نجاح القاري لصحيح البخاري

الأنفال

          ░░░8▒▒▒ (سُوْرَةُ الأَنْفَالِ) هي مدنيَّةٌ إلَّا خمس آيات مكيَّة، وهي قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ} [الأنفال:22] إلى آخر الآيتين. وقوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى قوله: {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:30-32]، وفيها آيةٌ أخرى اختُلف فيها، وهي قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33].
          وقال الحصَّار في كتابه «الناسخ والمنسوخ»: مدنيَّةٌ باتِّفاق. وحكى القُرطبي عن ابن عبَّاس ☻ : مدنيَّةٌ إلَّا سبع آيات من قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى آخر سبع آياتٍ. وقال مقاتل: مدنيَّة، وفيها من المكِّي: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى آخر الآية.
          وقال السَّخاوي: نزلت قبل آل عمران وبعد البقرة، وآياتها أربعون وست آيات، وكلماتها ألف كلمة وستمائة كلمة، وإحدى وثلاثون كلمة، وحروفها خمسة آلاف ومائتان، وأربعة وتسعون حرفًا. /
          (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) لم تثبت البَسملة في غير رواية أبي ذرٍّ (قَوْلُهُ) تعالى: ({يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ}) أي: يسألك أصحابك يا محمَّد عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدرٍ لمن هي ({قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}) يقسمها صلعم على ما يأمر الله تعالى. وقيل: هي أنفال السَّرايا. وقيل: هي ما شذَّ من المشركين إلى المسلمين من عبدٍ أو دابَّةٍ أو ما أشبه ذلك. وقيل: هي ما أخذ ممَّا يسقطُ من المتاع بعد ما تقسمُ الغنائم فهو نفلٌ لله ولرسوله. وقيل: النَّفل الخمس الَّذي جعله الله تعالى لأهل الخمس.
          وقال النَّحَّاس: في هذه الآية أقوالٌ، وأكثرهم على أنَّها منسوخةٌ بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41]. وقال بعضهم: هي محكمةٌ، وللأئمة أن يأخذوها فينفلوا من شاؤوا إذا كان فيه صلاحُ المسلمين.
          وفي «تفسير مكي»: أكثر النَّاس على أنَّها محكمةٌ.
          وممَّن قاله ابن عبَّاس ☻ ، قوله: ({فَاتَّقُوا اللَّهَ}) من الله بترك مخالفة رسوله، ولا تختلفوا عليه، وقد وقع الاختلاف بينهم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
          ({وَأصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}) أي: الأحوال التي بينكم حتَّى تكون أحوال ألفةٍ ومحبَّةٍ، وذلك بالمواساة والمساعدة في الغنائم وغيرها، والبين: الوصل كقوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام:94].
          وتمام الآية: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فإنَّ الإيمان يقتضي ذلك، أو إن كنتم كاملي الإيمان، فإنَّ كمال الإيمان بهذه الثَّلاثة طاعة الأوامر، والاتِّقاء عن المعاصي، وإصلاح البين بالعدل والإحسان.
          وقد سقط قوله لفظ: <قوله: {يَسْأَلُونَكَ}> إلى آخره في رواية أبي ذرٍّ.
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ({الأنْفَالُ}: الْمَغَانِمُ) وهذا التَّعليق وصله ابن أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه قال: الأنفال: المغانم كانت لرسول الله صلعم خالصةً ليس لأحدٍ فيها شيء. /
          قيل: سُمِّيت الغنائم أنفالًا؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلوا بها على سائر الأمم الَّذين لم تحلَّ لهم. وسُمِّي التَّطوُّع نافلةً؛ لزيادته على الفرض. ويعقوب ◙؛ لكونه من زيادته على ما سأل. وفي الاصطلاح: ما شرطه الإمام لمن يباشر خطرًا كتقدُّم طليعةٍ، وكشرط السَّلب للقاتل.
          (قَالَ قَتَادَةُ: {رِيحُكُمْ} الْحَرْبُ) أشار إلى قوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] وفسَّر قَتَادة الرِّيح: بالحرب.
          وهذا التعليق وصله عبد الرَّزاق في «تفسيره» عن معمر، عنه.
          وفي التَّفسير: ((وتذهبُ ريحكم)) أي: قوَّتكم وحدَّتكم، وما كنتُم عليه من الإقبال. وقيل: المراد: المعنى الحقيقي، فإنَّ النَّصر يكون بريحٍ يبعثها الله تعالى. وفي الحديث: ((نُصرت بالصَّبا)).
          (يُقَالُ: نَافِلَةٌ عَطِيَّةٌ) إنَّما ذكر هذا استطرادًا؛ لأنَّ في معنى الأنفال معنى العطيَّة.
          قال الجوهري: النَّفل والنَّافلة: عطيَّة التَّطوع من حيث لا تجب، ومنه: نافلة الصَّلاة.
          وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79] ؛ أي: غنيمة.