نجاح القاري لصحيح البخاري

طه

          ░░░20▒▒▒ (سُورَةُ طه) هكذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية غيره: <طه> بدون ذكر سورة، وفي بعض النُّسخ: <باب سورة طه> بزيادة لفظ: <باب>، قال مقاتل: مكيَّة كلها، وكذا ذكره ابن عبَّاس وابن الزُّبير ♥ فيما ذكره ابن مَرْدويه.
          وفي «مقامات التنزيل»: مكيَّة كلها لم يعرف فيها اختلاف إلَّا ما ذكر عن الكلبي في رواية أبي بكر قال: {وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه:130] نزلت بالمدينة، وهي في أوقات الصَّلوات، وهي مائة وخمس وثلاثون آية، وألف وثلاثمائة وإحدى وأربعون كلمة، وخمسة آلاف ومائتان واثنان وأربعون حرفًا.
          (╖) سقطت البسملة في رواية غير أبي ذرٍّ (قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ) هو: سعيد بن جُبير، وفي رواية أبي ذرٍّ والنَّسفي: <قال عكرمة والضَّحاك> (بِالنَّبَطِيَّةِ) نسبة إلى النَّبَط _بفتح النون والموحدة وبالطاء المهملة_ قوم ينزلون البطائح بين العراقين، وكثيرًا ما يُستعملُ ويُراد به الزرَّاعون ({طَه} / يَا رَجُلُ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <أي طهْ يا رجل> بسكون الهاء وأي حرف النداء، وطهْ معناه: الرَّجل، والمراد النَّبي صلعم .
          قال ابنُ الأنباري: ولغة قريش وافقتْ تلك اللُّغة في هذا؛ لأنَّ الله تعالى لم يُخاطب نبيَّه صلعم بلسان غير قريش، وأمَّا قول سعيد بن جُبير فذكر في «الجعديات» للبغوي، وفي «مصنف ابن أبي شيبة» من طريق سالم الأفطس عنه مثل قول الضَّحاك، وزاد الحارث في «مسنده» من هذا الوجه فيه ابن عبَّاس ☻ .
          وقال عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن الحسن وعن قتادة قالا: في قوله: {طَه} قال: يا رجل، وعند عبد بن حميد عن الحسن وعطاء مثله، وكذا روي عن أبي مالك ومجاهد ومحمَّد بن كعب والسُّدي وعطيَّة وابن أبزى، وأمَّا قول عكرمة فوصله ابنُ أبي حاتم من رواية حصين بن عبد الرَّحمن، عن عكرمة في قوله: (({طَه} أي طه يا رجل))، وأخرج الحاكم من وجه آخر عن ابن عبَّاس ☻ في قوله: {طَه} هو كقولك: يا محمَّد بالحبشية، وأمَّا قول الضَّحَّاك بن مزاحم فوصله الطَّبري من طريق قُرَّة بن خالد عن الضَّحاك بن مزاحم في قوله: {طَه} قال: يا رجل بالنَّبطية.
          وأخرجه عبدُ بن حميد من وجه آخر قال: قال رجل من بني مازن ما يخفى عليَّ من القرآن شيء فقال له الضَّحاك: ما طه؟ قال: اسم من أسماء الله تعالى قال: إنَّما هو بالنَّبطية يا رجل.
          وفي «تفسير مقاتل»: {طَه} يا رجل بالسُّريانية، وقال الكلبي: عن ابن عبَّاس ☻ نزلت بلغة عَكّ يا رجل، وقال الخليل بن أحمد: من قرأها {طَهْ} بفتح ثم سكون، فمعناه: يا رجل، وقد قيل: إنها لغة عَكٍّ ومن قرأها بلفظ الحرفين فمعناه: اطمئن أو طأ الأرض، والهاء كناية عنها، وعند ابن مردويه بسندٍ صحيحٍ عن ابن عبَّاس ☻ : {يس} بالحبشية: يا إنسان، و{طه}: بالنَّبطية يا رجل، وقيل: معنى طه يا إنسان، وقد جاء عن ابن الكلبي أنه لو قيل لعَكِّيّ: يا رجل لم يُجب حتَّى يقال له: طه، وقيل: هي حروفٌ مقطَّعة لمعان.
          قال الواسطي: أراد يا طاهر يا هادي.
