نجاح القاري لصحيح البخاري

سورة آل عمران

          ░░░3▒▒▒ (سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ) أي: هذا تفسير سورة آل عمران، وسورة آل عمران مدنيَّة، حروفها أربعة عشر ألفًا وخمسمائة وخمسة وعشرون، وكلمها ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانون، وآيها مائتان بالاتفاق، اختلاف عددها سبع بين في محله.
          (بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ) كذا وقع في رواية أبي ذرٍّ، قال الحافظُ العسقلاني: ولم أرَ البَسملة لغيره. وقال العيني: وهذا حسنٌ؛ لأنَّ ابتداء الأمر ببسم الله الرَّحمن الرحيم أمرٌ يتبارك فيه للحديث المشهور.
          (تُقَاةٌ) بضم التاء (وَتَقِيَّةٌ) على وزن عطيَّة (وَاحِدَةٌ) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28] والمعنى مرتبط بما قبله، وأول الآية {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} يعني: ومن يوالي الكفَّار فليس من ولاية الله في شيءٍ يقع عليه اسم الولاية (1) {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} أي: إلَّا أن تخافوا من جهتهم أمرًا يحب اتِّقاؤه، والمراد أنَّ تقاة وتقيَّة كلاهما مصدر بمعنى واحد حتى قرأ يعقوب: ({تَقِيَّةً}) والتاء فيهما بدل من الواو؛ لأنَّ أصل تقاة: وَقْيَة مصدرٌ على فَعْلَة، من الوقاية، ومن كثرة استعمالها بالتاء يتوهَّم أنَّ التاء من نفسِ الحروف.
          ونصب {تُقَاةً} في الآية على المصدر؛ أي: تتقوا منهم اتِّقاء، فتقاة واقعة موقعَ اتقاء، أو نصب على الحال من فاعل تتقوا فتكون حالًا مؤكِّدة، فافهم والاستثناء مفرَّغ من المفعول من أجله، والعامل فيه {لَا يَتَّخِذَ} أي: لا يتَّخذ المؤمن الكافر وليًّا لشيءٍ من الأشياء إلَّا للتَّقيَّة ظاهرًا فيكون مواليه في الظَّاهر ومعاديه في الباطن.
          وعن ابن عبَّاس ☻ : ليس التَّقيَّة بالعمل إنَّما التَّقيَّة باللِّسان.
          ({صِرٌّ} بَرْدٌ) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران:117] الآية وفسَّر: الصِّر بقوله: «برد»، والصِّرُّ _بكسر الصاد المهملة وتشديد الراء_ هي الرِّيحُ الباردة نحو الصَّرصر، وقد سقط قوله: <{تُقَاةً}...> إلى هنا في رواية أبي ذرٍّ.
          ({شَفَا حُفْرَةٍ} مِثْلُ شَفَا الرَّكِيَّةِ، وَهْوَ حَرْفُهَا) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:103] / قال الزَّمخشري: معناه: وكنتُم مشفين على أن تقعوا في نارِ جهنَّم لكفركُم وما كنتُم عليه فأنقذكُم منها بالإسلام.
          والشَّفَا _بفتح الشين المعجمة وتخفيف الفاء_: وهو من ذوات الواو يثنى بالواو نحو شفوان ويكتب بالألف، ويجمع على أشفاء وهو الحرف؛ أي: الطَّرف، وهو معنى قوله: وهو حَرْفها _بفتح الحاء المهملة وسكون الراء_ كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي بضم الجيم والراء والأول أصوب(2) .
          والرَّكِيَّة _بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية_: هي البئرُ.
          ({تُبَوِّئُ} تَتَّخِذُ مُعَسْكَرًا) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران:121] وفسَّره بقوله: «تتَّخذ معسكَرًا» _بفتح الكاف_، وهذا تفسير أبي عبيدة، قال في قوله تعالى: {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أي: تتَّخذ لهم مصافًا ومعسكرًا. وقال غيره: {تُبَوِّئُ} تُنزِّل، بَوّأه: أصله.. من المباءة، وهي المرجعُ، والمقاعد جمع: مقعد، وهو مكانُ القعود.
