال غضبه، أو صلة كلامه: لا والله تارةً، وبلى والله أخرى، وبالمحتمل غيره كقوله: والله لأموتنَّ أو لا أصعد إلى السَّماء فليس بيمينٍ لامتناع الحنث فيه بذاته بخلاف والله لأصعدن السَّماء فإنَّه يمينٌ تلزم به الكفَّارة.
          والنُّذور: جمع: نذر، وأصله الإنذار، بمعنى التَّخويف، وهو الوعد بخيرٍ أو شرٍّ، وشرعًا: التزام قربةٍ غير لازمةٍ بأصل الشَّرع، وزاد بعضهم: مقصودة.
          وقال الرَّاغب: إيجابُ ما ليس بواجبٍ لحدوث أمرٍ، ومنهم من قال: أن يُلزم نفسه بشيءٍ تبرُّعًا من عبادةٍ أو صدقةٍ أو نحوهما، وأمَّا قوله صلعم : ((من نذر أن يعصيَ الله فلا يعصه)). فإنَّما سمَّاه نذرًا باعتبار الصُّورة، كما قال في الخمر وبائعها مع بطلان البيع، / ولذا قال في الحديث الآخر: «لا نذر في معصية».


[1] في هامش الأصل: قد بُدئ في هذه القطعة الثامنة والعشرين يوم الأربعاء غرة شهر رمضان المبارك لسنة ستين ومائة وألف يسّر الله تعالى إتمامها، وإتمام ما يتلوها إلى آخر الكتاب بحرمة نبينا محمد صلعم، وبحرمة الآل والأصحاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.