نجاح القاري لصحيح البخاري

{إنا أرسلنا}

          ░░░71▒▒▒ (سُوْرَةُ نُوْحٍ) ◙، كذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية غيره: <سورة {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوْحًا} [نوح:1] > وهي مكيَّة نزلت بعد النَّحل وقبل سورة إبراهيم ◙، وهي تسعمائة وتسعة وعشرون حرفًا، ومائتان وأربع وعشرون كلمة، وثمان وعشرون آية، ولم تثبت البسملة في رواية الجميع.
          ({أَطْوَارًا}: طَوْرًا كَذَا وَطَوْرًا كَذَا) أشار به إلى قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:14] وفسَّره بقوله: «طورًا...إلى آخره»، وقد تقدَّم في «بدء الخلق» [خ¦59/1-4972]. وقال عبد الرَّزَّاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}: نطفة، ثمَّ علقةً، ثمَّ مضغة، ثمَّ خلقًا آخر. وذكر عبد عن خالد بن عبد الله قال: طورًا نطفة، وطورًا علقة، وطورًا مضغة، وطورًا عظامًا، ثمَّ كسونا العظام لحمًا، ثمَّ أنشأناه خلقًا آخر.
          وقال مجاهدٌ: طورًا من ترابٍ، ثمَّ من نطفةٍ، ثمَّ من علقةٍ، ثمَّ ما ذكر حتَّى يتمَّ خلقه، والنصب على الحال؛ أي: منتقلين من حالٍ إلى حالٍ. وقيل: أي: مختلفين من بين مسيءٍ ومحسنٍ، وصالحٍ وطالحٍ، والطَّور في هذه المواضع بمعنى تارةً، ويجيء أيضًا بمعنى القدر، وأشار إليه بقوله:
          (وَيُقَالُ) وفي نسخة: <يُقال> بدون الواو (عَدَا طَوْرَهُ. أَيْ: قَدْرَهُ) وقد تقدم في «بدء الخلق» [خ¦59/1-4972] أيضًا.
          (وَالْكُبَّارُ) بتشديد الموحدة (أَشَدُّ مِنَ الْكُبَارِ) بتخفيفها (وَكَذَلِكَ جُمَّالٌ وَجَمِيلٌ؛ لأَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً، وَكُبَّارٌ الْكَبِيرُ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <وكذلك كُبَّار الكبير> (وَكُبَارًا أَيْضًا بِالتَّخْفِيفِ) وسقط في رواية أبي ذرٍّ: <وكُبَارًا أيضًا> أشار به إلى قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح:22] وقال: الكُبَّار _يعني: بالتَّشديد_ أشدُّ _يعني: أبلغ في المعنى_ من الكُبَار _بالتخفيف_ والكُبَار _بالتخفيف_ أبلغ معنى من الكبير.
          وقوله: «وكذلك جُمَّال» _يعني: بضم الجيم وتشديد الميم_ يعني: أنَّه أشدُّ وأبلغ في المعنى من الجمَال بالتَّخفيف، وهو أبلغُ من الجميل، وقوله: «وكُبَّار الكبير»؛ يعني: أنَّه بالتشديد بمعنى الكبير، وكذلك الكُبَار بالتخفيف.
          قال أبو عبيدة في قوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح:22] مجازها كبيرٌ، والعرب تُحوِّل لفظة كبير إلى فُعَال مخففة ثم يُثقلون لتكون أشدَّ مبالغةً، فالكُبَّار أشدُّ من الكُبَار، وكذلك يُقال للرَّجل الجميل؛ لأنَّه أشدُّ مبالغةً.
          (وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رَجُلٌ حُسَّانٌ وَجُمَّالٌ) بضم أولهما وتشديد ثانيهما (وَحُسَانٌ مُخَفَّفٌ وَجُمَالٌ مُخَفَّفٌ) قاله أبو عبيدة. /
          وقال الفرَّاء: الكُبَّار الكبير، وكُبَار أيضًا بالتخفيف، والعرب تقول: عُجَّابٌ وعُجَاب، ورجل حُسَّان وجُمَّال بالتَّثقيل، وحسان وجمال بالتخفيف في كثيرٍ من أشباهه.
          ({دَيَّارًا} مِنْ دَوْرٍ) بفتح الدال وسكون الواو (وَلَكِنَّهُ فَيْعَالٌ) بفتح الفاء وسكون التحتية (مِنَ الدَّوَرَانِ) يعني: أنَّ أصله: ديوار، فأبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، ولو كان فعَّالًا _بتشديد العين_ لقيل: دوارًا، وهذا كلام الفرَّاء بلفظه.
          (كَمَا قَرَأَ عُمَرُ) أي: ابن الخطَّاب ☺ (▬الْحَيُّ الْقَيَّامُ↨. وَهْيَ مِنْ قُمْتُ) وأصله: قيوام، فلا يُقال: وزنه فعال بل فيعال، وهو كلام الفرَّاء أيضًا. وقد أخرج أبو عبيد في «فضائل القرآن»: من طريق يحيى بن عبد الرَّحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر ☺ أنَّه صلى العشاء الآخرة فاستفتحَ آل عمران فقرأ: (▬الله لا إله إلا هو الحيُّ القيَّام↨). وأخرج ابن أبي داود في «المصاحف» من طرق عن عمر ☺ أنَّه قرأها كذلك، وذكرها عن ابن مسعودٍ ☺ أيضًا.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) لم يتقدَّم ذكر أحدٍ يعطف عليه قوله: «وقال غيره»، ولعلَّه سقط من ناسخ ({دَيَّارًا} أَحَدًا) وأشار به إلى قوله: {لَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِيْنَ دَيَّارًا} [نوح:26] ونسب إلى هذا الغير أنَّ {دَيَّارًا} هنا بمعنى أحدًا، وهو قول أبي عبيدة، وزاد: يقولون ليس بها ديَّارٌ ولا عرِيب.
          وقد أشار الثَّعلبي إلى هذا المعنى حيث قال: {دَيَّارًا} أحدًا يدور في الأرض فيذهب ويجيء، وكذلك ذكره النَّسفي في «تفسيره».
          ({تَبَارًا} هَلاَكًا) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:28] وفسَّره: بالهلاك، وهو قول أبي عبيدة، وفسَّره الثعلبي: بالدَّمار، وهو بمعناه.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ({مِدْرَارًا} يَتْبَعُ بَعْضُهَا) وفي رواية أبي ذرٍّ: <بعضه> (بَعْضًا) أي: قال ابن عبَّاس ☻ في قوله تعالى: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح:11] يتبعُ بعضها بعضًا. وصله ابنُ أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ ☻ به، والمراد بالسَّماء ماء السَّماء وهو المطرُ.
          ({وَقَارًا} عَظَمَةً) أشار به إلى قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:13] وفسَّر الوقار بالعظمة. وصله سعيدُ بن منصور وابنُ أبي حاتم من طريق مسلم البطين عن سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس ☻ / في قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} قال: ما تعرفون لله حقَّ عظمته.
          وأخرجه سفيان في «تفسيره» عن أبي روق عن الضَّحَّاك بن مزاحم عن ابن عبَّاس ☻ بلفظ: لا تخافون في الله حقَّ عظمته. وأخرجه عبد بن حميد من رواية أبي الرَّبيع عنه: ((ما لكم لا تعلمون لله عظمته)). وقال مجاهدٌ: لا ترون لله عظمةً. وعن الحسن: لا تعرفون لله حقًّا، ولا تشكرون له نعمةً، وعن ابن جبير: لا ترجون ثوابًا، ولا تخافون عقابًا.