نجاح القاري لصحيح البخاري

سورة النحل

          ░░░16▒▒▒ (سُوْرَةُ النَّحْلِ) روى همَّام عن قَتادة أنها مدنيَّة، وروى سعيد عنه أوَّلها مكي إلى قوله ╡: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل:41] ومن هنا إلى آخرها مدني. وقال السُّدِّي: مكيَّة كلها إلَّا آيتين: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]. وقال سفيان: إنَّها مكيَّة.
          وقال القُرطبي: قال ابنُ عبَّاس ☻ : هي مكيَّة إلَّا ثلاث آيات نزلت بعد قتل حمزة ☺: {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [النحل:95] الآيات، وفي رواية: هي مكيَّة إلَّا ثلاث آيات نزلت بين مكَّة والمدينة منصرف رسول الله صلعم من أحد.
          وقال السَّخاوي: نزلت بعد الكهف، وقبل سورة نوح ◙، وهي سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة أحرف، وألفان وثمانمائة وإحدى وأربعون كلمة، ومائة وثمان وعشرون آية.
          (╖) لم تثبت البسملة إلَّا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية غير أبي ذرٍّ: <تفسير سورة النَّحل>.
          ({رُوحُ القُدُسِ} جِبْرِيلُ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء:193]) أشار به إلى قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:102] الآية. وفسَّر {رُوحُ القُدُسِ} بقوله: «جبريل»، وكذا رواه ابن أبي حاتم بإسنادٍ رجاله ثقات عن عبد الله بن مسعود ☺. وكذا رواه الطَّبري من طريق محمَّد بن كعب القرظي قال: {رُوحُ القُدُسِ} جبرئيل ◙. وأضيف الرُّوح إلى القدس وهو الطُّهر، كما يُقال: حاتم الجود، وزيد الخير، والمراد: الرُّوح القدسي. وقال ابنُ الأثير: لأنه خُلِق من طهارة، والرُّوح في الحقيقة ما يقوم به الجسد ويكون به الحياة، وقد أطلقَ على القرآن والوحي والرَّحمة، وعلى جبريل ◙.
          وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء:193 / ذكره استشهادًا لصحَّة هذا التَّأويل، فإنَّ المراد به جبرئيل ◙ اتفاقًا، وكأنَّه أشار به إلى ردِّ ما روى الضَّحَّاك عن ابن عبَّاس ☻ قال: {رُوحُ القُدُسِ} الاسم الذي كان عيسى ◙ يُحيي به الموتى، رواه ابن أبي حاتم بإسنادٍ ضعيفٍ.
          وقوله: {الأَمِينُ} وصف جبرئيل ◙؛ لأنَّه كان أمينًا فيما استودع من الرِّسالة إلى الرُّسل ‰.
          ({فِي ضَيْقٍ}، يُقَالُ: أَمْرٌ ضَيْقٌ) بسكون التحتية (وَضَيِّقٌ) ويُروى: <وأمر ضيِّق> بتشديد التحتية (مِثْلُ: هَيْنٍ وهَيِّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ) أشار بقوله: ((في ضَيق)) إلى قوله تعالى: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127] وبقوله: «يُقال... إلى آخره» إلى أنَّ فيه لغتين التخفيف والتشديد كما ذكرهما في الأمثلة المذكورة، وقال أبو عُبيدة في قوله تعالى: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ} بفتح أوله وتخفيف، ضيِّق كميِّت وهيِّن وليِّن، فإذا أخففتها قلت: مَيْت وهَيْن ولَيْن، فإذا كسرت أوَّله فهو مصدر، انتهى.
          وقرأ ابنُ كثير هنا وفي النَّمل بالكسر، والباقون بالفتح، فقيل: هما لغتان كالقولِ والقيل، وقيل: المفتوح مخفَّف من ضَيْق؛ أي: في أمرٍ ضَيِّق. واعترض عليه الفارسي بأنَّ الصِّفة غير خاصة بالموصوف فلا يُدَّعى الحذف، فليتأمَّل.
