حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها

          212- قوله: (فَلَا يَمْسَحْ) [خ¦5456].
          (لا) ناهيةٌ، والفِعْلُ معها مَجْزُومٌ.
          قوله: (يَدَهُ) قال في «فَتْح البارِي»[9/578]: يحتملُ أنْ يكون أطلقَ على الأصابعِ اليَدَ.
          ويحتملُ أن يكونَ أرادَ باليدِ الكَفَّ كُلَّها، فيَشْمَلُ الحُكْمُ مَن أكلَ بكفِّه كُلِّها، أو بأصابعِه فقطْ، أو ببعضِها.
          والسُّنَّةُ أنْ يأكُلَ بأصابعه الثَّلاث، وإنْ كان الأكلُ بأكثر منْها جائزاً.
          وفي حديث كَعْبِ بنِ عُجْرةَ عِنْد الطَّبرانيِّ في «الأوْسطِ» قال:
          «رأَيتُ رسولَ الله صلعم يأكُل بأصابعه الثَّلاث، بالإبهام والتي تلِيها والوسْطى، ثمَّ رأيتُه يلعق أصابعَه الثَّلاث قبل أنْ يمسحها، الوُسطى ثمَّ التي تليها ثمَّ الابهام».
          والسِّرُّ في ذلك كما قال الحافظُ الزَّيْنُ عبد الرَّحيْم العِراقيُّ(1): إنَّ الوُسطى يكثر تَلْوِيثُها لأنَّها أطولُ، فيبقى ما فيها من الطَّعام أكثر من غيرها؛ لأنَّها لطولها أوَّلُ ما ينزل الطَّعام.
          ويحتمل أنَّ الذي يلعق يكون في بَطْن كفِّه إلى جهة وَجْهِه، فإذا ابتدأَ بالوُسطى انتقلَ إلى السَّبَّابة على جهة يمينِه، وكذا الإبهام.
          قوله: (يَلْعَقَهَا) بفَتْح الياءِ والعَيْن، بينهما لامٌ ساكنةٌ، أي: حتَّى يلْحَسَها هو.
          وقوله (أَوْ يُلْعِقَهَا) بضمِّ أوَّلِه وكسر ثالثه، أي: يُلْحِسَها غيره ممَّن لا يتقذَّرُ ذلك، كزوجةٍ ووَلَدٍ وخادِمٍ، وكتلْميذٍ يعتقدُ بَرَكَةَ شَيْخِه.
          وحِكْمةُ ذلك أنَّه لا يدْري في أيِّ طعامِه تكون البَركة، أو لئلَّا يلوث ما يمسح به مَع الاستغناءِ عنه بالرِّيق، أو لئلَّا يُتهاون بقليل الطَّعامِ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: لَعْق الأصابعِ ومَصِّها قَبْلَ أن تُمْسَحَ بالمنْدِيلِ.


[1] في شرح الترمذي كما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح 9/579.