نجاح القاري لصحيح البخاري

{أرأيت}

          ░░░107▒▒▒ (سُوْرَةُ {أَرَأَيْتَ}) كذا في رواية أبي ذرٍّ، وسقط في رواية غيره لفظ: <سورة>. ويُقال لها أيضًا: سورة الماعون، وهي مكيَّةٌ، وهي مائة وثلاثة وعشرون حرفًا، وخمس وعشرون كلمة، وسبع آيات. قال الثَّعلبي: قال الكلبي: نزلت في العاص بن وائل السَّهمي.
          وعن السُّدي وابن كَيسان في الوليد بن المغيرة، وعن الضَّحَّاك في عَمرو بن عائذ، وقيل: في هبيرة بن وهبٍ المخزومي. وقال الفرَّاء: قرأ ابن مسعودٍ ☻ : (▬أَرَأَيَتَكَ الَّذِي يُكَذِّبُ↨) قال: والكاف صلة، والمعنى في إثباتها وحذفها لا يختلف.
          كذا قال، لكن التي بإثبات الكاف قد تكون بمعنى أخبرني، والَّذي بحذفها الظَّاهر أنَّها من رؤية البصر، كذا قال الحافظُ العسقلاني، وفيه نظرٌ.
          وقال النَّسفي: ({أرأيت}) هل عرفت ({الَّذي يكذِّب بالدِّين}) بالجزاء من هو إن لم تعرفْه، ({فذلك الَّذي}) يكذِّب بالجزاء هو الَّذي ({يدعُّ اليتيم})؛ أي: يقهره ويزجرهُ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يَدُعُّ}: يَدْفَعُ عَنْ حَقِّهِ، يُقَالُ: هُوَ مِنْ دَعَعْتُ. {يُدَعُّونَ}: يُدْفَعُونَ) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيْمَ} [الماعون:2] أي: يدفعه عن حقِّه من دعَّ يدعُّ دعًا. وقوله: «يُقال: هو من دَعَعْت» إشارة إلى اشتقاقه، وأنَّ ماضيهِ دععت؛ لأنَّ عند اتِّصال الضَّمير لا يدغم. /
          وقوله: ({يُدَعُّون}) أشار به إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ} [الطور:13] وفسَّره بقوله: «يُدْفعون». قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ} أي: يُدْفعون، تقول: دعَعْت في قفاه؛ أي: دفعت. وفي رواية أخرى: {يَدُعُّ اليَتِيْمَ} قال: وقال بعضهم: ((يَدُعُ اليتيم)) مخففة، وهي قراءة الحسن وأبي رجاءٍ. ونُقل عن عليٍّ ☺ أيضًا.
          وأخرج الطَّبري من طريق مجاهدٍ قال: {يَدُعُّ اليَتِيْمَ} [الماعون:2] عن حقِّه، وفي قوله: {يَوْمَ يُدَعَّوْنَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور:13]، قال: يُدْفعون.
          ({سَاهُونَ}: لاَهُونَ) أشار به إلى قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّيْنَ. الَّذِيْنَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5]، وفسَّره بقوله: «لاهون»؛ أي: لاهون عن الصَّلاة تهاونًا. وصله الطَّبري من طريق مجاهدٍ أيضًا في قوله: {الَّذِيْنَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ}، قال: لاهون. وقال الفرَّاء: كذلك فسَّرها ابن عبَّاس ☻ ، وهي قراءةُ عبد الله بن مسعودٍ ☺. وقال سعد بن أبي وقاص ☺: يؤخِّرونها عن وقتها، وقال غيرُ واحدٍ: هو التَّرك.
          وعن ابن عبَّاس ☻ أيضًا: هم المنافقون يتركون الصَّلاة في السِّرِّ إذا غاب النَّاس، ويصلُّونها في العلانيَّة إذا حضروا. وعن قتادة: ساهٍ لا يبالي صلَّى أم لم يصلِّ. وقال أنسٌ ☺: الحمد لله الَّذي لم يقل في صلاتهم بدلٌ عن صلاتهم.
          (وَ{الْمَاعُونَ}: الْمَعْرُوفَ كُلُّهُ) قال الفرَّاء: قال بعضهم: إنَّ الماعون المعروف كلُّه حتَّى ذكر القصعة والدَّلو والفأس، ولعلَّه أراد ابن مسعود ☺. أخرج الطَّبري من طريق سلمة بن كهيل عن أبي المغيرة: سأل رجلٌ ابن عمر ☻ عن الماعون قال: المال الَّذي لا يؤدَّى حقُّه، قال: قلت: إنَّ ابن مسعودٍ يقول: هو المتاع الَّذي يتعاطاهُ النَّاس بينهم، قال: هو ما أقولُ لك.
          وأخرجه الحاكم أيضًا، وزاد في روايةٍ أخرى عن ابن مسعودٍ ☺: هو الدَّلو والقدر والفأس. وكذا أخرجه أبو داود والنَّسائي عن ابن مسعودٍ ☺ بلفظ: كنا نعدُّ الماعون على عهد رسول الله صلعم عارية الدَّلو والقدر. وإسناده صحيحٌ إلى ابن مسعود ☺. وأخرجه البزَّار والطَّبراني من حديث ابن مسعودٍ ☺ مرفوعًا صريحًا. وأخرج الطَّبراني / من حديث أمِّ عطيَّة قالت: الماعون ما يتعاطاه النَّاس بينهم، وهو قولُ الكلبي ومحمد بن كعب.
          (وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ: الْمَاعُونُ: الْمَاءُ) وهو قولُ سعيد بن المسيَّب والزُّهري ومقاتل، قالوا: الماعون الماء بلغة قريشٍ. وقال الفرَّاء: سمعتُ بعضَ العرب يقول: الماعون هو الماء، وأنشد:
يَصُبُّ صَبِيْرَة المَاعُوْنِ صَبًّا
          وهذا يمكن تأويله، وصَبِيْرة _بفتح المهملة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة وآخره راء_: جبلٌ باليمن.
          (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَعْلاَهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ) وصله سعيدُ بن منصور بإسناده إليه باللَّفظ المذكور. وأخرج الطَّبري والحاكم من طريق مجاهدٍ عن عليٍّ ☺ مثله، وتفسيرُ الأدنى أنَّه اسمٌ جامعٌ لمتاع البيت كالمنخلِ والغربالِ والدَّلو والإبرةِ ونحو ذلك ممَّا يستعملُ في البيوت. وقيل: الماعون ما لا يحلُّ منعه مثل الماء والملح والنَّار، وقيل غير ذلك، ولم يذكر المصنِّف في هذه السُّورة حديثًا مرفوعًا، ويدخل فيه حديث ابن مسعودٍ المذكور قبل.