          وقال الفرَّاء: والضيق _بالفتح أو بالكسر والتخفيف_ ما ضاقَ عنه صدرك، والضيِّق _بالتشديد_: ما يكون في الذي يتَّسع مثل الدَّار والثَّوب. ومعنى الآية: لا يضق صدرك من مكرهم، وقيل: هذا من الكلام المقلوب؛ لأنَّ الضيق صفة، والصِّفة تكون حاصلة في الموصوف، ولا يكون الموصوف حاصلًا في الصِّفة.
          فالمعنى: ولا يكن الضيق فيك، إلَّا أنَّه قلب الكلام لفائدة هي أن الضيق إذا عظم وقوي، وصار كالشَّيء المحيط بالإنسان من كلِّ الجوانب فصار كالقميص المحيط به.
          وقد وقع في بعض الأصول هنا: <قال ابن عباس: {تَتَفَيَّأُ ظِلاَلهُ} [النحل:48] > أي: «تتهيَّأ»، كذا وقع، والصَّواب تَتَمَيَّل <{سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلًا} [النحل:69] لا يَتَوَعَّر> بالعين المهملة <عليها مكان سلكته> رواه الطَّبري من طريق ابن أبي نَجيح عن مجاهد مثله.
          و{ذُلُلًا}: حال من السُّبل؛ أي: ذللَّها الله، وهو جمع ذَلول، قال الله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} [الملك:15] ؛ أي: مُطيعة منقادةً، وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} [النحل:69] ؛ أي: فاسلكي الطُّرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل، فيكون {سُبُلَ رَبِّكِ} مفعولًا به، ويحتمل الظَّرفيَّة بمعنى: اسلكي ما أكلت في سبل ربِّك؛ أي: في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النُّور المر ونحوه عسلًا.
          (قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ({فِي تَقَلُّبِهِمْ} اخْتِلاَفِهِم) أي: قال ابنُ عبَّاس ☻ في تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} [النحل:46] في اختلافهم ({فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ})، وصله الطَّبري من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه مثله، ومن طريق سعيد عن قتادة {فِي تَقَلُّبِهِمْ} يقول: في أسفارهم.
          وقال الثَّعلبي: معناه: أو يأخذهم العذاب في تصرُّفهم في أسفارهم باللَّيل والنَّهار. / وقال ابنُ جُريج: في إقبالهم وإدبارهِم.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَمِيدَ} تَكَفَّأَ) أي: قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] [أن تَكَفَّأ] بالكاف وتشديد الفاء وبالهمزة، وقيل: بضم أوله وسكون الكاف، ومعنى: تكفَّأ: تقلَّب وتميلُ بما عليها من الحيوان فلا يهيَّأ لهم عيشٌ بسبب ذلك، وقد وصله الفريابيُّ من طريق ابن أبي نَجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] قال: تكفَّأ بكم.
          وروى الطَّبري من حديث عليٍّ ☺ بإسنادٍ حسنٍ موقوفًا قال: لمَّا خلق الله الأرض قمصت فأرسى الله فيها الجبال، وهو عند أحمد والتِّرمذي من حديث أنس ☺ مرفوع. وروى عبد الرَّزَّاق عن الحسن قال: لمَّا خُلقت الأرض كانت تميدُ، فقالوا: ما هذه بِمُقِرّة على ظهرها أحداً فأصبحوا وقد خُلقت الجبال فلم تدرِ الملائكة مم خُلقت الجبال.
          ({مُفْرَطُونَ} مَنْسِيُّونَ) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} [النحل:62] وفسَّر {مُفْرَطُونَ} بقوله: «منسيُّون». وصله الطَّبري من طريق ابنِ أبي نَجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} قال: منسيُّون. ومن طريق سعيد بن جبير، قال: {مُفْرَطُونَ} أي: متروكون في النَّار منسيُّون فيها. ومن طريق سعيد عن قَتادة، قال: مُعَجَّلون.
