نجاح القاري لصحيح البخاري

{تبت يدا أبي لهب وتب}

          ░░░111▒▒▒ (سُوْرَةُ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}) وليس في بعض النُّسخ لفظ: <سورة>، وهي مكيَّة، وهي سبعة وسبعون حرفًا، وثلاث وعشرون كلمة، وخمس آيات.
          وأبو لهب هو: ابنُ عبد المطلب، واسمه: عبد العزى، وأمه خزاعيَّة، وكُنِّي: أبا لهب، إمَّا بابنه لهب، وإمَّا لشدَّة حمرة وجنته، وكان وجهه يتلهَّب من حسنه. فقد أخرج الفاكهي من طريق عبد الله بن كثير قال: إنَّما سُمِّي أبا لهبٍ؛ لأنَّ وجهه كان يتلهب من حسنه. ووافق ذلك ما آل إليه أمره من أنَّه سيصلى نارًا ذات لهب.
          ولهذا ذُكر في القرآن بكنيته دون اسمه، ولكونه بها أشهر، ولأنَّ في اسمه إضافة إلى الصَّنم. ولا حجَّة فيه لمن قال بجواز تكنية المشرك على الإطلاق، بل محلُّ الجواز إذا لم يقتض ذلك التَّعظيم له، أو دعت الحاجة إليه. وقال بعضهم: كنيته كانت اسمه.
          قال الواقدي: كان من أشدِّ النَّاس عداوةً للنَّبي صلعم ، وكان السبب في ذلك أنَّ أبا طالب لاحا أبا لهب، فقعد أبو لهب على صدر أبي طالبٍ، فجاء النَّبي صلعم ، فأخذ بضبعي أبي لهبٍ فضرب به الأرض، فقال له أبو لهب: كلانا عمُّك فلم فعلت بي هذا؟ والله لا يحبُّك قلبي أبدًا، وذلك قبل النُّبوَّة.
          وقال له أخواته لما مات أبو طالب: لو عضدت ابن أخيك لكنت أولى النَّاس بذلك، فلقيه فسأله عمَّن مضى من آبائه فقال: إنَّهم كانوا على غير دينٍ، فغضب وتمادى على عداوته، ومات أبو لهب بعَدَسَةٍ (1) بعد وقعة بدر بأيَّامٍ ولم يحضرها، بل أرسل عنه بديلًا فلمَّا بلغه ما جرى لقريشٍ مات غمًا.
          وأسند الفعل لليدين في قوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} مجازًا؛ لأنَّ أكثر الأفعال تزاول بهما، وإن كان المراد جملة المدعو عليه. و{تَبَّتْ} دعاء {وَتَبَّ} إخبار؛ أي: قد وقع ما دُعي عليه به، أو كلاهما دعاءٌ، ويكون في هذا شبه من مجيء العامِّ بعد الخاص؛ لأنَّ اليدين بعضٌ، وإن كانت حقيقة اليدين غير مرادةٍ، كذا في «الدر». ويُقال: إنَّ لفظ {يَدَا} صلة تقول العرب: يد الدَّهر ويد الرَّزايا، ويُقال: المراد ملكه وماله، يُقال: فلان قليل ذات اليد يعنون به المال.
          وقال الإمام: يجوز أن يُراد بالأول هلاك عمله، وبالثَّاني هلاك نفسه، ووجهه أنَّ المرء إنَّما يسعى لمصلحة نفسه وعمله، فأخبر الله تعالى أنَّه محرومٌ من الأمرين، ويوضحه: أنَّ قوله: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} / إشارة إلى هلاك عمله، وقوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} إشارة إلى هلاك نفسه.
          (╖) ثبتت البسملة في رواية أبي ذر وحده ({وَتَبَّ} خَسِرَ {تَبَابٍ}: خُسْرَانٌ.
          {تَتْبِيبٍ}: تَدْمِيرٌ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} وفسَّر: {تَبَّ} بقوله: خسر، وفسَّر {تَبَابٌ} بقوله: خسران، وأشار به إلى قوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَونَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} [غافر:37]. وأشار بقوله: {تَتْبِيبٍ} إلى قوله تعالى: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود:101]، وفسَّره بقوله: تدمير؛ أي: إهلاك. وفي رواية ابن مردويه في حديث الباب من وجهٍ آخر عن الأعمش في آخر الحديث قال: فأنزلَ الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} قال: يقول: خسرت {وَتَبَّ} أي: خسر {وَمَا كَسَبَ} يعني: ولده. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [غافر:37] قال: في هلكة. وقال في قوله تعالى: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود:101] أي: تدميرٍ وإهلاك.


[1] في هامش الأصل: بثرة تخرج في البدن تقتل غالبًا مثل الطاعون. منه.