نجاح القاري لصحيح البخاري

البروج

          ░░░85▒▒▒ (سُوْرَةُ الْبُرُوجِ) سقط لفظ: <سورة> في رواية غير أبي ذرٍّ، والبروج الاثنا عشر، وهي قصور السَّماء على التَّشبيه، وقيل: البروج النُّجوم الَّتي هي منازلُ القمر، وقيل: عظامُ الكواكب، وقيل: أبواب السَّماء، وهي مكيَّةٌ، وهي أربعمائة وثمانية وخمسون حرفًا، ومائة وتسع كلمات، واثنتان وعشرون آية، ولم تثبت البسملة في رواية الجميع.
          (وَقَالَ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <قال> بدون الواو (مُجَاهِدٌ {الأُخْدُودِ} شَقٌّ فِي الأَرْضِ) أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ} [البروج:4-5] {الأُخْدُودِ}: شقٌّ في الأرض، وصله الفريابي بلفظ شق بنجران كانوا يُعذِّبون النَّاس فيه، وأخرجه عبد بن حُميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقال غيره: المستطيل في الأرض.
          وأخرج مسلمٌ والتِّرمذي وغيرهما من حديث صهيب ☺: أنَّ رسول الله صلعم قال: ((كان ملك قبلكم، وكان له ساحر، فلمَّا كبر قال للملك: إنِّي قد كبرت فابعث إليَّ غلامًا أُعلمه السِّحر، فبعث إليه غلامًا يعلِّمه، فكان في طريقه إذا سلك راهبٌ فقعدَ إليه وسمع كلامه فأعجبَه، فكان إذا أتى السَّاحر مرَّ بالرَّاهب وقعد إليه، فإذا أتى السَّاحر ضربه، فشكا ذلك إلى الرَّاهب، فقال: إذا خشيت السَّاحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيتَ أهلك فقل: حبسني السَّاحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابَّةٍ عظيمة قد حبست / النَّاس، فقال: اليوم أعلم السَّاحر أفضل، أم الرَّاهب أفضل فأخذ حجرًا فقال: اللَّهمَّ إن كان أمر الرَّاهب أحبَّ إليك من أمر السَّاحر فاقتلْ هذه الدَّابَّة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس، فأتى الرَّاهبَ فأخبره، فقال له الرَّاهب: أي بُنيَّ أنت اليوم أفضل منِّي، قد بلغَ من أمرك ما أرى، وإنَّك ستُبتلى، فإن ابتليتَ فلا تدلَّ عليَّ، وكان الغلامُ يُبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليسٌ للملك كان قد عميَ، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إنِّي لا أشفي أحدًا، إنَّما يشفي الله ╡، فإن آمنتَ بالله دعوت الله فشفاكَ فآمن بالله، فأتى الملك فجلسَ إليه كما كان يجلسُ، فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربِّي قال: ولك ربٌّ غيري، قال: الله ربِّي وربُّك، فأخذه فلم يزل يعذِّبه حتى دلَّ على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أيٌّ بُنيَّ قد بلغ من سحرك ما تُبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل، قال: إنِّي لا أشفي أحدًا، إنَّما يشفي الله، فأخذَه فلم يزل يعذِّبه حتَّى دلَّ على الرَّاهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقَّه حتَّى وقع شقَّاه، ثمَّ جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجعْ عن دينك، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقَّه حتَّى وقع شقَّاه، ثمَّ جيءَ بالغلام، فقيل له: ارجعْ عن دينك فأبى، فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتُم ذروته فإن رجعَ عن دينه وإلَّا فاطرحوهُ، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللَّهمَّ اكفنيهِم بما شئتَ، فرجفَ بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعلَ أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، [فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفينهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة، ففرقوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك مافعل أصحابك فقال كفانيهم الله]. فقال للملك: إنَّك لست بقاتلي حتَّى تفعلَ ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمعُ النَّاس في صعيدٍ واحدٍ، وتصلبني في جذعٍ، ثمَّ خُذ سهمًا من كنانتي، ثمَّ ضع السَّهم في كبد القوس، ثمَّ قل: باسم الله ربِّ الغلام، / ثمَّ ارمني، فإنَّك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع النَّاس في صعيدٍ واحدٍ، فصلبه على جذعٍ، ثمَّ أخذَ سهمًا من كنانته، ثمَّ وضع السَّهم في كبد القوس، ثمَّ قال: باسم الله ربِّ الغلام، ثمَّ رماه فوقعَ السَّهم في صدغهِ، فوضعَ يده في صدغه موضعَ السَّهم فمات، فقال النَّاس: آمنَّا بربِّ الغلام، آمنَّا برب الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيتَ ما كنت تحذرُ، والله قد نزلَ بك حذرك، قد آمن النَّاس، فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدَّت، وأضرم النِّيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قل له اقتحم، ففعلوا حتَّى جاءت امرأة ومعها صبيٌّ لها فتقاعستْ أن تقعَ فيها، فقال لها الغلام: يا أمَّه اصبري، فإنَّك على الحقِّ)).
          هذا وقد صرَّح برفع القصَّة حمَّاد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن صُهيب، ومن طريقه أخرجهُ مسلم والنَّسائي وأحمد، ووافقه مَعمر عن ثابت. ومن طريقه أخرجها التِّرمذي وعنده في آخره يقول الله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} إلى: {العَزِيْزِ الْحَمِيْدِ} [البروج:8].
          ({فَتَنُوا} عَذَّبُوا) أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِيْنَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج:10] وفسَّره بقوله: «عذَّبوا»، والفتنة جاءت لمعانٍ منها العذاب، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:13] أي: يعذَّبون، وصله الفريابي من طريقه.
          (وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ : ({الوَدُودُ} الحَبِيبُ، {المَجِيدُ} الكَرِيمُ) أي: قال ابن عبَّاس ☻ في قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ. ذُوْ الْعَرْشِ الْمَجِيْدُ} [البروج:14-15] {الْوَدُودُ}: الحبيب، {الْمَجِيدُ}: الكريم. ثبت هذا في رواية النَّسفي وحدَّه، وسيأتي في «التَّوحيد» [خ¦97/22-10963] إن شاء الله تعالى.
          وأخرج الطَّبري من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاس ☻ في قوله: {الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14] قال: الودود الحبيب، وفي قوله: {ذُوْ الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:15] يقول: الكريم.