          قال الطَّبري: ذهب قتادة إلى أنَّه من قولهم: أفرطنا فلانًا إذا قدَّموه فهو مُفْرَط، ومنه أنا فرطُكم على الحوض. وهذا كلُّه على قراءة الجمهور بتخفيف الراء وفتحها. وقرأها نافع بكسرها وهو من الإفراط، وقرأها أبو جعفر بن القعقاع: بفتح الفاء وتشديد الراء مكسورة؛ أي: مقصرون في أداء الواجب مبالغون في الإساءة.
          (وَقَالَ غَيرُهُ) أي: غير مجاهد، والمراد بالغير أبو عُبيدة، فإنَّ هذا كلامه بعينه في قوله تعالى: ({فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}) وزاد أبو ذر: <{مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}> (هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ) يعني أنَّ فيه التَّقديم والتَّأخير (وَذلِكَ أَنَّ الاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ القِرَاءَةِ) يعني: والتَّقدير: فإذا أردت / أن تقرأَ القرآن فاستعذ بالله، كذا في «الكشاف» و«أنوار التَّنزيل» وهو قول الجمهور من القرَّاء وغيرهم حتى قال صاحب «التوضيح»: هذا إجماع، وفي دعوى الإجماع نظر سيأتي.
          قال في «الكشاف»: لأنَّ الفعل يوجدُ عند القصد والإرادة من غير فاصلٍ وعلى حسبه فكان منه بسبب قويٍّ وملابسة ظاهرةٍ. وقال الشَّيخ بهاء الدِّين السُّبكي في «شرح التَّلخيص»: وعليه سؤال وهو أنَّ الإرادة إن أُخذت مطلقًا لزم استحباب الاستعاذة بمجرَّد ذلك، وإن أُخذت بشرط اتِّصالها بالقراءة استحال تحقُّق العلم بوقوعها، ويمتنع حينئذٍ استحباب الاستعاذة قبل القراءة.
          قال في «المصابيح»: بقيَ قسم آخر باختياره يزولُ الإشكال، وذلك أنَّا لا نأخذُ الإرادة مطلقًا ولا بشرط اتِّصالها بالقراءة، وإنَّما نأخذها مقيدة بأن لا يوجد صارف عن القراءة فلا يلزم حينئذٍ استحباب الاستعاذة بعد طروء العزم على عدم القراءة، ولا يلزم أيضًا استحالة تحقُّق العلم بوقوعها فزال الإشكال. وقد أخذ بظاهر الآية ابن سيرين وداود ومالك، فإنَّهم قالوا: إنَّ الاستعاذة بعد القراءة، وهو مذهب حمزة الزيَّات، وقد رُوي ذلك أيضًا عن أبي هريرة ☺.
          (وَمَعْنَاهَا) أي: معنى الاستعاذة (الاِعْتِصَامُ بِاللَّهِ) أي: من وساوس الشَّيطان، وهو قول أبي عُبيدة أيضًا، والجمهور على أنَّ الأمر به للاستحباب، والخطاب للرَّسول صلعم ، والمراد منه الكل؛ لأنَّ الرَّسول صلعم إذا كان محتاجًا إلى الاستعاذة عند القراءة فغيرُه أولى.
          ({قَصْدُ السَّبِيلِ} البَيَانُ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ} [النحل:9]، وفسَّر القصد بالبيان، وكذا رُوي عن ابن عبَّاس ☻ أخرجه الطَّبري من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه.
          ومن طريق العوفي عن ابن عبَّاس ☻ أيضًا مثله، وزاد: البيان بيان الضَّلالة والهدى، وقيل: {قَصْدُ السَّبِيلِ} بيان طريق الحكم لكم، والقصد: الطَّريق المستقيم، وقيل: بيان الشَّرائع والفرائض. وعن ابن المبارك: {قَصْدُ السَّبِيلِ}: / السنَّة، وقوله تعالى: {وَمِنْهَا} أي: ومن السَّبيل، والتَّأنيث باعتبار أنَّ لفظ السَّبيل وإن كان واحدًا إلَّا أنَّ معناه الجمع. وقوله: {جَائِرٌ} أي: معوج عن الاستقامة. وقد وقع في بعض النُّسخ هنا قبل قوله: {قَصْدُ السَّبِيلِ} البيان. <وقال ابنُ عبَّاس ☻ : ({تُسِيمُونَ}) ترعون>.
