حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من رآني في المنام فقد رآني

          275- قوله: (فَقَدْ رَآنِي) [خ¦6994] أي: حقيقةً، أيْ: رأى حقيقَتي على كمالِها، لا شُبهة ولا ارتيابَ فيما رأى، فليس فيه اتِّحاد الشَّرْطِ والجواب، ويدلُّ لذلك ما رُوي: «فَقَدْ رأى الحقَّ» [خ¦6996].
          وأُجِيْبَ أيضاً بأنَّه في معنى الإخْبار، أي: مَن رآني فأخبره بأنَّ رُؤيتَه حقٌّ ليستْ مِن أضْغاث الأحْلام.
          قوله: (لا يَتَخَيَّلُ) بالخاءِ المُعجَمة المفْتُوحة.
          فإنْ قيلَ: كيف ذلك وهو في المديْنة والرَّائي في المشْرِق أوِ المغْرِب!؟
          وأُجِيْبَ بأنَّ الرُّؤيةَ أمْرٌ يخلقُه اللهُ تعالى، ولا يشترط فيها عَقْلاً مواجهة ولا مُقابلة ولا خروج شعاعٍ.
          فإن قلتَ: كثيراً يُرى على خلافِ صُوْرتِه المعْروفة، ويراهُ شخصانِ في حالةٍ واحِدةٍ!؟
          أُجِيْبَ بأنَّه يتغيَّر في صفاتِه لا في ذاتِه، فتكون ذاتُه ╕ مَرْئيَّةً وصِفاتُه مُتخيَّلةً غيرَ مرئيَّةٍ، فلَو رآهُ يأمُر بقَتْل مَن يحرم قَتْله كان هذا من صِفاته المتخيَّلة لا المرئيَّة.
          قوله: (وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ...) إلى آخرِه.
          المرادُ: إنَّ النُّبوَّةَ لو قُسمت لكانتِ الرُّؤيا قِسماً منها، وليس المرادُ أنَّ رُؤيا المؤمن الصَّالحة جُزْءٌ حقيقةً، وإنَّما كانتْ كالجزْءِ لأنَّها تدلُّ على ما سيقعُ، كما أنَّ النُّبوَّة بمعنى الوَحْي تدلُّ على ما سيقعُ، يعني: إنَّ الوَحْيَ مُنقطعٌ بمَوْتِه، فلا يبقى بعد موتِه ما يعلم به أنه سيكون غير الرُّؤيا الصَّالحة.
          وقال الكِرْمانيُّ(1): إنَّ هذا في حقِّ الأنبِياءِ دُون غيرِهِم، فكان الأنبياءُ يُوحى إليهم في مَنامهم كما يُوحى إليهم في اليقظة.
          وقيل: إنَّ مُدَّة الوَحْيِ كانت ثلاثاً وعشرين سنة، منها ستَّة أشهرٍ كانتْ مَناماً، وذلك جُزْءٌ من ستَّةٍ وأربعين جُزءاً.
          وقيل: لأنَّ الوَحْيَ كان يأتيه صلعم على ستَّةٍ وأربعين نَوعاً، الرُّؤيا نَوْعٌ مِن ذلك.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في الباب السَّابقِ.


[1] الكواكب الدراري 24/98.