نجاح القاري لصحيح البخاري

{القارعة}

          ░░░101▒▒▒ (سُوْرَةُ {الْقَارِعَةِ}) سقطت هذه في رواية أبي ذرٍّ؛ لأنَّه ذكرها مع العاديات كما تقدَّم، وهي مكيَّةٌ، وهي مائة واثنان حرفًا، وست وثلاثون كلمة، وإحدى عشرة آية، والقارعة: القيامة؛ لأنَّها تقرعُ القلوب.
          ({كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}: كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ) والغوغاءُ: الجرادُ والكثيرُ المختلط من النَّاس (يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَذَلِكَ النَّاسُ) يوم القيامة (يَجُولُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ) أشار به إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:4] وفسَّره بقوله: «كغوغاء الجراد...إلى آخره»، وهو كلام الفرَّاء. وقيل: الفراش الطَّير الَّذي يتساقط في النَّار، والغوغاء: الصَّوت والجلبة، وفي الأصل: الغوغاء الجرادُ حين يخفُّ للطَّيران. وعن أبي عُبيدة: الفراش: طيرٌ لا ذباب ولا بعوضَ، والمبثوث: المتفرِّق، وحَمْل الفَرَاش على حقيقته أولى.
          وإنَّما شبَّه النَّاس بذلك عند البعث؛ لأنَّ الفراشَ إذا ثار لم يتَّجه لجهةٍ واحدة، بل كلُّ واحدةٍ تذهب إلى غير جهة الأخرى، فدلَّ بهذا التَّشبيه على أنَّ النَّاس في البعث يتفرَّقون، فيذهب كلُّ واحدٍ إلى غير جهةِ الآخر، والعرب تشبه بالفراش كثيرًا، كقول جرير:
إِنَّ الفَرَزْدَقَ مَا عَلِمَتُ وَقَوْمَهُ                     مِثْلُ الْفَرَاشِ غَشِيْنَ نَارِ المُصْطَلِي
          وصفهم بالحرص والتَّهافت.
          وقال في «الدر» وفي تشبيه النَّاس / بالفراش مناسباتٌ كثيرة بليغة منها الطَّيش الَّذي يلحقهم، وانتشارهم في الأرض، والكثرة والضَّعف والذِّلَّة والمجيء من غير رجوعٍ وذهاب والقصد إلى الدَّاعي والإسراع، وركوب بعضهم بعضًا، والتَّطاير إلى النار.
          ({كَالْعِهْنِ}: كَأَلْوَانِ الْعِهْنِ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [الزلزلة:5] وفسَّره بقوله: «كألوان العهنِ»، وهو الصُّوف، وهو قول الفرَّاء قال: كالعهنِ؛ لأنَّ ألوانها مختلفة كالعهنِ وهو الصُّوف. وأخرج ابنُ أبي حاتم من طريق عكرمة قال: {كَالْعِهْنِ} كالصُّوف.
          (وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ) أي: ابن مسعود ☺ (▬كَالصُّوفِ↨) وهو بقيَّة كلام الفرَّاء، قال في قراءة عبد الله: (▬كَالصُّوْفِ الْمَنْفُوشِ↨) والمنفوش: المندوفُ؛ يعني: أنَّ الجبال تتفرَّق أجزاؤها في ذلك اليوم حتَّى تصير كالصُّوف المتطاير عند النَّدف، وإذا كان هذا تأثير القارعة في الجبال العظيمة الصَّلبة، فكيف حال الإنسان الضَّعيف عند سماعِ صوت القارعة؟.
          وسقط في رواية أبي ذرٍّ: <{كَالْعِهْنِ}>... إلى آخره.