          روى الطَّبري من طريق العوفي عن ابن عبَّاس ☻ في قوله تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل:10] قال: ترعون فيه أنعامكم. ومن طريق عليِّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس ☻ : {تُسيِمُونَ} أي: ترعون. ومن طريق عكرمة عنه مثله.
          وقال أبو عُبيدة: أَسَمْتُ الإبل: إذا أرعيتها، وسامت هي رعت قوله: ((شاكلته)): ناحيته، كذا وقع هنا، وهذا إنَّما هو في سورة بني إسرائيل [خ¦84] وقد أعاده فيها، ووقع في رواية أبي ذرٍّ عن الحموي: <نيته> بدل ناحيته، وسيأتي الكلام عليه هناك [خ¦65-6853].
          (الدِّفءُ: مَا اسْتَدْفَأْتَ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} [النحل:5] وفسَّر الدِّفء بقوله: «ما استدفأت به»؛ أي: من الثِّياب والأكسية ممَّا يقي البرد، قال أبو عُبيدة: الدِّفء: ما استُدفئ به من أوبارها ومنافع ما سوى ذلك.
          وروى الطَّبري من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاس ☻ في قوله: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} قال: الثِّياب. ومن طريق مجاهد قال: لباس يُنسج. ومن طريق قتادة مثله.
          وقال الجوهريُّ: الدِّفء: السُّخونة تقول منه: دَفِئ الرَّجل دَفاءة، مثل: كره كراهة، وكذلك دَفِئ دَفأ، مثل: ظمئ ظمأ، والاسم: الدِّفء، وهو الشَّيء الذي يدفئك، وفسَّر الجوهري الدِّفء في الآية المذكورة بقوله: الدِّفء: نتاج الإبل وألبانها، وما ينتفعُ به منها، قال الله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ}.
          ({تُرِيحُونَ} بِالعَشِيِّ وَ{تَسْرَحُونَ} بِالغَدَاةِ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6] وبيّن أن ({تُرِيحُونَ}) / بالعَشِيِّ و({تَسْرَحُونَ}) بالغداة، وفي التَّفسير: تردُّونها إلى مراحها وهو حيثُ تأوي إليه، وحين تسرحون ترسلونها بالغداةِ إلى مراعيها، وقال قَتادة: وأحسن ما يكون إذا راحت عظامًا ضروعها طوالًا أسنمتها.
          ({بِشِقٍّ} يَعْنِي: المَشَقَّةَ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل:7] وفسَّر الشِّق بالمشقَّة؛ أي: الكلفة. وروى الطَّبري من طريق ابنِ أبي نَجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} أي: بمشقَّة الأنفس. وقراءة الجمهور بكسر الشين، وقرأها أبو جعفر بن القعقاع بفتحها. قال أبو عُبيدة: هما بمعنى. وقال الفرَّاء: معناهما مختلف فبالكسر المشقَّة، وبالفتح من الشق في الشَّيء كالشق في الجبل. وعنه أيضًا فبالكسر معناه: ذابت حتى صارتْ على نصف ما كانت، وبالفتح المشقَّة.
          ({عَلَى تَخَوُّفٍ} تَنَقُّصٍ) أشار به إلى قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل:47] وفسَّره بقوله: ((تنُّقص)) أي: شيئًا بعد شيءٍ في أنفسهم وأموالهم حتَّى يهلكوا.
          وقد وصله الطَّبري من طريق ابنِ أبي نَجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} قال: على تنقُّص. وروى ابن أبي حاتم من طريق الضَّحَّاك عن ابن عبَّاس ☻ : ((على تخوُّف)) قال: على تنقُّص من أعمالكم، وقيل: هو تَفَعُّل من الخوف.
