نجاح القاري لصحيح البخاري

{ألم نشرح}

          ░░░94▒▒▒ (سُوْرَةُ {أَلَمْ نَشْرَحْ}) وفي نسخة: <سورة: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ}> بزيادة: <{لَكَ}>، وفي أخرى: <{أَلَمْ نَشْرَحْ}> حسب، وهي رواية غير أبي ذرٍّ، وهي مكيَّةٌ، وهي مائة وثلاثة أحرف، وسبع وعشرون كلمة، وثمان آيات.
          (╖) / لم تثبت البسملة إلَّا في رواية أبي ذرٍّ وحدَه، ثمَّ قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكْ} أي: ألم نفتح ونوسع ونليِّن لك قلبك بالإيمان والنُّبوَّة والعلم والحكمة، والهمزة فيه ليست على الاستفهام الحقيقي، بل معناه: شرحنا لك صدرك، ولهذا عطف {وَوَضَعْنَا} عليه.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وِزْرَكَ}: فِي الْجَاهِلِيَّةِ) وفي نسخة: <{وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ}> بزيادة قوله: (({وَوَضَعْنَا عَنْكَ})) وصله الفريابي من طريقه. وقرأ عبد الله بن مسعود ☺: (▬وحللنا عنك وزرك↨).
          وقوله: ((في الجاهلية)) صفةٌ للوزرِ لا متعلق بالوضع، وأرادَ به الوزر الكائن في الجاهليَّة من ترك الأفضل، والذَّهاب إلى الفاضل. وعن الحسين بنِ الفضل: يعني: الخطأ والسَّهو، وقيل: ذنوب أمَّتك، وإضافتها إليه؛ لاشتغال قلبه بها، واهتمامه لها.
          ({أَنْقَضَ}: أَثْقَلَ) وفي نسخة: <{أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} أثقل> بزيادة {ظَهْرَكَ} وأثقل: بمثلثة وقاف ولام، كذا في الفرع كأصله، وفي نسخة: <أتقن> بمثناة فوقية وقاف ونون.
          قال القاضي عياض: كذا في جميع النسخ، وهو وهمٌ، والصَّواب: أثقل، تقول العرب: أنقض الحِمل ظهرَ النَّاقة: إذا أثقلها. وعن الفراء: كسرَ ظهرك حتَّى سمعَ نقيضَه وهو صوته، ومنه: سمعتُ نقيض الرَّحل؛ أي: صريره. وقال الأصيلي أيضًا: هذا وهمٌ في رواية الفربريِّ. وعند ابن السَّماك: ((أثقل)) بالمثلثة، وهو أصحُّ.
          وقد وقع عند ابن السَّكن: ويُروى: <أثقل> وهو الصَّواب، ووقع في الحاشية: ويُروى: <أثقل> وهو أصحُّ من أتقن. وكذا وقع في رواية المستملي، وزاد فيه: <قال الفربري: سمعت أبا معشر يقول: {أَنْقَضَ} أثقل>، ووقع في الكتاب خطأ.
          قال الحافظ العسقلاني: أبو معشر هو حمدويه بن الخطاب بن إبراهيم البخاري كان يستملي على البخاري، وشاركه في بعض شيوخهِ، وكان صدوقًا وأُضِرَّ بآخره.
          وقد أخرجه الفريابيُّ من طريق مجاهدٍ بلفظ: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:3] قال: أثقل، وهذا هو الصَّواب، كما عرفت.
          ({مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) هو: سفيان (أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْعُسْرِ يُسْرًا آخَرَ) أشار به إلى قول النُّحاة: إنَّ النَّكرة إذا أُعيدت نكرة فهي غير الأولى، والمعرفة إذا أعيدت معرفة / فهي عين الأولى، فاليسر هنا اثنان، والعسر واحد.
          قال الفرَّاء: إذا ذكرت العرب نكرةً ثمَّ أعادتها نكرة مثلها صارتا اثنتين، كقولك: إذا كسبت درهمًا، فأنفق درهمًا، فإنَّ الثَّاني غير الأول، فإذا أعادتها معرفة، فهي هي نحو قوله: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا. فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ} [المزمل:15-16]، وذكر الزَّجَّاج نحوه.
          وقال السيِّد في «الأمالي»: وإنَّما كان العسر معرفًا، واليسر منكرًا؛ لأنَّ الاسم إذا تكرر منكرًا، فالثاني غير الأول كقولك: جاءني رجلٌ، فقلت لرجل كذا وكذا، وكذلك إذا كان الأوَّل معرفة والثاني نكرة، نحو حضر الرَّجل، وأكرمت رجلًا.
          (كَقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:52]) وموقع التَّشبيه أنَّه كما ثبت للمؤمنين تعدد الحسنى، كذا ثبت لهم تعدُّد اليُسْر، والمراد بإحدى الحُسنيين إحدى العاقبتين اللَّتين كلٌّ منهما حسنى: النُّصرة والشَّهادة.
          وقد ذهب ابنُ عيينة: إلى أنَّ المراد بأحد اليسرين الظَّفر، وبالآخر الثَّواب، فلابدَّ للمؤمن من أحدهما، ولا مانع من الجمع بينهما.