          وعن أبي حاتم: {طه} استفتاح سورة، وقيل: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله ╡، وعند عبد بن حميد من طريق الرَّبيع بن أنس قال: كان النَّبي صلعم إذا صلَّى قام على رجل ورفع الأخرى، فأنزل الله تعالى: {طـه} أي: طأ الأرض؛ أي: اعتمد على الأرض بقدميك ولا تتعب نفسك بالاعتماد على قدمٍ واحدةٍ، وهو قوله تعالى: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى} [طه:2] / نزلت الآية فيما كان صلعم يتكلَّفه من السَّهر والتَّعب وقيام اللَّيل.
          وقال اللَّيث: بلغنا أن موسى ◙ لمَّا سمع كلام الرب ╡ استنفرهُ الخوف حتى قام على أصابعِ قدميه خوفًا، فقال ╡: {طه} أي: اطمئن. قال الأزهري: لو كان كذلك لقال طأها؛ أي: طأ الأرضَ بقدمك، وهي مهموزةٌ.
          وقال ابنُ عطيَّة: الضَّمير في ((طه)) للأرض، وخففت الهمزة فصارت ألفًا ساكنة، وقرأ الحسن ((طهْ)) بسكون الهاء من غير ألف بعد الطاء على أنَّ الأصل: طأ بالهمزة أمر من وطئ يطأُ، ثمَّ أبدلت الهمزة هاء كإبدالهم لها في هرقت ونحوه، أو على إبدال الهمزة ألفًا، كأنَّه أخذه من وطئ يطأُ بالبدل ثمَّ حذف الألف حملًا للأمر على المجزوم وتناسبًا لأصل الهمزة، ثمَّ ألحق هاء السَّكت وأجرى الوصل مجرَى الوقف.
          وفي «المعاني» للفرَّاء: هو حرفُ هجاء، وحدَّثني قيس قال: حدَّثني عاصم عن زرٍّ قال: قرأ رجلٍ على ابن مسعود ☺ ({طَهَ}) (1) فقال له عبد الله: ({طِهِ}) فقال الرجل: يا أبا عبد الرَّحمن أليس إنما أمر أن يطأَ قدمه؟ قال: فقال عبد الله ☺: ({طِه}) هكذا أقرأنيها رسول الله صلعم . وزاد في «تفسير» ابن مَرْدويه، وكذا نزل بها جبريل ◙ بكسر الطاء والهاء. وقال الزجَّاج: يقرأ: {طَهَ} بفتح الطاء والهاء، و({طِهِ}) بكسرهما، و({طَهْ}) بفتح الطاء وإسكان الهاء و({طَهِ}) بفتح الطاء وكسر الهاء.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) أي: ابن جبر ({أَلْقَى}: صَنَعَ): أشار به إلى قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} [طه:65] وفسَّر مجاهد: {أَلْقَى} بقوله: «صنع»، وقد مرَّ هذا في قصَّة موسى ◙ في «أحاديث الأنبياء ‰» [خ¦60/22-5208]، وكذلك يأتي لفظ: {أَلْقَى} في قوله {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه:87] وفسِّر هناك أيضًا بقوله: صنع، والمفسِّرون فسَّروا كليهما من الإلقاء وهو الرَّمي.
          (يُقَالُ: كُلُّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ، أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ، أَوْ فَأْفَأَةٌ، فَهْيَ عُقْدَةٌ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه:27] وفسَّر العقدة بما ذكره. وقال ابنُ عبَّاس ☻ : يُريد موسى ◙ أطلق عن لساني العقدة التي فيه حتَّى يفهموا كلامي، والتَّمتمة: التردُّد / بالتاء في الكلام، والفأفأة: التردد بالفاء، وهذا ساقط في رواية أبي ذرٍّ، وإنَّما سأل موسى ◙ ذلك؛ لأنه إنما يحسنُ التبليغ من البليغ، وقد كان في لسانه لكنة، وسببها كما روي أنَّ فرعون حمله يومًا فأخذ لحيته ونتفها فغضبَ وأمر بقتلهِ، فقالت آسية: إنَّه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت فأُحضرا بين يديه فأخذ الجمرة فوضعها في فيه.
          وقوله: {مِنْ لِسَانِي} يتعلَّق بمحذوف على أنَّه صفة لعقدة؛ أي: من عقد لساني فلم يسأل حلَّ عقدة لسانه مطلقًا، بل عقدة تمنعُ الإفهام، ولذلك نكرها وجعل {يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:28] جواب الأمر ((واحللْ)) ولو سأل أكثر من ذلك لأعطي.