          (الْمُسَوَّمُ) بفتح الواو اسم مفعول، وبكسرها اسم فاعل (الَّذِي لَهُ سِيْمَاءٌ) بكسر السين المهملة وسكون التحتية وتخفيف الميم، ضبطَه القسطلاني بالمد والصرف هو العلامة، والظَّاهر القصر (بِعَلاَمَةٍ أَوْ بِصُوفَةٍ أَوْ بِمَا كَانَ) أو بأيِّ شيءٍ كان من العلامات، وروى ابن أبي حاتم عن عليٍّ ☺ قال: كان سيما الملائكة يوم بدرٍ الصُّوف الأبيض، وكان سيماهم أيضًا في نواصي خيولهم، وفي نسخة: <قبل المسوم>.
          {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} وكذا في نسخة الحافظ العسقلاني والعيني، ولذا قال العيني: أشار به إلى قوله تعالى:{وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14]
          قال الزَّمخشري: {الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} المعلَّمة من السَّومة، وهي العلامة أو المطهَّمة أو المرعيَّة من أسام الدَّابَّة وسومها. وعن ابن عبَّاسٍ ☻ : المسوَّمة: الرَّاعية، والمطهمة: الحسان. وكذا رويَ عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جُبير وعبد الله بن عبد الرَّحمن بن أبزى، والسُّدِّي والرَّبيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم. وقال مكحولٌ: السَّومة: الغرة والتَّحجيل.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَالْخَيْلِ الْـمُسَوَّمَةِ}: الْمُطَهَّمَةِ) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الهاء (الْحِسَانِ) قال الأصمعي: المطهَّم: التَّامُّ كلُّ شيءٍ منه على حدته، فهو بارعُ الجمال، وزاد أبو ذرٍّ عن الكُشميهني والمستملي: <وقال سعيد بن جُبير وعبد الله بن عبد الرَّحمن بن أَبْزَى> بفتح الهمزة والزاي بينهما موحدة ساكنة، <الراعية المسوَّمة> _بفتح الواو_. وقال الحافظُ العسقلانيُّ: قال أبو عبيدة: الخيل المسومة: المعلَّمة بالسِّيما. وقال أيضًا في قوله تعالى: {مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125] أي: معلَّمين، والمسوم الَّذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان.
          وقال مجاهد: الخيل المسومة: الرَّاعية، روِّيناه في «تفسير الثَّوري» من رواية أبي حذيفة عنه بإسنادٍ / صحيحٍ، وكذا أخرجه عبد الرَّزَّاق عن الثَّوري، وأمَّا قول سعيد بن جُبير فوصله أبو حذيفة أيضًا بإسنادٍ صحيحٍ إليه، وأمَّا قول ابن أبزى فوصله الطَّبري من طريقه، وأورد مثله عن ابن عبَّاس ☻ من طريق العَوفي عنه. وقال أبو عبيدة أيضًا: يجوز أن يكون معنى مسومة مرعاةً من أسمتها فصارت سائمة. وفي بعض النُّسخ: وقع قوله: «وقال مجاهد...» إلى آخره بعد قوله: {نُزُلًا} إلى قوله: أنزلتُه.
          ({رِبِّيُّونَ} الْجَمِيعُ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <الجموع> بالواو بدل الياء، ويُروى: <الجمع> (وَالْوَاحِدُ رِبِّيٌّ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران:146] هو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} الآية الرِّبيُّون: الجماعة الكثيرة، واحدها: رِبِّي وهو _بكسر الراء_ في الواحد والجمع في قراءة الجمهور.
          وعن عليٍّ ☺ وجماعة بضم الراء، وهو من تغيير النَّسب في القراءتين إن كانت النِّسبة إلى الرَّبِّ وعليها قراءة ابن عبَّاس ☻ : ((رَبِّيون)) بفتح الراء، وقيل: بل هو منسوبٌ إلى الرُّبة؛ أي: الجماعة، وهي بضم الراء وبكسرها، فإن كان كذا فلا تغيير، والرِّبي هو العالم.
          وقال سفيان الثَّوري عن عاصم عن زرٍّ عن ابن مسعود ☺: {رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} أي: هم الألوف.
          وقال ابن عبَّاس ☻ ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جُبير والحسن وقتادة والسُّدِّي والرَّبيع وعطاء الخراساني: الرِّبيون: الجموعُ الكثيرة. وقال عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن الحسن: {رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} أي: علماءٌ كثيرٌ، وعنه أيضًا: صُبُر أبرار أتقياء. وحكى ابنُ جرير عن بعض نحاة البصرة: أنَّ الرِّبيين هم الَّذين يعبدون الرَّبَّ ╡، قال: وقد ردَّ بعضُهم عليه فقال: لو كان كذلك لقيل رَبِّيون _بالفتح_ انتهى.
