نجاح القاري لصحيح البخاري

الدخان

          ░░░44▒▒▒ (سورة {حم} الدُّخَانِ) كذا في أكثر النُّسخ، وفي رواية أبي ذرٍّ: <سورة الدخان> بدون ({حم})، ويُروى: <حم الدخان> بدون: ((سورة)). قال مقاتل: مكيَّة كلها. وقال أبو العبَّاس: لا خلاف في ذلك. وهي ألف وأربعمائة وواحد وثلاثون حرفًا، وثلاثمائة وست وأربعون كلمة، وتسع وخمسون آية.
          وروى الترمذي مرفوعًا من حديث أبي هريرة ☺: ((من قرأَ حم الدُّخان في ليلة أصبحَ يستغفرُ له سبعون ألف ملك)) وقال: غريبٌ. وعنه: ((من قرأَ الدُّخان في ليلة الجمعةِ غُفر له)).
          (╖) لم تثبت البسملة إلَّا في رواية أبي ذرٍّ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) أي: ابنُ جبر ({رَهْوًا}: طَرِيقًا يَابِسًا، وَيُقَالُ: سَاكِنًا) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا} [الدخان:24] أي: طريقًا يابسًا، وصله الفريابيُّ من طريقه بلفظه وزاد: ((كهيئتهِ يوم ضربه)) يقول: لا تأمره أن يرجعَ بل اتركه حتَّى يدخلَ آخره. وأخرجه عبدُ بن حميد من وجهٍ آخر عن مجاهد في قوله: {رَهْوًا} قال: منفرجًا.
          وقال عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن قتادة: عطفَ موسى ◙ ليضربَ البحر ليلتئمَ، / وخاف أن يتبعَه فرعون وجنوده، فقيل: اتركْ البحرَ رهوًا، يقول: كما هو طريقًا يابسًا {إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ}. وأمَّا القول الآخر فهو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى: {وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا} أي: ساكنًا، يُقال: جاءت الخيلُ رهوًا؛ أي: ساكنة وأَرِهْ على نفسك؛ أي: ارفقْ بها، ويُقال: عيش راهٍ. وعن ابن عبَّاس ☻ : هو أن يُتركَ كما كان. وعن ربيع: سهلًا. وعن الضَّحَّاك: دمثًا، وقد سقط هذا القول في رواية غير أبي ذرٍّ، وإثباته هو الصَّواب.
          ({عَلَى الْعَالَمِينَ}) وفي رواية أبي ذرٍّ: <{عَلَى عِلْمٍ عَلَى العَالَمِيْنَ}> (عَلَى مَنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان:32] وفسَّره بقوله: «على من بين ظهريه»؛ أي: اخترنا موسى وبني إسرائيل على عالمي زمانهم، وهو قول مجاهد أيضًا، وصله الفريابي عنه بلفظ: فضلناهُم على من بين ظهريه؛ أي: على أهلِ عصرهم.
          ({فَاعْتـُِلُوهُ}) بضم التاء وكسرها، وبهما قُرئ (ادْفَعُوهُ) أشار به إلى قوله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان:47] وفسَّر {فَاعْتِلُوهُ} بقوله: «ادفعوه»، وصله الفريابي من طريق مجاهد، قال في قوله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} قال: ادفعوه. وفي «التفسير»: سوقوه إلى النَّار، يُقال: عتلَه يعتله عتلًا: إذا ساقه بالعنفِ والدَّفع والجذب، والضَّمير في ((خذوه)) للأثيم. وقوله: {إِلَى سَوَاءِ الجَحِيمِ} أي: وسط الجحيم.
          ({وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِيْنٍ}) كذا في رواية أبي ذرٍّ، وسقط في رواية غيره لفظ: <{عين}> (أَنْكَحْنَاهُمْ حُورًا عِينًا يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ) روى الفريابي من طريق مجاهد بلفظ: أنكحناهُم الحورَ العين التي يحارُ فيها الطَّرف يبان مخُّ سوقهنَّ من وراء ثيابهنَّ، ويرى الناظرُ وجهه في كبد إحداهنَّ كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللَّون. وعن مجاهد: يرى النَّاظر وجهَه في كعب إحداهنَّ كالمرآة.
          وفي حرف ابن مسعود ☺: ((بعيس عين)) وهنَّ البيض. ومنه قيل للإبلِ البيض: عِيس _بكسر العين_ واحده: بعير أعيس، وناقة عيساء. والحور جمع: أحور. /
          والعِين _بالكسر_ جمع: العيناء، وهي العظيمة العينين من النِّساء لوساعتهما، وليس المراد عقد التَّزويج.
          ({تَرْجُمُونِ}: الْقَتْلُ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّيْ وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} [الدخان:20] وفسَّر: الرجم بالقتل. وفي رواية أبي ذرٍّ: <ويُقال: {أَنْ تَرْجُمُونِ} القتل> وعلى الرواية الأولى صار كأنَّه من كلام مجاهد. وقد حكاه الطَّبري ولم يسق من قاله. وأورد من طريق العُوفي عن ابن عبَّاس ☻ أنه بمعنى الشَّتم، ويقولون: هو ساحرٌ. وروى عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن قتادة في قوله: {أَنْ تَرْجُمُونِ} قال: بالحجارة. واختار ابنُ جرير حمل الرَّجم هنا على جميع معانيه.
