نجاح القاري لصحيح البخاري

الملائكة

          ░░░35▒▒▒ (سُورَةُ الْمَلاَئِكَةُ) وهي مكيَّة نزلت قبل سورة مريم وبعد سورة الفرقان، وهي ستٌّ وأربعون آية، وسبعمائة وسبعون كلمة، وثلاثة آلاف ومائة وثلاثون حرفًا (╖) لم تثبت البسملة ولفظ: <سورة> إلَّا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية أبي ذرٍّ أيضًا، كذا <سورة الملائكة ويس> ولم يثبت لغيره هذا؛ أي: لفظ: <ويس>، والصَّواب سقوطه لأنَّه يكون مكررًا.
          (قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِطْمِيرُ: لِفَافَةُ النَّوَاةِ) أشار به إلى قوله تعالى: / {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر:13] وفسَّره بقوله: «لِفافة النَّواة» _بكسر اللام_ وهي القشرُ الذي على النَّواة، ومنه لفافة الرَّجل، وهو مثل في القلَّة كقوله:
وَأَبُوكَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ مُتَوَرِّكَاً                     مَا يَمْلك المِسْكينُ مِنْ قِطْمِيرِ
          وسقط في رواية أبي ذرٍّ: <قال مجاهد> وقد وصله الفريابيُّ من طريق ابنِ أبي نَجيح عن مجاهد مثله، وروى سعيد بنُ منصور من طريق عكرمة، عن ابن عبَّاس ☻ : القطميرُ: القشر الذي يكون على النَّواة، وقال أبو عبيدة: القطميرُ: الفُوْفَة التي فيها النَّواة، ويُقال: هي النُّكتة البيضاء التي في ظهر النَّواة تنبت منها النَّخلة، وقيل: هو القمعُ وهو أعلى التَّمرة والبسرة، وقيل: ما بين القمعِ والنُّواة.
          ({مُثْقَلَةٌ}) بالتخفيف (مُثَقَّلَةٌ) بالتشديد أشار به إلى قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر:18] وأشار إلى أن مُثْقَلَة بالتخفيف بمعنى: مُثَقَّلة، بالتشديد، وهو قول مجاهد أيضًا؛ أي: وإن تدعُ نفس مثقَّلة الذُّنوب نفسًا إلى حملها، فحذف المفعول به للعلم به، ولم يثبتْ هذا في رواية أبي ذرٍّ.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير مجاهد ({الْحَرُورُ} بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ) أي: قال غيرُ مجاهد في قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ. وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ. وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر:19-21] إنَّ الحرور بالنَّهار مع الشَّمس، وثبتَ هذا هنا في رواية النَّسفي وحدَه، وهو قول رُؤبة كما تقدَّم في «بدء الخلق» [خ¦59/4-4984] (1)، وفي التفسير: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} يعني: العالم والجاهل {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} يعني الكفر والإيمان {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} يعني: الجنَّة والنَّار، وقيل: الحَرور: الرِّيح الحارة باللَّيل، والسَّموم بالنَّهار مع الشَّمس.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ (الْحَرُورُ: بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ) ونقله ابنُ عطيَّة عن رُؤبة وقال: ليس بصحيحٍ بل الصَّحيح ما قاله الفرَّاء، وذكره في «الكشاف»: الحرورُ السَّموم إلَّا أن السَّموم بالنَّهار، والحرور فيه، وفي اللَّيل، قال في «الدر»: وهذا عجيبٌ منه كيف يردُّ على أصحاب اللِّسان بقول من يأخذ عنهم، ولم يثبت هذا في رواية أبي ذرٍّ وإنما فيها: <وقال ابنُ عبَّاس>. ({وَغَرَابِيبُ} أَشَدُّ سَوَادٍ، الْغِرْبِيبُ: الشَّدِيدُ السَّوَادِ) / أشار به إلى قوله تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر:27] وأشار بقوله: «الغِرْبيب» إلى أنَّ غرابيب جمع: غِربيب _بكسر الغين_ وهو الشَّديد السَّواد شبيهًا بلون الغراب، وقال الفرَّاء: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ تقديره: وسود غرابيب، يُقال: أسود غربيب، والبصريون يخرجونَ هذا وأمثاله على أنَّ الثَّاني بدل من الأوَّل.
          قال الجوهريُّ: تقول: هذا أسود غربيب؛ أي: شديد السَّواد، وإذا قلت: غرابيبُ سود، تجعل السُّود بدلًا من غرابيب؛ لأنَّ تواكيد الألوان لا تقدَّم: كقان وناصع وفاقعٍ ويَققٍ، وما ذكره البخاريُّ من التَّفسير المذكور أخرجه ابنُ أبي حاتم عن ابن عبَّاس ☻ من طريق عليِّ بن أبي طلحة.


[1] في صحيح البخاري هناك: وقال ابن عباس ورؤية: الحرور بالليل، والسموم بالنهار.