نجاح القاري لصحيح البخاري

{قل أعوذ برب الفلق}

          ░░░113▒▒▒ (سُوْرَةُ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}) كذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي بعض النُّسخ: سقط لفظ: <سورة>، وفي بعضها: <سورة الفلق> وهي مدنيَّة في قول سفيان، وفي رواية همَّام وسعيد عن قتادة: مكيَّة، وكذا قال السُّدي. وقال سفيان: الفلق والناس نزلتا فيما كان لبيد بن الأعصم سحرَ رسول الله صلعم وقصَّته مشهورة في «التفاسير»، وهي أربعة وسبعون حرفًا، وثلاث وعشرون كلمة، وخمس آيات.
          (╖) ثبتت البسملة في رواية أبي ذر.
          (وَقالَ مُجَاهِدٌ: {الْفَلَقِ} الصُّبْحُ) / وصله الفريابيُّ من طريقه، وكذا قال أبو عبيدة؛ لأنَّ اللَّيل يفلق عنه ويفرقُ فعل بمعنى مفعول؛ أي: مفلوقٌ وتخصيصه؛ لما فيه من تغيُّر الحال وتبدُّل وحشة اللَّيل بسرور النَّهار، وكذا روي عن ابن عبَّاس ☻ ، وعنه: سجنٌ في جهنم.
          وعن السُّدي: جبٌّ في جهنَّم. وعن أبي هريرة ☺ يرفعه بسندٍ لا بأس به: ((الفلق: جب في جهنم مغطّى)). وعن كعب: الجب بيتٌ في جهنَّم إذا فُتحَ صاح أهل النَّار من شرِّ (1) حرِّه. وقيل: هو كلُّ ما يفلقه الله كالأرض عن النَّبات، والسَّحاب عن المطرِ، والأرحام عن الأولاد. وثبت قوله: <الفلق الصبح> هنا في رواية أبي ذرٍّ فقط.
          ({غَاسِقٍ}) بالرفع وبالجرِّ، وهو الموافق للتَّنزيل (اللَّيْلُ. {إِذَا وَقَبَ}: غُرُوبُ الشَّمْسِ) أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:3] أنَّ الغاسق: اللَّيل، وإذا وقبَ غروب الشَّمس، وكذا روي عن أبي عبيدة. ووقب من الوقوبِ، وهو غروب الشَّمس والدُّخول في موضعها، وصله الطَّبري من طريق مجاهدٍ بلفظ: {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} اللَّيل إذا دخل.
          (يُقَالُ: أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ وَفَلَقِ الصُّبْحِ) هو قول الفرَّاء ولفظه: (({قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} الفلقُ الصبح، وهو أبينُ من فَلَق الصُّبح وفَرَق الصُّبح)) ({وَقَبَ} إِذَا دَخَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَظْلَمَ) وهو كلام الفرَّاء أيضًا.
          وقوله: وأظلم لغروب الشَّمس، وقيل: المراد: القمر، فإنَّه يكسفُ، ووقوبه: دخولُه في الكسوف. وجاء في حديث مرفوع: ((إنَّ الغاسقَ القمر)).
          أخرجه التِّرمذي والحاكم من طريق أبي سلمة عن عائشة ♦: أنَّه صلعم أخذ بيدها فأراها القمر حين طلعَ، وقال: ((تعوذِي بالله من شرِّ هذا، فإنَّ هذا الغاسقَ إذا وقب)) إسنادهُ حسنٌ.
          وفي «شرح المشكاة»: لما سحرَ النَّبي صلعم استشفى بالمعوذتين؛ لأنَّهما من الجوامع في هذا الباب، فتأمَّل في أولويتهما كيف خصَّ وصفَ المستعاذ به / برب الفلق؛ أي: بفالقِ الإصباح؛ لأنَّ هذا الوقت وقت فيضان الأنوار، ونزول الخيراتِ والبركات.
          وخصَّ المستعاذ منه بما خلقَ فابتدأ بالعام في قوله: {من شَرِّ مَا خَلَقَ} أي: من شرِّ خلقه، ثمَّ ثنَّى بالعطف عليه ما هو شرُّه أخفى، وهو نقيضُ انفلاق الصُّبح من دخول الظَّلام واعتكارهِ المعني بقوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:3] ؛ لأنَّ انبثاث الشَّرِّ فيه أكثر، والتَّحرُّز عنه أصعبُ، ومنه قولهم: اللَّيل أخفى للويل.


[1] كذا في العمدة، وفي تفسير الطبري (شدة)