          وأنت خبيرٌ بأنه لا وجه للرَّدِّ؛ لأنَّ الكسر كما عرفت من تغييرات النسب.
          ({تَحُسُّونَهُمْ}: تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلًا) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:152] وفسر: {تَحُسُّونَهُمْ} بقوله: «تستأصلونهم»، من الاستئصال، وهو القلعُ من الأصل، وهو تفسير أبي عبيدة أيضًا بلفظه وزاد يقال: حَسَسْنَاهُم من عند آخرهم، / وفي التَّفسير: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} أي: تقتلونهم [قتلًا] ذريعًا.
          ({غُزًّى}: وَاحِدُهَا غَازٍ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى} [آل عمران:156] و{غُزًّى} بضم الغين وتشديد الزاي، جمع: غاز، كعفى جمع عافٍ. قال الحافظُ العسقلاني: وهو تفسيرُ أبي عبيدة قال في قوله تعالى: {أَوْ كَانُوا غُزًّى} لا يدخلها رفع ولا جر؛ لأنَّ واحدها غازٍ، فخرجت مخرجَ قائل وقُوَّل، انتهى. وفيه نظرٌ.
          وقرأ الجمهور: ({غُزَّا}) بالتَّشديد، وقياسه غُزَاة لكن حملوا المعتل على الصَّحيح، كما قال أبو عبيدة، وقرأ الحسن: ({غُزَا}) بالتخفيف، فقيل: خفف الزاي كراهية التَّثقيل. وقيل: أصله: غُزَاة، فحذف الهاء، وسقط ذلك في رواية أبي ذرٍّ.
          ({سَنَكْتُبُ}: سَنَحْفَظُ) أشار به إلى قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آل عمران:181] الآية، وفسَّر {سَنَكْتُبُ} بقوله: «سنحفظ»؛ أي: سنحفظه ونثبتُه في علمنا ولا نهملُه؛ لأنَّه كلمةٌ عظيمةٌ إذ هو كفرٌ بالله تعالى، وهو تفسيرُ أبي عبيدة أيضًا لكنَّه ذكره بضم الياء التحتانية على البناء للمفعول، وهي قراءةُ حمزة، وكذلك قرأ: {وَقَتْلُهُمُ} بالرفع عطفًا على الموصول؛ لأنَّه مرفوعُ المحلِّ، وقراءة الجمهور بالنون للمتكلِّم العظيم، (وقتلَهم) بالنصب عطفًا على الموصول أيضًا؛ لأنَّه منصوبُ المحلِّ، وتفسير الكتابة بالحفظ تفسيرٌ باللازم، وقد كثُرَ ذلك في كلامهم، وفي التَّفسير: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آل عمران:181] في صحائف الحفظة.
          ({نُزُلًا}: ثَوَابًا) أشار به إلى قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:198] وفسَّر: {نُزُلًا} بقوله: «ثوابًا»، وهو كلام أبي عبيدة أيضًا، وفي التَّفسير: أي: ضيافة من الله، والنُّزُل _بسكون الزاي وضمها_: ما يقدَّم للنَّازل.
          وقال أبو حيان: النُّزُل ما يُهيَّأ للنَّزيل وهو الضَّيف، ثمَّ اتُّسع فيه حتَّى سُمِّي به الغداء، وإن لم يكن للضَّيف، وهل هو مصدر أو جمع قولان، وعلى تقدير كونه جمعًا فهو جمع نازلٍ، كقول الأعشى: أو تنزلون، فإنا معشرٌ نُزُلٌ أي: نزول، وفي نصبه أقوال: منها أنَّه منصوبٌ على المصدر المؤكد؛ لأنَّ معنى قوله: {لَهُمْ جَنَّاتٌ} أي: تنزلهم جنات / نزلًا، كأنَّه قيل: رزقًا وعطاء من عند الله، ومنها أنَّه حالٌ من {جَنَّاتٌ} لتخصيصها بالوصف.
          (وَيَجُوزُ: وَمُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَقَوْلِكَ: أَنْزَلْتُهُ) أراد به أنَّ ((نُزُلًا)) الذي هو المصدر يكون بمعنى منزلًا على صيغة اسم المفعول من قولك: أنزلته، ويكون المعنى: لهم جنَّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها منزلة، يعني: معطاة لهم نزلًا من عند الله، كما يُعطى الضَّيف النُّزُل وقت قدومه.
