حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: الطاعون شهادة لكل مسلم

          131- قولُه: (الطَّاعُوْنُ) [خ¦2830] هو قُروحٌ تخرجُ من البَدَن فتكون في المَرَاقِّ، _أي: المواضِع اللَّيِّنة_ والآباطِ والأيدي، ويكون معَه وَرَمٌ وألَمٌ شديدٌ، وتخرجُ تلك القُروح مَع لَهيبٍ.
          وقيل: الطَّاعُوْنُ وَخْزُ الأعداءِ من الجِنِّ، والوَخْزُ: طَعْنٌ بإنْفاذٍ.
          وقد وردَ في فَضْل الطَّاعون أَحاديثٌ:
          منها: إنَّ رسولَ الله صلعم قال: «يَأْتي الشُّهداءُ والمُتوفُّوْنَ بالطَّاعُونِ، فَيقولُ أصحابُ الطَّاعُونِ: نَحْنُ شُهداءٌ، فيُقال: انْظُروا، إنْ كان جِراحُهُم كَجِراحِ الشُّهداءِ تَسِيْلُ / دِماؤهم ورِيحُهم كرِيْحِ المِسْكِ، فهُم شُهداءُ، فيَجِدُوْنَهُم كَذلك» [م 17688، طب 13980].
          ومنها: إنَّ عائشةَ(1) [خ¦3474] [خ¦5734] سألَتْ رسولَ الله صلعم عن الطَّاعونِ، فأخبرها: «إنَّه كانَ عذاباً يَبْعَثُه اللهُ على مَن يشاءُ مِن خَلْقِه، فجَعَلَه رحْمةً للمُؤمنين، فليسَ مِنْ رجُلٍ يقَعُ الطَّاعونُ فيَمْكُثُ في بَلَدِه صابِراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أنَّه ما يُصِيْبه إلَّا ما كَتَبَ اللهُ له، إلَّا كان لَه مِثْلُ أجْرِ الشُّهداءِ».
          وأَخرجَ الإمامُ أحمدُ[14518]، عَن جابرِ بنِ عبدِ الله قال: قالَ رسولُ الله صلعم: «الفَارُّ مِنَ الطَّاعُوْنِ كَالفارِّ مِنَ الزَّحْفِ، والصَّابرُ فيْهِ كَالصَّابرِ في الزَّحْفِ».
          وقد صرَّحَ ابنُ خُزيْمةَ(2) في «صحيحِه» بأنَّ الفِرارَ من الطَّاعُونِ مِن الكَبائرِ، وأنَّ اللهَ يُعاقِبُ عليه ما لَم يَعْفُ.
          وقالَ رسوْلُ الله صلعم: «إذا وَقَعَ(3) الطَّاعُوْنُ بأرضٍ وأنتُم بها فلا تَخْرُجُوا فإنَّ الموْتَ في أعْناقِكُم، وإذا كان بأرض فلا تَدْخُلُوها فإنَّه يُحْرِقُ القُلُوبَ(4)».
          قولُه: (شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) أي: فالميِّتُ بِه من شُهداءِ الآخِرة.
          وقد قسم العُلماء الشَّهادةَ ثلاثة أقْسامٍ:
          شهيدٌ في الدُّنيا والآخرَة، وهو المقتولُ في حَرْب الكفَّارِ.
          وشهيدٌ في الآخِرة دون أحكامِ الدُّنيا، وهم كثيرونَ.
          وشهيدٌ في الدُّنيا دُون الآخِرة، وهو مَن غَلَّ في الغَنيْمة أو قُتل مُدْبراً.
          والشَّهِيدُ فَعِيْلٌ بمعنى مَفْعُول؛ لأنَّ الملائكةَ تشْهدَه وتبشِّره بالفَوز والكرامةِ، أو بمعنى فاعِلٌ؛ لأنَّه يلقى رَبَّه ويُحضر عِنْده، كما قالَ تعالى: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الحديد:19].
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: الشَّهادة سَبْعٌ سوى القَتْل.


[1] بلفظ: أجر (شهيد _ الشهيد) في الموضعين على الترتيب.
[2] لم أقف عليه.
[3] لا يوجد بهذا اللفظ ولعله حديثان دمجا، فالأول: (... فلا تخرجوا) في البخاري 3474 ومسلم 92/2218، والثاني (عن علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: دعا نبي على أمته، فقيل له: أتحب أن يسلط عليها الجوع؟ قال: لا، قيل له: أتحب أن يلقى بأسهم بينهم؟ قال: لا، قال فسلط عليه الطاعون موتاً ذفيفاً يحرق القلوب، ويقل العدد). رواه إسحاق كما في إتحاف الخيرة المهرة 1817.
[4] قوله: «وأَخرجَ الإمامُ أحمدُ، عَن جابرِ بنِ... يحرق القلوب»زيادة من الأصل، وسقطت من «م» و«ت» وغيرهما !