نجاح القاري لصحيح البخاري

كتاب التفسير

          ░░65▒▒ (1) (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابُ التَّفْسِيْرِ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <كتاب تفسير القرآن>، وفي رواية أبي الوقت: <كتاب التَّفسير، بسم الله الرَّحمن الرحيم>، ويُروى أيضًا: <كتاب تفسير القرآن، بسم الله الرَّحمن الرحيم>. والحاصل أنَّه قد اختلفت الرِّوايات في تقديم البْسملة، وتأخيرها، وكذا في تعريف التَّفسير باللام، وإضافته إلى القرآن.
          والتَّفسير مصدر: التَّفعيل، من الفَسْر، وهو: البيان، يُقال: فَسَرْت الشَّيء _بالتخفيف_ وفسَّرته _بالتَّشديد_ إذا بيَّنته، وأصل الفَسْر: نظر الطَّبيب إلى الماء ليعرف العلَّة، وقيل: من فَسَرت الفَرس: إذا ركضتها محصورةً لينطلقَ حَصْرُها. وقيل: هو مقلوبٌ من سَفَرَ كجَذَبَ وجَبَذ، تقول: سَفَرَ: إذا كَشَف وجهه، ومنه: أسفر الصُّبح: إذا أضاء.
          واختُلف في التَّفسير والتَّأويل، فقال أبو عُبيدة ومن تبعه: هما بمعنى، وقيل: التَّفسير: بيان المراد باللَّفظ، والتَّأويل: بيان المراد بالمعنى. وقال أبو العبَّاس الأزدي: النَّظر في القرآن من وجهين:
          الأوَّل: من حيث هو منقولٌ، وهو التَّفسير وطريقة الرِّواية والنَّقل.
          والثَّاني: من حيث هو معقولٌ، وهو التَّأويل وطريقة الدِّراية والعقل، قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:3] فلا بدَّ من معرفة اللِّسان العربي في فهم القرآن العربي، فيعرف الطَّالب الكلمة وشرح لغتها وإعرابها، ثمَّ يتغلغلُ في معرفة المعاني ظاهرًا وباطنًا، فيوفي لكلٍّ منهما حقَّه. وقال غيره: التَّفسير علمٌ يُعرف به فهم معاني كتاب الله المنزل، وبيان مَعانيه، واستخراج أحكامهِ وحكمه، واستمداد ذلك من علم النَّحو واللُّغة والتَّصريف، وعلم البيان وأصول الفقه وعلم القراءات، ويحتاج إلى معرفة أسباب النُّزول والنَّاسخ والمنسوخ.
          وذكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب «قانون التأويل»: أنَّ علوم / القرآن خمسون علمًا وأربعمائة وسبعة آلاف علم، وسبعون ألف علم على عدد كَلِم القرآن مضروبةً في أربعة.
          وقال بعضُ السَّلف: إنّ لكلِّ كلمةٍ ظاهرًا وباطنًا وحدًّا ومقطلعًا، وهذا مطلقٌ دون اعتبار التَّركيب وما بينهما من روابط، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلَّا الله تعالى، انتهى، والله سبحانه أعلم.


[1] في هامش الأصل: قد بُدئ في هذه القطعة التاسعة عشر قبيل طلوع الشَّمس يوم السبت الحادي عشر من أيام شهر رجب من شهور سنة ثمان وأربعين ومائة وألف يسّر الله تعالى إتمامها وإتمام باقيها إلى آخر الكتاب بحرمة النبي والآل والأصحاب.