          (وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ) هو عطفٌ على قوله «كقوله» لا على مقوله. وقد تردَّد الكرماني في أنَّه حديثٌ أو أثرٌ، وقد رُوي هذا مرفوعًا موصولًا ومرسلًا، ورُوي أيضًا موقوفًا، فأمَّا المرفوع فأخرجه ابن مَرْدويه من حديث جابرٍ ☺ بإسنادٍ ضعيفٍ ولفظه: ((أُوحي إليَّ أنَّ مع العسر يسرًا، ولن يغلب عسرٌ يسرين)).
          وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرَّزَّاق من حديث ابن مسعودٍ ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((لو كان العسر في حُجْرٍ لدخل عليه اليسر حتَّى يُخرجه، ولن يغلبَ عسرٌ يسرين، ثمَّ قال: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَى} [الشرح:5-6])) وإسناده ضعيفٌ.
          وأمَّا المرسل: فأخرجه عبد بن حميد من طريق قتادة قال: ذُكر لنا أنَّ رسول الله صلعم بشَّر أصحابه بهذه الآية وقال: ((لن يغلب عسرٌ يسرين إن شاء الله)).
          وأمَّا الموقوف: فأخرجه مالكٌ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر ☺: أنَّه كتب إلى أبي عبيدة يقول: مهما يَنْزل بامرئٍ من شدَّةٍ يجعل الله له بعدها فرجًا، وإنَّه لن يغلبَ عسرٌ يسرين.
          وقال الحاكم: صحَّ ذلك عن عمر وعليٍّ ☻ ، وهو في «الموطأ» عن عمر ☺، لكن من طريقٍ منقطعٍ. وأخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعودٍ ☺ بإسنادٍ جيِّدٍ، وأخرجه الفرَّاء بإسنادٍ ضعيفٍ / عن ابن عباس ☻ .
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَانْصَبْ}: فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ) أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح:7] أي: انصب في حاجتك إلى ربِّك، يعني: إذا فرغت عن العبادة فاجتهد في الدُّعاء في قضاء الحوائج. وصله ابن المبارك في «الزهد» عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح:7] في صلاتك {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:8] قال: اجعل نيَّتك ورغبتك إلى ربِّك.
          وروى أبو جعفر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: إذا قمتَ إلى الصَّلاة، فانصب في حاجتك إلى ربِّك. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال: إذا فرغت من الجهاد فتعبَّد. ومن طريق الحسن نحوه. وعن ابن عبَّاس ☻ : إذا فرغت ممَّا فرض الله عليك من الصَّلاة فسل الله، وارغب إليه، وانصب له؛ أي: فانصب في الدُّعاء، وارغبْ إليه في المسألة. وقال قتادة: أمره إذا فرغَ من صلاته أن يُبالغَ في دعائه.
          ثمَّ قوله: {فَانْصَبْ} من النَّصب، وهو التَّعب في العمل، وهو من نصبَ ينصبُ من باب علم يعلم.
          (وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ ({أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1]: شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ (1)) وسقط في رواية غير أبي ذرٍّ: <{لَكَ صَدْرَكْ}>.
          رواه ابن مردويه من طريق ابن جريجٍ عن عطاء عن ابن عبَّاس ☻ ، وفي إسناده راوٍ ضعيف. ولم يذكر البخاريُّ ☼ في هذه السُّورة حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيها حديثٌ أخرجه الطَّبري، وصحَّحه ابن حبَّان من حديث أبي سعيدٍ ☺ رفعه: ((أتاني جبريل فقال: يقول لك ربك: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله أعلم قال: إذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معي)). وهذا أخرجه الشَّافعي وسعيد بن منصور وعبد الرَّزَّاق من طريق مجاهد. وذكر التِّرمذي والحاكم في تفسيرها قصَّة شرح صدره صلعم ليلة الإسراء، وقد مضى الكلام عليه في أوائل «السيرة النبوية» [خ¦3887].


[1] في هامش الأصل: شرح الله صدره للإسلام: حتى تمكن فيه بيسير عبر به عن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله غير متأبية عنه من حيث إن الصدر محل القلب المنبع للروح المتعلق بالنفس القابل للإسلام. منه.