نجاح القاري لصحيح البخاري

كتاب التيمم

           (╖) كذا في رواية كريمة بتقديم البسملة على الكتاب، وهو ظاهر للحديث الوارد فيه، / وفي رواية أبي ذر: وقعت البسملة بعد الكتاب، ووجهه أن الكتب التي فيها التراجم مثل السور حيث يقال: سورة كذا، وسورة كذا، ثمَّ يذكر البسملة بعدها على رؤوس الآيات، وتستفتح بها، فكذا في الأحاديث، وقد سقطت البسملة في رواية الأصيلي.
           ░░7▒▒ (كتاب التيمم) وفي رواية: <باب التيمم> بذكر الباب بدل الكتاب، ووجه كل منهما ظاهر لمن تأمل، وكذا وجه المناسبة بين الكتابين ؛ لأن المذكور في الكتاب السابق أحكام الحيض من الاغتسال والوضوء بالماء، والمذكور هاهنا التيمم، وهو خَلَفٌ عن الوضوء، فذكر الأصل أولاً، ثمَّ ذكر الخَلَفَ عقيبه.
          والتيمم في اللغة: القصد، يقال: تيممته ويممته وتأممته وأممته: أي: قصدته من أمَّه يؤمُّه أَمّاً إذا قَصَده، قال امرؤ القيس:
تيممتها من أذْرِعَاتٍ وأهلُها                     بيثربَ أدنى دارِها نَظَرٌ عالي
          وذكر أبو محمد في الكتاب ((الواعي)): يقال: أمَّ وتأمَّم ويمَّم وتيمَّم بمعنى واحد، والتيمُّم أصله من ذلك ؛ لأن المتيمِّم يقصدُ التراب فيتمسح به.
          وفي ((الجامع)) عن الخليل: التيمم يجري مجرى التوخِّي تقول: تيمَّم أطيب ما عندك فأطعِمْنا منه ؛ أي: توخاه، وأجاز أن يكون التيمم بمعنى التعُّمد والقصد، وهذا الاسم كثر حتى صار اسماً للتمسح بالتراب، قال الفراء: ولم أسمع يَمَتُ بالتخفيف.
          وفي ((التهذيب)) لأبي منصور: التيمم: التعمُّد، وهو ما ذكره البخاري في التفسير في سورة المائدة، ورواه ابن أبي حاتم وابن المنذر عن سفيان.
          وفي اصطلاح الشرع: قصد الصعيد الطاهر، واستعماله بصفة مخصوصة، وهو مسح اليدين والوجه لاستباحة الصلاة، وامتثال الأمر، والأصل في شرعيته الكتاب، وهو قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43]، والسنة، وهي أحاديث الباب وغيره، والإجماع على جوازه للحدث وللجنابة أيضاً. وخالف فيه عمر بن الخطاب وابن مسعود ☻ والنخعي والأسود كما نقله ابن حزم، وقد ذكروا رجوعهم عن هذا، وهو فضيلة من خصائص هذه الأمة، وليس لغيرها من الأمم، واختلف فيه هل هو عزيمة أو رخصة؟، وفصَّل بعضهم فقال: هو لعدم الماء عزيمة، وللعذر رخصة.
          (قَوْلُ اللَّهِ ╡): بلا واو كذا وقع في رواية الأصيلي، ووجهه أنه مبتدأ خبره ما بعده، والمعنى: قول الله تعالى في شأن التيمم هذه الآية، وأما في رواية غيره: فبواو العطف على التيمم، والمعنى هذا الكتاب في بيان التيمم، وبيان / قول الله ╡، وفي رواية: <تعالى> بدل قوله: <╡>.
          ({فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}) أي: فلم تتمكنوا من استعماله، إذ الممنوع منه كالمفقود ({فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً}) أي: شيئاً من وجه الأرض ({طَيِّباً}) أي: طاهراً.
          قال الأصمعي: الصعيد: وجه الأرض، فعيل بمعنى مفعول ؛ أي: مصعود عليه، وحكاه ابن الأعرابي، وكذلك قاله الخليل وثعلب.
          وفي ((الجمهرة)): هو التراب الذي لا يخالطه رملٌ ولا سَبَخٌ، وهذا قول أبي عبيدة، وقيل: هو الطاهر من وجه الأرض.
          وقال الزجاج في ((المعاني)): الصعيد: وجه الأرض، ولا يبالى أكان في الموضع تراب أم لا ؛ لأن الصعيد ليس اسماً للتراب، إنما هو وجه الأرض تراباً كان أو صخراً لا تراب عليه، قال تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} [الكهف:40]، فأعلمك أن الصعيد يكون زلقاً.
          وعن قتادة: أن الصعيد: الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر، وقد عرفت أن معنى الطيب: الطاهر.
          وقال أبو إسحاق: الطيب: النظيف، وقيل: الحلال، وقيل: الطيب: ما تستطيبه النفس، وأكثر العلماء على أن معناه الطاهر.
          ({فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}) كذا في رواية كريمة، وهي تعين أنها آية المائدة ؛ لأنه ليست في آية النساء لفظة منه، وقد وقع في رواية أبي ذر: بدون لفظة: <منه> لكن إخراج البخاري حديث الباب في تفسير سورة المائدة يؤيد الرواية الأولى.
          وقد أيد ذلك أيضاً: رواية عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن القاسم في هذا الحديث بلفظ: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} إلى قوله: {تَشْكُرُونَ} [المائدة:6]، ووقع في رواية النسفي وعبدوس والحمُّويي والمستملي: <{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا}>.
          قال القاضي عياض في ((المشارق)): ورواية: <{فلَمْ تَجِدُوا}> هي الصواب ؛ لأن التلاوة هكذا.