          ورُوي بإسنادٍ فيه مجهولٌ عن عمر ☺ أنَّه سُئل عن ذلك ولم يجب، فقال عمر ☺: ما أرى إلَّا أنَّه على ما يُنتقَصون من معاصي الله، قال: فخرج رجلٌ فلقي أعرابيًا فقال: ما فعل فلان، قال: تخوَّفته؛ أي: تَنَقَّصته فرجعَ فأخبر عمر ☺ فأعجبه. وفي شعر أبي كبير الهُذَلي ما يشهد لهنَّ، فقد روي أنَّ عمر ☺ قال على المنبر: ما تقولون فيها؟ فسكتوا، فقام شيخٌ من هُذيل فقال: هذه لغتنا التخوُّف: التنقُّص، فقال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا                     كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ
          فقال عمر ☺: عليكم بديوانكم حتَّى لا تضلوا، قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهليَّة، فإن فيه تفسيرُ كتابكم، ومعاني كلامكُم. /
          ({الأنْعَامِ لَعِبْرَةً} وَهيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ) أي: الأنعام تُؤنَّث وتُذكَّر (وَكَذلِكَ النَّعَمُ) بفتحتين؛ أي: تُؤنَّث وتُذكَّر (الأَنْعَامُ: جَمَاعَةُ النَّعَمِ) كذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية غيره: <للأنعام> بحرف الجر: <جماعة النَّعم> أشار به إلى قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل:66] وبيَّن أنَّ الأنعام والنَّعم يُؤنَّث ويُذكَّر، فذكر لفظ: {الْأَنْعَامِ} في هذه الآية حيث قيل: {فِي بُطُونِهِ} ولم يقل: في بطونها، وأنَّث في سورة المؤمنين [خ¦21]، وذلك لأنَّ الأنعام اسم جمع، ولذلك عدَّه سيبويه في المفردات المبنيَّة على أفعال كأخلاق، وأشار بقوله: «الأنعام جماعة النَّعم»، إلى أنَّه ذهب بعضهم إلى أنَّه جمع نعم، فجعل الضَّمير للبعض، فإن اللَّبن لبعضها دون جميعها، فإنَّ العرب تُظهر الشَّيء ثمَّ تُخبر عنه بما هو منه بسبب، وإن لم يظهروه، كقول الشَّاعر:
قَبائِلُنا سَبْعٌ وأنْتُمْ ثَلاثَةٌ                     وللسَّبع أَوْلَى مِنْ ثَلاثٍ وَأَطْيَبُ
          أي: ثلاثة أحياء ثمَّ قال: من ثلاث؛ أي: قبائل.
          وعن الفرَّاء: أن النَّعم مذكَّر، ويُجمعُ على أنعام، وهي الإبلُ والبقرُ والغنم، وقوله: {لَعِبْرَةً}؛ أي: لعظة. وقوله: {نـَُسْقِيكُمْ} قُرئ بفتح النون وضمها، فقيل: هما لغتان. وقال الكسائي: تقول العرب: أسقيته لبنًا إذا جعلته له سقيًا دائمًا، وإذا أرادوا أنَّهم أعطوه شربة، قالوا: اسقيناه، ثمَّ إنَّه قول أبي عُبيدة حيث قال في قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل:66] فذكَّر وأنَّث.
          ({أَكْنَانًا} وَاحِدُهَا كِنٌّ مِثْلُ: حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل:81] وبيَّن أنَّ واحد الأكنان: كِن _بكسر الكاف_، مثل: حِمل _بكسر الحاء المهملة_ واحد الأحمال، والكِن: كلُّ شيءٍ ستر شيئًا ووقاه، وبذلك قال أبو عُبيدة.
          وروى الطَّبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله: {أَكْنَانًا} قال: غِيرانًا من الجبال يُسكن فيها؛ أي مواضع يسكنون بها من الكهوف والبيوت المنحوتة فيها. وقد ثبت هذا هنا في رواية أبي ذرٍّ، وفي بعض النُّسخ / وقع قبيل قوله: ((باب قوله: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ} [النحل:70])).