          ({أَزْرِي}: ظَهْرِي) أشار به إلى قوله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه:31] وفسَّر الأزر بالظَّهر، وفي التفسير: الأزر: القوَّة والظهر، يُقال: أزرت فلانًا على الأمر؛ أي: قوَّتيه عليه وكنت له فيه ظهرًا.
          (فَيَسْحَتَكُمْ: يُهْلِكَكُمْ) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه:61] وفسَّر: ((يسحتكم)) بقوله: «يُهلككم»، وفي التَّفسير: أي: يستأصلكم يُقال: سَحَته الله وأَسْحته الله؛ أي: استأصله وأهلكه، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: بضم الياء وكسر الحاء، والباقون بفتحهما لأنَّ فيه لغتين بمعنى واحد.
          ({الْمُثْلَى}: تَأْنِيثُ الأَمْثَلِ) وقوله: <تأنيث> ساقط في رواية أبي ذرٍّ (يَقُولُ: بِدِينِكُمْ، يُقَالُ: خُذِ الْمُثْلَى خُذِ الأَمْثَلَ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:63] وقال: «({ الْمُثْلَى}) تأنيث الأمثل»، وفسَّر قوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} بمعنى يذهبا بدينكم، وقد أخبر الله تعالى عن فرعون أنَّه قال: إن موسى وهارون ♂ يُريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، ويذهبا بطريقتكم المثلى؛ أي: بدينكم، وكذا فسَّره الكسائي أيضًا. وقوله: «يُقال خذ المُثلى»؛ أي: خذ الطَّريقة المُثلى؛ أي: الفضلى، «وخُذ الأمثل»؛ أي: الأفضل، يُقال: فلان أمثل قومه؛ أي: أفضلهم، وهذا هو قول أبي عبيدة أيضًا.
          ({ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}: يُقَالُ: هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ؛ يَعْنِي: الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ) أشار به إلى قوله ╡: / {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه:64] وأشار بقوله: يُقال... إلى آخره: أن معنى {صَفًّا} مصلَّى _بفتح اللام_، وكذا قال أبو عبيدة والزَّجَّاج.
          و عن مقاتل والكلبي: جمعًا، والمعنى: أنَّ فرعون قال لقومه: أجمعوا كيدكم؛ أي: مكركم وسحركم، ثم ائتوا صفًا يعني: مصلَّى، وهو مجتمع النَّاس، وعن بعض العرب الفصحاء: ما استطعت أن آتي الصَّف أمس؛ أي: المصلَّى.
          والحاصل أنَّهم تواعدوا على الحضور إلى الموضع الذي كانوا يجتمعون فيه لعبادتهم في عيدهم، وقيل: ائتوا مصطفِّين؛ لأنَّه أهيب في صدور الرَّائين فهو حال من فاعل ائتوا؛ أي: ذوي صف وهو مصدر في الأصل، قيل: وكانوا سبعين ألفًا مع كلٍّ منهم حبل وعصا، وأقبلوا عليه إقبالة واحدة، ثم قوله: <ائتوا صفًا>... إلى آخره ساقط في رواية أبي ذرٍّ.
          ({فَأَوْجَسَ}) وفي رواية أبي ذرٍّ: <({فأوجس في نفسه})> بزيادة <في نفسه> (أَضْمَرَ خَوْفًا، فَذَهَبَتِ الْوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} لِكَسْرَةِ الْخَاءِ) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:67] وفسَّر: {أَوْجَسَ} بقوله: «أضمر»، وقوله: {خِيفَةً} بقوله: خوفًا؛ أي: لأجل الخوف. وقال مقاتل: إنَّما خاف موسى ◙ إذ صنع القوم مثل صنعه أن يشكُّوا فيه فلا يتبعوه، ويشك من تابعه فيه، ثم أشار إلى أن قوله: {خِيفَةً} أصله خِوْفة _بكسر الخاء وإسكان الواو فقلب الواو ياء_، قال ابنُ عطيَّة: ((خيفة)) يصح أن يكون أصله خِوفة قلبت الواو ياء للتناسب، ويحتمل أن يكون خَوفة: بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب.
