نجاح القاري لصحيح البخاري

كتاب العلم

          ░░3▒▒ (كِتَابُ العِلْمِ)؛ أي: هذا كتاب العلم؛ أي: الأحاديث المتعلِّقة بالعلم، وليس هو في بيان ماهيته؛ لأن النظر في الماهيات وحقائق الأشياء ليس من فن الكتاب، وهو مصدر علمت، وأعلم وحده على ما هو الأصحّ أنه صفة من صفات النفس توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض في الأمور المعنوية، فقولنا: (صفة): جنس يتناول جميع صفات النفس وقولنا: (توجب تمييزاً) احترازاً عما لا يوجب تمييزاً كالحياة، وقولنا.. «لا يحتمل النقيض»: احتراز عن مثل الظن، وقولنا: «في الأمور المعنوية»: احتراز عن إدراك الحواس؛ لأن إدراكها في الأمور الظاهرة. وقال بعض العلماء: لا يُحدُّ العلم، فقال إمام الحرمين والغزالي: لعسر تحديده، وقال الإمام فخر الدين الرازي: لأنه ضروري إذ لو لم يكن ضرورياً لزم الدور، وقد حقق في علم الكلام.
          وإنما قدم هذا الكتاب على سائر الكتب التي بعده؛ لأن مدار تلك الكتب كلها / على العلم، وإنما لم يقدم على كتاب الإيمان؛ لأن الإيمان أول واجب على المكلف، أو لأنه أفضل الأمور على الإطلاق وأشرفها، وكيف لا وهو مبدء كل خير علماً وعملاً، ومنشأ كل كمال دقاً وجلاً، وأما تقديم باب الوحي عليه فلتوقف معرفة الإيمان وجميع ما يتعلق بالدِّين (1) عليه، أو لأنه أول خير نزل من السماء إلى هذه الأمة.


[1] ((من قوله: وأشرفها وكيف... إلى قوله: يتعلق بالدين)): ليس في (خ).