          ({سَرَابِيلَ}: قُمصٌ ({تَقِيكُمُ الحَرَّ})، وَأَمَّا ({سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}) فَإِنَّهَا الدُّرُوعُ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل:81] وفسَّر سرابيل الأولى بالقُمُص _بضم القاف والميم_، جمع: قميص من قطن وكتَّان وصوف، وسرابيل الثَّانية بالدُّروع، وبذلك فسَّرهما أبو عُبيدة حيث قال في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} أي: دروعًا. وروى الطَّبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} قال: دروع من حديد. وقوله: {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي: تحفظكم من الحرِّ، ومن البرد أيضًا. وهذا من باب الاكتفاء بأحد الضِّدَّين عن الآخر، ولأنَّ وقاية الحرِّ كانت عندهم أهم.
          ({دَخَلًا بَيْنَكُمْ} كُلُّ شَيءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهْوَ دَخَلٌ) أشار به إلى قوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ} [النحل:92] وفسَّر الدَّخل «كلُّ شيءٍ لم يصحَّ فهو دَخَل»، وبذلك فسَّره أبو عُبيدة أيضًا، وكذلك الدَّغل: وهو الغشُّ والخيانة. وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قَتادة {دَخَلًا} قال: خيانة، وقيل: الدَّخل: الدَّاخل في الشَّيء ليس منه، وقيل: هو أن يظهرَ الوفاء ويُبطنَ الغدر والنَّقض.
          (وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ({حَفَدَةً} مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل:72] وذكر أنَّ الحفدة مَنْ وَلَد الرَّجل، وهم ولده وولد ولده، وقيل: ولد الولد، فإنَّ الحافد هو أسرعُ في الخدمة، وقيل: البنات فإنَّ البنات يخدمنَ في البيوت أتمَّ خدمة، وقيل: هم البنون أنفسهم، والعطفُ لتغاير الوصفين؛ أي: جعل لكم بنين خدمًا، وهذا التَّعليق وصلَه الطَّبري من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس ☻ في قوله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} قال: الولد وولد الولد، وإسنادُه صحيح، وفيه عن ابن عبَّاس ☻ قول آخر أخرجه من طريق العوفي عنه قال: هم بنو امرأة الرَّجل، وفيه عنه قول ثالثٌ أخرجه من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاس ☻ قال: الحفدة: الأصهار. قال الشَّاعر:
فَلَوْ أَنَّ نَفْسِي طَاوَعَتْنِي لَأَصْبَحَتْ                     لَهَا حَفَدٌ مِمَّا يُعَدُّ كَثِيرٌ
وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ عَلَيَّ أَبِيَّةٌ                     عَيُوفٌ لأَصْهَارِ اللِّئَامِ قَذُورُ
          ومن طريق عكرمة عن ابن عبَّاس ☻ قال: الأختان، وأخرج هذا الأخير عن ابن مسعود ☺ بإسنادٍ صحيحٍ. ومن طريق أبي الضُّحى وإبراهيم وسعيد بن جبير وغيرهم مثله. وصحَّح الحاكم حديث ابن مسعود / ☺، وفيه قول رابع عن ابن عبَّاس ☻ أخرجه الطَّبري من طريق أبي حمزة عنه قال: من أعانكَ فقد حفدَك. ومن طريق عكرمة قال: الحفدة الخدَّام. ومن طريق الحسن قال: الحفدةُ البنون، وبنو البنين ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدَك. وهذا أجمع الأقوالِ وبه تجتمعُ، وأشار إلى ذلك الطَّبري، وأصل الحَفَد: مُداركة الخطو والإسراع في المشي، فأُطلقَ على من يسعى في خدمة الشَّخص ذلك.