          وقال الكرماني: ومثل هذا لا يليقُ بجلالة هذا الكتاب أن يُذكر فيه، وتعقَّبه العيني: بأنَّه إنما ذكره فيه؛ لأنه مخالف لما قاله أهل الصَّرف انتهى. وكأنَّه ذهب إلى أنَّ أصله خَوفة _بفتح الخاء_ فافهم.
          ({فِي جُذُوعِ}: أَيْ عَلَى جُذُوعِ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] أشار به إلى أنَّ كلمة ({فِي}) بمعنى على كما في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور:38] أي: عليه، وهو مذهب كوفي. وقال البصريُّون: ليست في بمعنى على، ولكن شبه [تمكنهم] بتمكن من حواه الجذع، واشتمل عليه بتمكن الشَّيء الموعى في وعائه، / ولذا قيل: {فِي جُذُوعِ} وهذا على طريقة المجاز؛ أي: استعمال في موضع على، وفي رواية أبي ذرٍّ: <{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}> بزيادة لفظ: {النَّخْلِ}.
          ({خَطْبُكَ}: بَالُكَ) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} [طه:95] وفسَّره بقوله: «بالك»؛ أي: ما الذي حملك على ما صنعت يا سامري، وفي التَّفسير: قال موسى ◙ للسَّامري: ({فَمَا خَطْبُكَ})؛ أي: فما أمرك وشأنك الذي دعاك وحملك على ما صنعت.
          ({مِسَاسَ}: مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ} [طه:97] ولم يذكر معناه، وإنَّما قال: «مساس مصدر ماسه».
          والمعنى: أنَّ موسى ◙ قال للسَّامري: اذهبْ من بيننا، فإن لك في الحياة؛ أي: ما دمت حيًا أن تقول: لا مساس؛ أي: لا أَمس ولا أُمس، فعاقبه الله في الدُّنيا على ما فعل من إضلال بني إسرائيل باتِّخاذه العجل والدُّعاء إلى عبادته بعقوبة لا شيءَ أشد وأوحش منها، وذلك لأنَّه منع من مخالطة النَّاس منعًا كليًّا، وحرَّم عليهم ملاقاته ومكالمته، فإنَّه كان إذا مسَّ أحدًا أو مسَّه أحد أصابتهما الحمى، وقد سقط قوله: <{مِسَاسَ}>... إلى آخره في رواية أبي ذرٍّ.
          ({لَنَنْسِفَنَّهُ}: لَنَذْرِيَنَّهُ) أشار به إلى قوله تعالى: {لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه:97] وفسَّر: {لَنَنْسِفَنَّهُ} بقوله: «لنذرينَّه» من التَّذرية؛ أي: رمادًا بعد التَّحريق بالنَّار، وفي التَّفسير: أن موسى ◙ أخذ العجلَ فذبحه، فسال منه الدَّم؛ لأنَّه كان قد صار لحمًا ودمًا، ثمَّ أحرقه ثمَّ ذراه في اليم؛ أي: في البحر.
          ({قَاعًا}: يَعْلُوهُ الْمَاءُ) أشار به إلى قوله تعالى: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} [طه:106] وفسَّر القاع بأنَّه يعلوه الماء، وهو كذلك؛ لأنَّ القاع ما يعلوه الماء، والصَّفصف: المستوي، وقال عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن قتادة: القاع الصَّفصف: الأرض المستوية.
          وقال الفرَّاء: القاع: ما انبسطَ من الأرض، ويكون فيه السَّراب نصف النَّهار، والصَّفصف: الأملس الذي لا نبات فيه. وقال في «الدر»: وفي القاع أقوال قيل: هو منتقعُ الماء، ولا يليق هو / هنا، أو هو الأرض التي لا نبات فيها ولا بناء، أو المكان المستوي، وجمع القاع: أقوع وأقواع وقيعان.
          (وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ) قد مرَّ الكلام فيه، وفي التَّفسير: الصَّفصف المستوي كأنها من استوائها على صفة واحدة، وقيل: هي التي لا أثرَ للجبال فيها، وقد سقطَ هذا في رواية أبي ذرٍّ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَوْزَارًا} أَثْقَالًا) أي: قال مجاهد في تفسير قوله تعالى:{وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا} [طه:87] أي: أثقالًا، وهو جمع وزر، ويُراد به العقوبة الثَّقيلة، سمَّاها: وزرًا تشبُّيهًا في ثقلها على المعاقب، وصعوبة احتمالها بالحملِ الذي يفْدح الحامل ويَنْقُض ظهره، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثمُ، وفي رواية أبي ذرٍّ: <{أوزارًا} وهي الأثقال>.