          (وَ{رَهْوًا}: سَاكِنًا) كذا في رواية غير أبي ذرٍّ هنا، وكذا هو هنا في اليونينية وفرعها، وقد تقدم بيانه في أوَّل السورة فهو مكرَّر.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ({كَالْمُهْلِ}: أَسْوَدُ كَمُهْلِ الزَّيْتِ) أي: قال ابن عبَّاس ☻ في قوله تعالى: { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعَامُ الأَثِيْمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ} [الدخان:43-45] هو أسودُ كمهل الزَّيت. وصله ابنُ أبي حاتم من طريق مطرِّف عن عطيَّة، سُئل ابن عبَّاس ☻ عن المهل، فقال: ماء غليظٌ كَدُرْدِيِّ الزَّيت. وقال اللَّيث: المهل ضرب من القطران إلَّا أنَّه رقيقٌ شبيه بالزَّيت يضرب إلى الصُّفرة، وهو دسم تدهن به الإبل في الشِّتاء. وقيل: السُّم. وعن الأصمعي: المَهل _بفتح الميم_ هو الصَّديد وما يسيلُ من الميت، وبالضم: هو عكرُ الزَّيت وكلُّ شيءٍ يَتَحاتّ عن الجمر (1) من الرَّماد وغيره. وقيل: المهلُ إذا ذهب الجمر إلَّا بقايا منه في الرَّماد تبينها إذا حركتها، والرَّماد حارٌّ من أجلِ تلك البقيَّة. وعن الزهريِّ: المهل الرَّصاص المذاب أو الصُّفر أو الفضة، وكلُّ ما أُذيب من هذه الأشياء فهو مهلٌ. وقيل: المهل الصَّديد الذي يسيلُ من جلود أهل النار.
          وحكى صاحب «المحكم»: أنَّه خبث الجواهر؛ يعني: الذَّهب والفضة والرَّصاص والحديد. وعن ابن جبير: المهل الذي انتهى حرُّه.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير ابن عبَّاس ☻ ({تُبَّعٍ}: مُلُوكُ الْيَمَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى تُبَّعًا، لأَنَّهُ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ، / وَالظِّلُّ يُسَمَّى: تُبَّعًا، لأَنَّهُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ) أشار به إلى قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعْ} [الدخان:37] وفسَّر: التُّبع بقوله: «ملوك اليمن»، وهذا لأنَّ كلَّ من ملك اليمن يسمَّى: تبعًا، كما أن كلَّ من ملك فارسًا يُسمَّى: كِسرى، وكلَّ من ملك الرُّوم يُسمَّى: قيصرًا، وكلَّ من ملك الحبشة يسمى: النَّجاشي، وكلَّ من ملك الترك يسمَّى: خاقان.
          وقوله: «لأنَّه يتبع صاحبه»، بيان لوجه التَّسمية، وقيل: لأنَّ أهل الدُّنيا كانوا يتبعونه، وهذا القول قول أبي عبيدة بلفظه، وزاد: وموضع تُبَّع في الجاهليَّة موضع الخليفة في الإسلام، وهم ملوكُ العرب الأعاظم. وروى عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن قتادة قال: قالتْ عائشة ♦: كان تُبَّع رجلًا صالحًا.
          قال مَعمر: وأخبرني تميم بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع سعيد بن جُبير يقول: إنَّه كسا البيت، ونهى عن سبِّه. وقال عبد الرَّزَّاق: أخبرنا بكَّار بن عبد الرَّحمن: سمعت وهبَ بن منبِّه يقول: نهى النَّبي صلعم عن سبِّ أسعد وهو تُبَّع. قال وهب: وكان على دينِ إبراهيم ◙، وروى أحمد من حديث سهل بن سعد رفعه: ((لا تسبُّوا تبعًا فإنَّه كان قد أسلم)). وأخرجه الطَّبراني من حديث ابن عبَّاس ☻ بمثلهِ، وإسناده أصحُّ من إسناد حديثِ سهل.
          وأمَّا ما رواه عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن ابنِ أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة ☺ مرفوعًا: ((لا أدري تُبَّع كان نبيًا أم لا)). وأخرجه ابنُ أبي حاتم والحاكم والدَّارقطني، وقال: تفرَّد به عبد الرَّزَّاق، فالجمع بينه وبين ما قبله أنَّه صلعم أُعْلم بحاله بعد أن كان لا يعلمها، فلذلك نهى عن سبِّه خشية أن يبادرَ إلى سبِّه من سمع الكلام الأول.


[1] كذا في الفتح، وفي العمدة: (كل شيء يتحات عن الخبزة)، وكذلك في غريب الحديث للقاسم بن سلام ولسان العرب وغيرهما.