          (السَّكَرُ: ما حُرِّمَ) على البناء للمفعول، ويُروى: <ما حَرَّم الله> (مِنْ ثَمَرَتِهَا) ويُروى: <من ثمرها> (وَالرِّزْقُ الحَسَنُ ما أَحَلَّ اللَّهُ) وفي رواية أبي ذر: <ما أُحِلّ> على البناء للمفعول، أشار به إلى قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل:67] وبين السَّكر بقوله: ((ما حُرِّم من ثمرتها))؛ أي: من ثمر النَّخيل والأعناب؛ أي: من عصيرهما. والسَّكر: مصدر سُمي به الخمر، يُقال: سَكَر يَسْكر سُكرًا وسَكرًا نحو: رَشَد يَرْشد رَشدًا ورُشدًا، وبيَّن الرِّزق الحسن بقوله: ((ما أحل الله))؛ أي: جعله حلالًا.
          وقال الثَّعلبي: قال قوم: السَّكر الخمر، والرِّزق الحسن: الخلُّ والدِّبس والتَّمر والزَّبيب، قالوا: وهذا قبل تحريم الخمر. وإلى هذا ذهب ابن مسعود وابن عمر ♥ وسعيد بن جبير وإبراهيم والحسن ومجاهد وابن أبي ليلى والكلبي، وهو رواية عن ابن عبَّاس ☻ قال: السَّكر ما حُرِّم من ثمرتها، والرِّزق الحسنُ ماأُحِلَّ من ثمرتها، وصله الطَّبري عنه. وقال قَتادة: أمَّا السَّكر فخمور هذه الأعاجم، وأمَّا الرِّزق الحسنُ فهو ممَّا ينتبذون وما يخلِّلون ويأكلون، قال: ونزلت هذه الآية وما حرمت الخمر يومئذٍ، وإنَّما نزل تحريما بعد في سورة المائدة.
          وقال الشَّعبي: السَّكر ما شربت، والرِّزق الحسن ما أكلت، وعن ابن عبَّاس ☻ : الحبشة يُسمُّون الخل سكرًا. وأخرج الطَّبري من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس ☻ قال: الرِّزق الحسن: الحلال، والسَّكر: الحرام. ومن طريق مجاهد مثله، وزاد أنَّ ذلك قبل تحريم الخمر.
          قال الحافظُ العسقلاني: وهو كذلك؛ / لأن سورة النحل مكيَّة، ومن طريق الشَّعبي، وقيل له في قوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} [النحل:67] أهو هذا الذي تصنع النبط قال: لا هذا خمر، وإنَّما السَّكر نقيعُ الزَّبيب والخل، والرِّزق الحسن التَّمر والعنب. واختار الطَّبري هذا القول وانتصر له.
          (وَقَالَ ابْنُ عُيَينَةَ) هو: سفيان بن عُيينة (عَنْ صَدَقَةَ) قال الكرمانيُّ: هذا هو: ابنُ الفضل المروزي، وسفيان شيخه يروي عنه. وقال الحافظُ العسقلاني: هو شيخ البخاري، وهو يروي عن سفيان بن عيينة، وهنا روى عنه سفيان ولا سلف له فيما ادَّعاه من ذلك، ويكفي في الردِّ عليه أن صدقة هذا روى عن السُّدي، فإن صدقة بن الفضل المروزي ما أدرك السُّدي ولا أصحاب السُّدي قال: وكنت أظنُّ أنَّ صدقة هذا هو: ابنُ أبي عمران قاضي الأهواز؛ لأنَّ لابن عيينة عنه رواية إلى أن رأيت في «تاريخ البخاري» صدقة أبو الهذيل روى عن السُّدي وروى عنه ابن عيينة. وكذا ذكره ابن حبَّان في «الثِّقات». وكذا ابن أبي حاتم عن أبيه، لكن قالَ: صدقة بن عبد الله بن كثير القارئ صاحب مجاهد، فظهر أنَّه غير ابن أبي عمران، ووضَّح أنَّه من رجال البخاري تعليقًا فيستدرك على من صنَّف في رجاله، فإنَّ الجميع أغفلوه، والله تعالى أعلم.