          ({مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} الْحُلِيُّ الَّذِي) وفي رواية أبي ذرٍّ: <وهي الحلي التي> (اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} [طه:87] وفسَّر: {زِينَةِ الْقَوْمِ} بقوله: «الحلي الذي استعاروا من آل فرعون»؛ أي: استعار بنو إسرائيل من الحليِّ الذي كان في آل فرعون يعني: في قومه، وأسندهُ أبو محمَّد الرَّازي من حديث ابن أبي نَجيج عن مجاهد، وفي رواية: <وقال مجاهد {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ}...> إلى آخره.
          وقد وصله الفريابي أيضًا، وروى الحاكم من حديث عليٍّ ☺ قال: عمد السَّامري إلى ما قدر عليه من الحليِّ فضربه عجلًا، ثمَّ ألقى القبضة في جوفهِ، فإذا هو عجل له خُوار الحديث. وفيه: فعمد موسى ◙ إلى العجل فوضع عليه المبارد على شفير الماء، فما شرب من ذلك الماء أحد ممَّن كان عبد العجل إلا اصفرَّ وجهه.
          وروى النَّسائي في الحديث الطَّويل الذي يُقال له: حديث الفُتُون عن ابن عبَّاس ☻ قال: لمَّا توجه موسى ◙ لميقات ربِّه خطب هارون ◙ بني إسرائيل فقال: إنَّكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم ودائع وعواري، وأنا أرى أن نحفرَ حفيرة ونُلقي فيها ما كان عندكم من متاعهم فنحرقَه، وكان السَّامري من قوم يعبدون البقرَ، وكانوا من جيران بني إسرائيل، فاحتمل معهم فرأى أثرًا فأخذَ منه قبضةً فمرَّ بهارون، فقال له: ألا تُلقي ما في يدك، فقال: لا أُلقيها حتَّى تدعوَ الله / أن يكون ما أُريد فدعا له فألقاها، وقال: أُريد أن يكون عجلًا له جوف يخور.
          قال ابنُ عبَّاس ☻ : ليس له روح كانت الرِّيح تدخل من دبرهِ، وتخرج من فيه فكان الصَّوت من ذلك، فتفرَّق بنو إسرائيل عند ذلك فرقًا.
          ({فَقَذَفْنَاهَا}: فَأَلْقَيْنَاهَا) وفي نسخة: <فقذفتها فألقيتها> أشار به إلى قوله تعالى: {فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه:87] وفسَّر قوله: {فَقَذَفْنَاهَا} بقوله: «فألقيناها»؛ أي: في النَّار، والضمير لحلي القبط التي كانوا استعاروها منهم حين همُّوا بالخروج من مصر، وقيل: هي ما ألقاهُ البحر على السَّاحل بعد إغراقهم فأخذوهُ. وقال الثَّعلبي: أي: فجمعناها ودفعناها إلى السَّامري فألقاها في النَّار لترجع أنت فترى فيه رأيك.
          ({أَلْقَى} صَنَعَ) أشار به إلى قوله تعالى: {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه:87] وفسَّر: {أَلْقَى} بقوله: «صنع» مثلهم من إلقاء ما كان معه من الحليِّ.
          ({فَنَسِيَ}: مُوسَى هُمْ يَقُولُونَهُ: أَخْطَأَ الرَّبَّ. لاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا: الْعِجْلُ) أشار به إلى قوله تعالى: {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ. أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [طه:88-89] وأشار إلى أنَّ فاعل نسي موسى ◙.
          وقوله: «هُم»: أي: السَّامري وأتباعه، يقولون: نسي موسى ربَّه؛ أي: أخطأ حيث لم يخبركم أن هذا إلهه، وقيل: قالوا: نسي موسى الطَّريق إلى ربَّه الذي هو العجلُ حيث لم يطلبه هاهنا، وذهب يطلبه في الطُّور، وقيل: نسيَ موسى إلهه عندكم، وخالفه في طريق آخر، وقيل: الضَّمير في نسيَ يعود إلى السَّامري، فيكون من كلام الله تعالى؛ أي: فنسي السَّامري؛ أي: ترك ما كان عليه من إظهار الإيمان.
