حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من صور صورةً فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح

          95- قوله: (مَنْ صَوَّرَ صُوْرَةً) [خ¦2225].
          الحاصلُ: إنَّ التَّصويرَ حرامٌ مُطْلقاً، سواءٌ كان على حالةٍ يعيشُ بها أوْ لا، وأمَّا التَّفرُّج، فحرامٌ إنْ كان على هيئةٍ يعيشُ بها، وإلَّا فلا يحرم.
          ويُستثنى مِن تحريم التَّصويرِ لُعَبُ البناتِ؛ لأنَّ عائشةَ كانت تلْعبُ بها عِنْد رسولِ الله صلعم، وحِكْمةُ ذلك تَدْرِيْبُهُنَّ على أمْر التَّربيةِ.
          قوله: (فإنَّ اللهَ يُعذِّبُه) هذا دليلٌ على أنَّ التَّصويرَ حَرامٌ من الكبائرِ.
          قوله: (حَتَّى يَنْفُخَ) أي: المُصوِّر ذَكَراً كان أو أُنثى أو خُنْثى.
          وقوله: (فِيْهَا) أي: الصُّورة المصوَّرة.
          قوله: (وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيْها) أي: لا يكون له النَّفْخ فيها (أَبَداً)، فيكون مُعذَّباً على سبيل الخلُود، وهذا محمولٌ على الزَّجرِ أو على المستحل.
          ولم يذكُرِ المصنِّفُ تمامَ الحديثِ، وتمامُه: «فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيْدَةً، واصْفرَّ وَجْهُهُ، فقال: وَيْحَكَ، إنْ أَبَيْتَ إلَّا أنْ تَصْنَعَ، فَعلَيْكَ بهذا الشَّجَرِ وكُلِّ شَيءٍ ليسَ فيْه رُوْحٌ».
          فقوله: (فَرَبَا الرَّجُلُ) أي: علاهُ (رَبْوَة) أي: ضِيْق صَدْرٍ، والمراد ﺑ (الرَّجُلُ) الرَّجلُ الذي أَتى ابنَ عبَّاسٍ وقالَ له: يا ابنَ عبَّاسٍ، إنِّي إنسانٌ إنَّما مَعيْشَتي منْ صَنْعةِ يَدِي، وإنِّي أَصْنعُ هذه التَّصاوِيرَ.
          فقالَ ابنُ عبَّاسٍ: لا أُحدِّثُكَ إلَّا ما سمعتُ مِن رسولِ الله صلعم، سمعتُه يقول: «مَنْ صَوَّرَ...» إلى آخرِه.
          وقوله: (وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ) أي: اصفرَّ وَجْهُ الرَّجُلِ بسبب ما عرض له.
          وقوله: (فَقَالَ) أي: ابنُ عبَّاسٍ الرَّاوي.
          وقوله: (وَيْحَكَ) كلمةُ هلاكٍ لا ترحُّم، أي: لكَ الهلاكُ إنِ امتنعتَ مِن كلِّ شيءٍ إلَّا التَّصويرَ، ثمَّ استأنفَ وأخبَرَه بقولِه: (فَعلَيْكَ بالشَّجَرِ).
          أو أنَّ (وَيْحَكَ) كلمةُ ترحُّمٍ، و(إنْ) شَرطيَّةٌ، جوابُها (فَعَلَيْكَ بِهذا الشَّجَرِ).
          وقوله: (وَكُلِّ شَيْءٍ) عطْفٌ عامٌّ على خاصٍّ وهو الشَّجَر.
          وفي رِوايةٍ: «كُلِّ شَيْءٍ»، / بدون واوِ العَطْف على أنَّه بَدَلٌ من (شَجَر) بدلُ كُلٍّ مِن بعضٍ، وهو قسم جوَّزه بعضُ النُّحاة، كقولِه:
رَحِمَ اللهُ أعْظُماً دَفَنُوها                     بسِجِسْتانَ طَلْحةَ الطَّلَحَاتِ
          فطَلْحةُ بَدَلُ كُلٍّ منْ بَعْضٍ وهو «أعْظُماً»، أو هناك مُضافٌ مقدَّرٌ، فيكون بدلُ كُلٍّ من كلٍّ، أي: عليكَ بمثلِ هذا الشَّجرِ، أوْ واوُ العَطْفِ مُقدَّرةٌ، أي: وكلِّ شيءٍ، كما في «التَّحيَّاتُ الصَّلَواتُ»، إذ معناه: والصَّلَوات.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: بيع التَّصاوير التي فيها رُوْحٌ.