حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم

          43- قوله: (اتَّخَذَ حُجْرَةً) [خ¦731] بالرَّاءِ.
          وفي رِوايةٍ بالزَّاي، أي: شيئاً حاجِزاً ومانِعاً له بينَه وبين النَّاسِ، فقد حوط له مَوضعاً في / المسجِد بحصيرٍ ليُصلِّي فيه.
          قوله: (قَالَ) أي: الرَّاوي عن زِيدٍ وهو بُسْرُ بنُ سَعِيدٍ.
          وقوله: (حَسِبْتُ) أي: ظننتُ أنَّه، أي: زيداً.
          وقوله: (في رَمَضَانَ) متعلِّق ﺑ (اتَّخَذَ).
          وقوله: (فَصَلَّى فِيْهَا) أي: في الحُجْرةِ.
          وقوله: (لَيَالِي) أي: ثلاثاً، ولم يخرجْ في الرَّابعة.
          وهذه اللَّيالي الثَّلاثُ غيرُ متواليةٍ؛ فقد خرجَ ليلةَ الثَّالثِ والعشرين، ولَيلةَ الخامِس والعشْرين، ولَيْلةَ السَّابعِ والعشرين.
          فقد وردَ عنْ عائشةَ، أنَّ رسُولَ الله صلعم خرجَ مِن جَوْفِ اللَّيلِ، فصلَّى في المسجِد، فصلَّى رِجالٌ بصلاتِه، فأصْبَحَ النَّاسُ يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم.
          فخرجَ رَسولُ الله صلعم في اللَّيلة الثَّانية، فصَلَّوا بصلاتِه، فأصْبح النَّاسُ يذكرون ذلك وكثر أهلُ المسجدِ في اللَّيلة الثَّالثة، فخرجَ فصلَّوا بصلاته.
          فلمَّا كانتِ اللَّيلةُ الرَّابعةُ ضاقَ المسْجدُ عن أهْلِه، فلم يَخرجِ المصطَفى إليهم حتَّى خرَجَ لصلاةِ الفَجْرِ، فلمَّا قضى الصَّلاةَ أقْبلَ على النَّاس ثمَّ قال:
          «أمَّا بَعْدُ، فإنَّه لم يَخْفَ عليَّ شأنُكُم اللَّيلة، ولكِن خَشِيْتُ أن تُفْرَضَ عَلَيكُم صلاةُ اللَّيلِ فتَعْجِزُوا عَنْها».
          وقولُه: (وَلكِنْ خَشِيْتُ).
          لا يُنافِي ما وردَ في قصَّة فَرْض الصَّلاةِ ليلة المِعْراجِ الدَّال على عدم فرضية زيادةٍ على الخمْس؛ لأنَّ المرادَ بما في قصَّة فَرْضِ الصَّلاةِ عَدَمُ فرضية زيادةٍ في كُلِّ يومٍ وليلة، فلا يُنافي فرضية زيادةٍ في كُلِّ عامٍ.
          أوِ المرادُ: أنْ تُفرضَ عليكم جماعتُها، فتَعْجِزُوا عَنْها.
          قوله: (جَعَلَ يَقْعُدُ) أي: شرعَ في القُعود، أي: التَّخلُّف، أي: شرعَ يتخلَّف عنِ الخُروج.
          وقوله: (قَدْ عَرَفْتُ) وفي رِواية ابنِ عساكرَ: «عَلِمْتُ».
          قوله: (مِنْ صَنِيْعِكُمْ) بفتح الصَّادِ، وكسر النُّونِ، وبالياءِ.
          ولأبي ذَرٍّ، عَن الكُشْمَيهَنيِّ: «مِنْ صُنْعِكُمْ»، بضمِّ الصَّاد، وسُكُونِ النُّون، أي: حِرْصِكُم على إقامةِ التَّراويح حتَّى رفعتم أصْواتكم وصحتم عليَّ، بل حَصَبَ _أي: ضَرَبَ_ بعضُكُم البابَ عليَّ لظنِّكُم وُقوع النَّوْم لي ولستُ نائماً.
          قوله: (فَصَلُّوا) أي: النَّوافلَ التي لم تُشرع فيها الجماعةُ.
          وقوله: (صَلَاةُ المَرْءِ في بَيْتِهِ)، أي: فهيَ أفضلُ منَ الصَّلاة في المسجِد، ولو كان المسجدُ فاضِلاً كالمسجِد الحرامِ.
          قوله: (إلَّا المَكْتُوْبَةَ) أي: فإنَّها في المسجِد أفضلُ من فِعْلها في البيت.
          ومثلُ المكْتوبةِ / الصَّلاةُ التي تُشرع جماعة كصلاة التَّراويحِ والعِيْدِ، وتحيَّةُ المسْجِد إذْ لا تُشرع في غَيْر المسْجِد.
          وأخذَ المالكيَّة بظاهرِ هذا الحديث، فقالوا: إنَّ صلاةَ التَّراويح في البيت أفضلُ إنْ لم تتعطَّلِ المساجِدُ، وإلَّا ففِعْلُها في المسجِد أفضلُ.
          وأجابَ إمامُنا الأعظمُ، بأنَّ عدَمَ الصَّلاة في المسجِد لخوْفِ الفرضية، وخوفُ الفرضية قدِ انتفى بمَوْتِ النَّبيِّ صلعم.
          وهذا الحديثُ ذكَرهُ البخاريُّ في باب: صلاة اللَّيلِ.