          وقوله: «لا يرجع إليهم قولًا»: يعني لا يكلِّمهم العجل ولا يُجيبهم، فهو من قوله تعالى ردًّا عليهم وإبطالًا لما كانوا عليه، وفي رواية أبي ذرٍّ سقط قوله: <لا يرجع>... إلى آخره، وفي نسخة سقط قوله: <{فَنَسِيَ}> إلى قوله: <لا يرجع>.
          ({هَمْسًا}: حِسُّ الأَقْدَامِ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه:108] وفسَّر: {هَمْسًا} بقوله: «حسُّ الأقدام»؛ أي: وقعها على الأرض ونقلها / إلى المحشر، كذا فسَّره الثَّعلبي، وأصله الصَّوت الخفي، يُقال: همس فلانٌ بحديثه: إذا أسرَّه وأخفاه، وبهذا فسَّر أبو عبيدة قوله: {هَمْسًا} قال: صوتًا خفيًّا، وقد وصله الطَّبري من طريق ابنِ أبي نَجيح عن مجاهد، وعن قتادة قال: صوتُ الأقدام، أخرجه عبد الرَّزَّاق. وعن عكرمة قال: وَطء الأقدام، أخرجه عبدُ بن حميد، ومنه: همست الإبل: إذا سمع ذلك من وقع أخفافِهَا على الأرض، وقيل: هو تحريكُ الشَّفتين من غير نطقٍ، فالاستثناء مفرغ.
          ({حَشَرْتَنِي أَعْمَى}: عَنْ حُجَّتِي. {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا}: فِي الدُّنْيَا) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} [طـه:125] وفسِّر بقوله: «عن حُجتي»، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد، والمعنى: قال ربِّ لم حشرتني أعمى عن حجتي، وكنت بصيرًا في الدُّنيا بحجَّتي، يريد أنه كانت له حجَّة بزعمه في الدُّنيا، فلما كُوشف بأمر الآخرة بطلت ولم يهتد إلى حجَّة حق، وفي التفسير قوله: {أَعْمَى}، قال ابنُ عبَّاس ☻ : أعمى البصر، وقال مجاهد: أعمى عن الحجَّة.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ({بِقَبَسٍ} [طه:10] ضَلُّوا) أي: موسى وأهله (الطَّرِيقَ) في سيرهم لمصر (وَكَانُوا شَاتِيْنِ) في ليلة مظلمةٍ مثلجةٍ، ونزلوا منزلًا بين شعاب وجبال وولد له ابن، وتفرَّقت ماشيته، وجعل يقدحُ بزند معه ليُوري فجعل لا يخرج منه شرر، فرأى من جانب الطُّور نارًا (فَقَالَ) أي: لأهله امكثوا إنِّي أبصرت نارًا (إِنْ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهَا مَنْ يَهْدِي الطَّرِيقَ آتِكُمْ بِنَارٍ تُوقِدُونَ) وفي نسخة لأبي ذرٍّ: <تُدفِئون> بضم الفوقية وكسر الفاء وبالهمزة بدل: «توقدون»، وقوله في الآية: {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل:7] يدلُّ على البرد، و{بِقَبَسٍ} على وجود الظَّلام {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طـه:10] على أنَّه قد تاه عن الطَّريق، ثمَّ قول ابن عبَّاس ☻ هذا ثابت هنا على هامش الفرع كأصله مخرج له بعد قوله: <في الدُّنيا> في رواية أبي ذرٍّ.
          (وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) هو: سفيان ({أَمْثَلُهُمْ}: أَعْدَلُهُمْ) أي: قال ابنُ عيينة في قوله تعالى: {أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} [طـه:104] / «أعدلهم»؛ أي: رأيًا وعملًا، كذا هو في تفسير ابن عيينة، وفي رواية أبي ذرٍّ: <{أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أعدلهم> بزيادة لفظ: {طَرِيقَةً}، ويُروى: <أفضلهم> بدل: ((أعدلهم))، وفسَّره الطَّبري بقوله: ((أوفاهم عقلًا)) رواه عن سعيد بن جُبير، وفي رواية أخرى عنه: «أعلمهم في أنفسهم».
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ : ({هَضْمًا}: لاَ يُظْلَمُ فَيُهْضَمُ مِنْ حَسَنَاتِهِ) أي: قال عبد الله بن عبَّاس ☻ في تفسير قوله تعالى: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طـه:112] لا يُظلم فيُهضم؛ أي: فينقص من حسناته، وصله ابن أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس ☻ في قوله: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قال: لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يُظلم فيُزاد في سيئاته، ولا يُهضم فيُنقص من حسناته.