          ({أَنْكَاثًا} هِيَ خَرْقاءُ) كانت بمكَّة (كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقضَتْهُ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل:92] وصله ابنُ أبي حاتم عن أبيه عن ابن أبي عمر العدني، والطَّبري من طريق الحُميدي كلاهما عن ابن عُيينة عن صدقة عن السُّدي قال: كانت بمكَّة امرأة تُسمَّى: خرقاء، فذكر مثله. وفي «تفسير مقاتل»: أن اسمها ريطة بنت عَمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وعند البلاذري أنَّها والدة أسد بن عبد العزى بن قصي، وأنَّها بنت سعد بن تيم بن مرَّة.
          قال الزَّمخشري: أي: لا تكونوا في نقض الأيمان كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمتْه وأبرمته، فجعلته أنكاثًا جمع: نكث، وهو ما ينكثُ فتله. /
          وقال ابنُ الأثير: النَّكث: نقضُ العهد والاسم: النِّكث _بالكسر_ وهو الخيطُ الخَلق من صوف أو شعرٍ أو وبرٍ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُنقض ثمَّ يُعادُ فتله، فقوله: «هي خرقاء»، الضَّمير يرجعُ إلى تلك المرأة التي تسمَّى: خرقاء، وذكر {أَنْكَاثًا} يدلُّ عليه فلا يكون داخلًا في الإضمار قبل الذِّكر. وقوله: ((كانت إذا أبرمت))؛ أي: أحكمت غزلها نقضتُه، فلذلك قيل: خرقاء؛ أي: حمقاء. وفي «غرر التبيان»: كانت تغزلُ هي وجواريها من الغداةِ إلى نصف النَّهار، ثمَّ تأمرهنَّ فينقضنَ جميعًا ما غزلنَ، هذا دأبها لا تكفُّ عن الغزل، ولا تُبقي ما غزلت. وروى الطَّبري من طريق ابن جُريج عن عبد الله بن كثير مثل رواية صدقة المذكور. ومن طريق سعيد عن قتادة، قال: هو مثلٌ ضربه الله تعالى لمن ينكثُ عهده.
          وقال الثَّعلبي: كانت اتخذت مغزلًا بقدر ذراع وصنارةٍ، مثل: الإصبع، وفلكة عظيمة على قدرهما، وكانت تغزلُ الغزل من الصُّوف والوبر والشَّعر وتأمر جواريها بذلك، وكنَّ يغزلنَ إلى نصف النَّهار، ثمَّ تأمرهنَّ بنقض جميع ذلك فهذا كان دأبها. هذا وروى ابن مَردويه بإسنادٍ ضعيفٍ عن ابن عبَّاس ☻ أنها نزلت في أمِّ زُفَر الآتي ذكرها في كتاب «الطِّب» [خ¦5652]، والله تعالى أعلم.
          (وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ) ☺ (الأُمَّةُ مُعَلِّمُ الخَيرِ، وَالقَانِتُ المُطِيعُ) أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل:120] قال عبد الله بن مسعود ☺ في تفسير الأمة أنَّه معلِّم الخير.
          وصله الفريابيُّ وعبد الرَّزاق وأبو عبيد الله في «المواعظ» والحاكم وقال: صحيحٌ على شرط الشَّيخين كلهم من طريق الشَّعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ☺ قال: قُرئت عنده هذه الآية: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} فقال ابنُ مسعود ☺: إنَّ معاذًا كان أمَّة قانتًا لله فسُئل عن ذلك فقال: هل تدرون ما الأمة؟ الذي يُعلم النَّاس الخير، / والقانت الذي يُطيعُ الله ورسوله. وعن مجاهد كان مؤمنًا وحدَه، والنَّاس كلهم كفَّار. وعن قتادة: ليس من أهل دين إلَّا ويتولَّونه ويرضونه. وعن شهر بن حوشب: لا يخلو الأرض إلَّا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض، ويخرج بركتها إلَّا زمان إبراهيم ◙ فإنَّه كان وحده، انتهى.
          والأمَّة لها معان أخر في القرآن من النَّاس والجماعة والدين والحين والواحد الذي يقوم مقام جماعة.