          (وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ) هو: سعيد بن جُبير ({وَحَصُورًا}: لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ) أشار به إلى قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران:39] وفسَّره بقوله: «لا يأتي النِّساء». ووصل هذا التَّعليق عبدٌ فقال: حدثنا جعفر بن عبد الله السَّلمي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن وسعيد بن جُبير وعطاء وأبي الشَّعثاء أنَّهم قالوا: السَّيِّد الَّذي يغلب غضبه، والحصور الَّذي لا يغشى النِّساء، وأصل الحصر: الحبسُ والمنع، يُقال لمن لا يأتي النِّساء أعمُّ من أن يكون ذلك بطبعهِ كالعنين أو لمجاهدة نفسه وهو الممدوحُ، وهو المراد في وصف السَّيِّد يحيى ╕.
          (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {مِنْ فَوْرِهِمْ}: مِنْ غَضَبِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ) أشار به إلى قوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} [آل عمران:125] الآية، وفسَّر عكرمة مولى ابن عبَّاس ☻ : {مِنْ فَوْرِهِمْ} بقوله: «من غضبهم». وهذا التعليق وصله الطَّبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة في قوله: {وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ}قال: كان ذلك يوم أحدٍ غضبوا ليوم بدر ممَّا لقوا.
          وأخرجه عبد بن حميد من وجهٍ آخر عن عكرمة في قوله: {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} قال: من وجههم هذا، وأصل الفور: العجلةُ والسُّرعة، ومنه: فارت القدر، ويُعبَّر به عن الغضب؛ لأنَّ الغضبانَ يسارع إلى البطشِ، وقال غيره: من ساعتهم هذه. وسقط في رواية أبي ذرٍّ من قوله: <وقال ابن جُبير...> إلى هنا.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُخْرِجُ الْحَيَّ: النُّطْفَةُ تَخْرُجُ مَيِّتَةً وَيُخْرِجُ مِنْهَا الْحَيَّ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:27] قال مجاهد: / {تُخْرِجُ الْحَيَّ} معناه: النُّطفة تخرجُ حال كونها ميتة، ويخرج من تلك الميتة الحي.
          وهذا التَّعليق وصله عبدُ بن حميد من طريق ابنِ أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران:27]، قال: النَّاس الأحياء من النُّطف الميِّتة، والنُّطف الميتة من النَّاس الأحياء.
          وقد وصله أيضًا محمد بن جرير عن القاسم: حدثنا حجَّاج عن ابن جُريج عن مجاهد، وحكاه أيضًا عن ابن مسعودٍ ☺ والضَّحَّاك والسُّدِّي وإسماعيل بن أبي خالد وقتادة وسعيد بن جُبير ⌠.
          وفي «تفسير ابن كثير»: يخرج الحبَّة من الزَّرع، والزَّرع من الحبَّة، والنخلة من النَّواة، والنواة من النَّخلة، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، والدَّجاجة من البيضة، والبيضة من الدَّجاجة. وقال الحسن: يخرجُ المؤمن الحيَّ من الكافر الميت. ثمَّ قوله: «النُّطفة»، مبتدأ، و«تخرج» جملة في محلِّ الرفع خبره، و«ميتة» نصب على الحال من الضَّمير الذي في «تخرج».
          ({الإِبْكَار} أَوَّل الْفَجْرِ، وَالْعَشِيُّ: مَيْلُ الشَّمْسِ أُرَاهُ) بضم الهمزة؛ أي: أظنُّه (إِلَى أَنْ تَغْرُبَ) وسقط هذا عند أبي ذرٍّ، وأشار به إلى قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران:41].
          وقال الزَّمخشري: العشيُّ من حين تزول الشَّمس إلى أن تغيبَ، والإبكار من طلوعِ الفجر إلى وقت الضُّحى.


[1] في هامش الأصل: نهوا عن موالاتهم بقرابة أو صداقة جاهلية ونحوهما حتى لا يكون حبهم وبغضهم إلا في الله، أو عن الاستعانة بهم في الغزو وسائر الأمور الدينية. قاضي.
[2] في هامش الأصل: ويطلق شفا أيضًا على القليل، تقول: ما بقي منه غير شفا أي: غير قليل، ويُستعمل في القرب ومنه أشفى على كذا؛ أي: قرُب منه.