          وعند عبد بن حميد عن قتادة مثله، وأصل الهضم: النَّقص والكسر، يُقال: هضمتُ لك من حقِّك؛ أي: حططتُ، وهضم الطَّعام؛ أي: كسره.
          ({عِوَجًا}: وَادِيًا) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا} [طـه:107] وفسَّره بقوله: «واديًا»، وعن ابن عبَّاس ☻ : العوجُ الأودية، وعن مجاهد: العوج: الانخفاض، وصله ابن أبي حاتم عنه.
          ({أَمْتًا}: رَابِيَةً) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَا أَمْتًا} [طه:107] وقد وقع هكذا في رواية أبي ذرٍّ، وفسَّر الأمت بالرَّابية، وعن ابن عبَّاس ☻ : الأمت: الرَّوابي.
          وقد وصله ابن أبي حاتم أيضًا عنه، وقال أبو عبيدة: العِوج _بكسر أوله_: ما اعوجَّ من المسايل والأودية، والأمت: الانثناء، يُقال: مدّ حَبْلَه حتى ما ترك فيه أمتًا، وعن يمان: الأمت: الشُّقوق في الأرض، وعن مجاهد: الارتفاع، وعن ابن زيد: الأمت: التَّفاوت.
          ({سِيرَتَهَا} حَالَتَهَا {الأُولَى}) أشار به إلى قوله تعالى: {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طـه:21] وفسَّره بقوله: «حالتها الأولى»؛ أي: هيئتها الأولى، وهي كما كان عصًا، وذلك أنَّ موسى ◙ لما أُمر بإلقاء عصاهُ، فألقاها فصارت حيَّة تسعى، قال الله تعالى: {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} وهي فعلة من السَّير يتجوَّز بها للطَّريقة.
          ({النُّهَى}: التُّقَى) أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طـه:54] وفسَّر: {النُّهَى} بقوله: «التقى».
          وعن ابن عبَّاس ☻ : / معناه لذوي التُّقى، وعن الضَّحاك: هم الذين ينتهون عمَّا حرَّم الله عليهم، وعن قتادة لذوي الورع، وقال الثَّعلبي: لذوي العقول واحدها نهية، سُمِّيت بذلك؛ لأنها تنهي صاحبها عن القبائح والفضائح وارتكاب المحظورات والمحرَّمات.
          ({ضَنْكًا}: الشَّقَاءُ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طـه:124] وفسَّر الضنك بالشَّقاء، وصله ابنُ أبي حاتم عن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاس ☻ ، وروى الطَّبري عن عكرمة مثله، ومن طريق قيس بن أبي حازم في قوله: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قال: رزقًا في معصية.
          وصحَّح ابن حبَّان من حديث أبي هريرة ☺ مرفوعاً في قوله: {مَعِيشَةً ضَنْكًا}: عذاب القبر، أورده من وجهين مطولًا ومختصرًا، وأخرجه سعيد بن منصور والحاكم من حديث أبي سعيد الخدري ☺ موقوفًا ومرفوعًا، والطَّبراني من حديث ابن مسعود ☺.
          ورجَّح الطَّبري هذا مستندًا إلى قوله في آخر الآيات: {وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طـه:127]. وقال الثَّعلبي: {ضَنْكًا} ضيِّقًا، يُقال: منزل ضنك وعيش ضنك، يستوي فيه الذَّكر والأنثى، والواحد والاثنان والجمع، وعن الحسن: الزَّقوم والغسلين والضَّريع، وعن عكرمة: الحرام، وعن الضَّحاك: الكسب الخبيث، ويُقال: الضَّنك معرب تنك، وهو في اللُّغة الفارسية الضِّيق.
          ({هَوَى}: شَقِيَ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طـه:81] وفسَّره بقوله: «شقي»، وقد وصله ابن أبي حاتم عن ابن عبَّاس ☻ ، وقيل: هلك وتردَّى في النَّار، وقيل: وقع في الهاوية، والأوَّل شامل لها.
