حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته

          114- قولُه: (امْرَأَةُ رِفَاعَةَ) [خ¦2639]. قيل: اسمُها تَيْمةُ.
          وقيل: تُميْمةُ، بالتَّصغيْر، أو [تَمِيْمةُ] بالتَّكْبيْر، وهي بِنْتُ وَهْبِ، و(رِفَاعَةَ) بكسرِ الرَّاءِ.
          وقوله: (القُرَظِيِّ) بضمِّ القاف، وفتح الرَّاءِ، وبالظَّاء المعجَمة، مِن بَني قُريْظةَ، وهو أحدُ العشرة / الذين نزلَ فيهم: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ...} [القصص:51] الآيةَ، كما رواهُ الطَّبَرانيُّ(1).
          وقولُه: (النَّبِيَّ) بالنَّصْب على المفعوليَّة ﻟ (جَاءَ).
          وفي رِوايةٍ: (إلى النَّبِيِّ).
          قوْله: (فَقَالَتْ) أي: للنَّبيِّ صلعم.
          قَوله: (فَأَبَتَّ طَلَاقِي) بهمْزةٍ مفْتوحةٍ، وتشديدِ المثنَّاة الفوقيَّة.
          قال القَسْطَلَّانيُّ(2): كذا في جميع ما وقفتُ عليه من النُّسخ الأُصولِ المعتمَدة: (فَأَبَتَّ) بالهمْزة من الثُّلاثي المَزِيد فيه، وقال العَيْنيُّ: «فَبَتَّ»، أي: منْ غير همْزٍ من الثُّلاثي المُجرَّد. وقالَ النَّسائيُّ: «فَأَبَتَّ»[س 3283]، من المزيدِ. انتهى.
          نَعَمْ، رأَيتُ في النُّسَخِ المَقْرُوْءةِ على الميدوميِّ: «فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ»، فزادَ: «فطَلَّقَني»، ولم يقُل بعد «أَبَتَّ»: طَلَاقِي.
          وفي الطَّلاقِ عِنْد البُخاريِّ: «طَلَّقَنِي، فَبَتَّ طَلَاقِي» [خ¦5260]، أي: قطع قطعاً كُلِّيّاً بتحصيلِ البَيْنونة الكُبرى بالطَّلاقِ الثَّلاث مُتفرِّقاً.
          قوله: (فَتَزَوَّجْتُ) أي: بَعْد انقضاءِ العدَّة.
          قوله: (الزَّبِيْرِ) بفَتْح الزَّاي، وكسرِ الموحَّدة، وهو ابنُ باطَاْ القُرَظيُّ.
          قوله: (إنَّمَا) أي: قالَتْ: (إنَّمَا...) إلى آخِرِه.
          وفي نُسخةٍ: (وَإنَّمَا) بالواوِ.
          قوله: (هُدْبةِ الثَّوْبِ) بضمِّ الهاءِ، وسُكونِ الدَّالِ المُهْمَلة: طَرَفُهُ الذي لم ينسج، شبَّهوه بهدبِ العَيْن وهو شعرُ جفنِها، ومرادُها ذَكَرُه، وشبَّهته بذلك لصِغَرِه أو اسْترخائِه وعدم انتشارِه.
          قال في «العدَّة»(3): والثَّاني أظْهَرُ، وجزَمَ به ابنُ الجوْزيِّ؛ لأنَّه يبعد أن يبلغَ في الصِّغَرِ إلى حدٍّ لا يغيب مِنْه الحشَفَة التي يحصل بها التَّحليلُ.
          قوله: (فَقَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم.
          قوله: (أَتُرِيْدِيْنَ...) إلى آخرهِ.
          سببُ هذا الاستفْهامِ قولُ زَوْجِها عبد الرَّحمن بن الزَّبِيْر كما في مُسلمٍ(4) أنَّها «ناشِزَةٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ».
          قوله: (أَنْ تَرْجِعِي).
          قال الكِرْمانيُّ(5): وفي بعْضِها: «تَرْجِعِيْنَ»، بالنُّونِ، على لُغة مَن يرفع الفِعْل بعد (أن) حملاً على (ما) أختها.
          قوله: (لا) أي: لا يجوز لكِ الرُّجوع إلى رِفاعةَ.
