نجاح القاري لصحيح البخاري

كتاب فضائل القرآن

          (╖) (1) ثبتت البسملة في رواية أبي ذرٍّ وحده.
          ░░66▒▒ (كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ) ولم يقع لفظ: <كتاب> إلَّا في رواية أبي ذرٍّ وحدَه. والمناسبة بين كتاب التَّفسير، وبين كتاب فضائل القرآن أظهر من أن تخفى، والفضائل: جمع فضيلة. واخْتُلِفَ هل في القرآن شيء أفضلُ من شيءٍ؛ فذهب الأشعريُّ والقاضي أبو بكر إلى أنَّه لا فضلَ لبعضه على بعضٍ؛ لأنَّ الأفضل يُشْعِرُ بنَقْصِ المفضول، وكلامُ الله حقيقة واحدةٌ لا نقصَ فيه. وقال الأكثرون بالأفضلية لظواهر الأحاديث، كحديث: ((أعظم سورة في القرآن)). ثمَّ اختلفوا، فقال قومٌ: الفضلُ راجعٌ إلى عِظَم الأجر والثَّواب. وقال آخرون: بل لذات اللَّفظ، وأنَّ ما تضمنته آية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدَّلالة على وحدانيته تعالى وصفاته ليس موجودًا مثلًا في {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:1] فالتفضيل بالمعاني العجيبة وكثرتها، لا من حيث الصِّفة.
          وقال الجويني: من قال: إنَّ {قل هو الله أحد} [الإخلاص :1] أبلغُ من {تبت يدا أبي لهب} بجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التَّوحيد والدُّعاء على الكافرين، فذلك غير صحيحٍ، بل ينبغي أن يقال: {تبت يدا أبي لهب} دعاء عليه بالخسران، فهل يوجد عبادة بالدُّعاء بالخسران أحسن من هذه؟ وكذلك في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لا توجد عبارة تدلُّ على الوحدانيَّة أبلغ منها، فالعالم إذا نظر إلى {تبت} في باب الدُّعاء بالخسران، ونظر إلى {قل هو الله أحد} في باب التَّوحيد لا يمكنه أن يقول: إنَّ أحدهما أبلغُ من الآخر، وهذا التَّقييد يغفلُ عنه من لا عِلْمَ عنده بعلم البيان، ولعلَّ الخلاف في هذه المسألة يرجعُ إلى الخلاف المشهور أنَّ كلام الله شيءٌ واحدٌ أم لا؟ وعند الأشعري: أنَّه لا يتنوع في ذاته، بل بحسب متعلَّقاته، وليس في كلام الله تعالى الذي هو صفةُ ذاته / نقصٌ، لكن بالتَّأويل والتَّفسير، وفهم السَّامعين اشتمل على أنواع المخاطبات، ولولا تنزله في هذه المواقع؛ لما وصلنا إلى فَهْمِ شيءٍ منه.


[1] في هامش الأصل: قد بدئ في هذه القطعة الثانية والعشرين من شرح صحيح البخاري يوم الأحد الثالث والعشرين من أيام شهر رجب، من شهور سنة اثنتين وخمسين ومائة وألف، يسر الله تعالى إتمامها وإتمام ما يتلوها بحرمة نبيه صلى الله عليه سلم وآله وصحبه ♥ .