          ({الْمُقَدَّسِ}: الْمُبَارَكِ) أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طـه:12] وفسَّر: {الْمُقَدَّسِ} بقوله: «المبارك»، وفي رواية أبي ذرٍّ: <بالواد المقدَّس المبارك> بزيادة لفظ: <بالواد> ({طُوًى}: اسْمُ الْوَادِي) وفي رواية أبي ذرٍّ زيادة: <وادٍ> وهو بدل من الوادي، أو عطف بيان له، أو مرفوع على إضمار مبتدأ أو منصوب بإضمار أعني، / و{طوًى} بالتنوين، وبه قرأ ابن عامر والكوفيون. وعن الضَّحاك: هو وادٍ عميق مستدير مثل المطوي في استدارته، وقيل: هو اللَّيل، يُقال: أتيتك طوى من اللَّيل، وقيل: طويت عليه البركة طيًّا.
          ({بِمِلْكِنَا}: بِأَمْرِنَا) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طـه:87] وفسَّره بقوله: «بأمرنا»، هذا على كسر الميم، وهي قراءة أبي عَمرو وابن كثير وابن عامر، وقرأ بالفتح نافع وعاصم، فعلى هذا هو المصدر الحقيقي، وقرأ حمزة والكسائي بالضم، فعلى هذا فمعناه بقدرتنا وسلطاننا، وقد سقط هذا في رواية أبي ذرٍّ.
          ({مَكَانًا سِوًى}: مَنْصَفٌ بَيْنَهُمْ) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} [طـه:58] وفسَّر قوله: {سُوى}، بقوله: «مَنْصَف بينهم»؛ أي: مكانًا تستوي مسافته على الفريقين، وقرئ: ({سُـِوى}) بضم السين وكسرها منونًا، وانتصاب ({مَكانًا}) بفعل دلَّ عليه المصدر أعني موعدًا في قوله تعالى: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ} [طـه:58] لا به فإنه موصوف، وقد سقط هذا أيضًا لأبي ذرٍّ.
          ({يَبَسًا}: يَابِسًا) أشار به إلى قوله تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طـه:77] وفسَّره بقوله: «يابسًا»، وفي التَّفسير: أي: يابسًا ليس فيه ماء ولا طينٌ، وصف به باعتبار ما يؤول إليه؛ لأنه لم يكن يبسًا بعد إنما مرَّت عليه الصَّبا فخففته، وقيل: هو في الأصل مصدر وصف به مبالغة.
          ({عَلَى قَدَرٍ}: مَوْعِدٍ) أشار به إلى قوله تعالى: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طـه:40] وفسَّره بقوله: «موعد»، وفي نسخة: <على موعد> بزيادة: ((على))؛ أي: على القدر الذي قدر لك أنَّك تجيء وأكلِّمك وأستنبئك لا مستقدم ولا مستأخر، وعن عبد الرَّحمن بن كيسان: على رأس أربعين سنة، وهو القدر الذي يُوحى فيه إلى الأنبياء ‰. قال أبو البقاء: وهو متعلِّق بمحذوف على أنَّه حال من فاعل جئت؛ أي: جئت موافقًا لما قدِّر لك. قال في «الدُّر»: وهو تفسير معنى، والتَّفسير الصِّناعي ثمَّ جئت مستقرًا أو كائنًا على مقدار معين كقوله:
نَالَ الخِلَافَةَ أَوْ جَاءَتْ عَلَى قَدَرٍ                     كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ
          ({لاَ تَنِيَا}: لَا تَضْعُفَا) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طـه:42] وفسَّره بقوله: «لا تضعفا»، وهكذا فسَّره ابن عبَّاس ☻ ، ووصله عبدُ بن حُميد من طريق قتادة مثله، ومن طريق مجاهد كذلك، / وعن السُّدي: لا تفتروا، وعن محمَّد بن كعب: لا تقصرا، وفي قراءة ابن مسعود ☺: ((لا تهنا))، وأصله من ونى يني ونيًا كوَعَد يَعِد، قال الجوهريُّ: الونى: الضَّعف والفتور، والكلال والإعياء.
          ({يَفْرُطَ}: عُقُوبَةً) أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [طـه:45] وفسَّره بقوله: «عقوبة»، وكذا فسَّره أبو عبيدة؛ أي: يتقدَّم بالعقوبة، ولا يصبر إلى تمام الدَّعوة وإظهار المعجزة. وقد سقطَ هذا في رواية غير أبي ذرٍّ.


[1] في العمدة (طأها) وما ورد هنا موافق لما في المعاني فقال (طه) بالفتح.