          قوله: (حَتَّى تَذُوْقِي عُسَيْلَتَهُ) أي: عبد الرَّحمن.
          وقوله: (وَيَذُوْقَ) أي: عبد الرَّحمن (عُسَيْلَتَكِ) وهو بضمِّ العَيْن وفتح السِّين المهملتَين، مُصغَّراً فيهما، كِنايةٌ عن الجِماع، فشبَّه لذَّتَه بلذَّة العَسَلِ وحلاوتِه، واستعارَ لها ذَوْقاً.
          وقد رَوى عبدُ الله بنُ أبي مُلَيْكَةَ، عَن عائشةَ مَرْفُوعاً: «إنَّ العُسَيْلَةَ هيَ الجِماعُ».
          رَواهُ الدَّارَقُطْنيُّ(6)[3619].
          فهو مجازٌ عنِ اللَّذَّةِ.
          وقيل: العُسَيلةُ ماءُ الرَّجُلِ، والنُّطْفةُ تُسمَّى العُسَيْلَةَ، وحينئذٍ فلا مَجاز، لكن ضعفَ بأنَّ الإنْزالَ لا يشترط وإنْ قالَ بِه الحسنُ البَصْريُّ.
          وأنَّثَ العُسيْلةَ لأنَّه شبَّهها بالقطعة من العَسَلِ، أو أنَّ العسَلَ في الأصل يُذكَّر ويُؤنَّثُ، وإنَّما صغَّروه إشارةً إلى القَدْر القليلِ الذي يحصل به الحلُّ.
          قالَ النَّوويُّ(7): واتَّفَقوا على أنَّ تغْييْبَ(8) الحشَفَةِ في قُبلِها كافٍ من غير إنْزالٍ.
          وقال ابنُ المنْذِر(9): في الحديث دِلالةٌ على أنَّ الزَّوْج الثَّاني إنْ واقعَها وهي نائمةٌ أو مُغمى عليها لا تحس باللَّذَّة أنَّها لا تحلّ للأوَّل؛ لأنَّ الذَّوْقَ أن تحس باللَّذَّة.
          وعامَّةُ أهْل العِلْم / أنَّها تحلُّ.
          قوله: (وَأَبو بَكْرٍ) أي: والحال أنَّ أبا بكْرٍ جالسٌ عِنْد النَّبيِّ صلعم.
          وفي البُخاريِّ: «وخالِدُ بنُ سَعيْدٍ بالبابِ يَنْتَظِرُ أنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فقال: يا أَبا بكْرٍ ألَا تَسْمَعُ إلى هذه ما تَجْهَرُ بِه عِنْدَ النَّبيِّ صلعم !» . انتهى.
          وكأنَّه استعظمَ تلفُّظَها بذلك بحَضْرةِ النَّبيِّ صلعم.
          وهذا الحديثُ ذكَرَه البخاريُّ في باب: شهادة المُخْتَبِئ.
          ومحلُّ التَّرجمةِ قولُه في الحديْث: فقال: يا أَبا بكْرٍ... إلى آخرِه؛ لأنَّ خالدَ بنَ سعيدٍ أنكَر على امْرأةِ رِفَاعةَ ما كانتْ تتكلَّمُ بِه عِنْد النَّبيِّ صلعم مَع كَونه مَحجُوباً عنها خارِجَ البابِ، ولم ينكر النَّبيُّ صلعم ذلك، فاعتمادُ خالدٍ على سماع صَوْتِها حتَّى أنْكَر عليها هو حاصلُ ما يقعُ مِن شهادةِ السَّمْعِ.


[1] في الكبير 4563.
[2] إرشاد الساري 4/374.
[3] لم أجده في العدة فلعله «جمع العدة» المخطوط.
[4] كذا في الإرشاد القسطلاني 4/375، وذكره قبله ابن بطال وغيره دون عزو لمسلم.
[5] الكواكب 11/162.
[6] بلفظ: «العسيلة الجماع».
[7] شرح مسلم 10/3.
[8] كذا في الأصل، وفي «ت»: تغيّب.
[9] نقله عنه القسطلاني في الإرشاد 4/375، وقبله الطيبي في شرح المشكاة 7/2348.