حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: كل ذاك يأتي الملك أحيانًا في مثل صلصلة الجرس

          162- قوله: (أنَّ الحارِثَ بنَ هِشَامٍ) [خ¦3215] يحتملُ أن يكونَ الحارِثُ أَخْبَرَ عائشةَ بذلك، فيكون مُرسَلاً، ويحتملُ أنَّها حضرتِ الحارِث بن هِشامٍ وهو يسألُ، فيكونُ ذلك مِن مُسنَدِها لا منْ مُرسَلِها.
          لكن في بعض الطُّرُقِ [م 25292، ك 5213] مِن طرِيق عبدِ الله بنِ الحارِثِ، عَن هِشامٍ، عنْ أَبِيه، عن عائشةَ، عنِ الحارِثِ بنِ هِشامٍ قال: سألتُ.
          فهذا يدلُّ على أنَّه مُرْسلٌ.
          قوله: (كَيْفَ يَأْتِيْكَ الوَحْيُ) أي: على أيِّ حالةٍ يأتيك الوَحْيُ، أي: حامله، فإسنادُ الإتيان إلى الوَحْيِ مَجازٌ، والمرادُ به الموحى به.
          والوَحْيُ لغةً: الإعلامُ في خفاءٍ.
          وفي اصْطلاح الشَّرع: إعلامُ الله أنبِياءه / بالشَّيء، إمَّا بكتابٍ، أو برسالةِ ملَكٍ، أو بمَنامٍ، أو بإلهامٍ.
          وقد يجيءُ بمعنى الأمْر، نحو: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ...} [المائدة:111] الآيةَ.
          وبمعنى التَّسْخير، نحو: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ...} [النحل:68] الآيةَ، أي: سخَّرها لهذا الفِعْل وهو اتِّخاذُها {مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا...} إلى آخِرِ ما ذَكَر في الآيةِ.
          وقد يعبَّر عن هذا بالإلْهام، والمراد به هدايتُها لذلك؛ وإلَّا فالإلْهامُ حقيقةً إنَّما يكون للعُقلاء.
          وبمعنى الإشارة، نحو: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:11].
          قوله: (كُلُّ ذَاكَ) قالَ القَسْطلَّانيُّ: بغَير لامٍ بين الذَّال والكافِ، أي: إتيان الوَحْي.
          قوله: (يَأْتِي) وفي رِوايةِ أبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهَنيِّ: «يَأْتِيْنِي».
          قوله: (المَلَكُ) أي: جِبْريلُ.
          وقوله: (أَحْيَاناً) أي: أوْقاتاً.
          قوله: (في مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجرَسِ) أي: مُشابهاً صَوْت الجُلْجُلِ، الذي يُعلَّق برُؤوس الدَّوابِّ.
          قوله: (فَيَفْصِمُ) بفَتْح الياءِ التَّحتيَّة، وسُكون الفاءِ، وكَسْر الصَّادِ المُهْملة، مِن باب ضَرَبَ، أي: يقلعُ ويزولُ عنِّي ما يَغْشاني من شدَّة الوَحْي.
          قوله: (وَقَدْ وَعَيْتُ) بفَتْح العَين، أي: فهمتُ وحفظتُ ما قالَه الملَك.
          قال في «المختار»: وَوَعَى الحديْثَ يَعِيَهُ وَعْيَاً: حَفِظَهُ. انتهى.
          وقال في «المصباح»: وَعَيَهُ وَعْيَاً، مِنْ بابِ وَعَدَ. انتَهى.
          قَوله: (وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ) أي: الإتيان في مثل صَلْصَلَةِ الجرَسِ.
          وقوله: (وَيَتَمَثَّلُ) أي: يتصوَّر.
          وقوله: (رَجُلاً) أي: كصُورة رجُلٍ كدِحْيةَ الكَلْبيِّ، وهو أجملُ الصَّحابة.
          وإنَّما تمثَّل لَه في صُورة الرَّجُل تأنيساً له صلعم، والقَدْرُ الزَّائدُ مِن خِلْقَتِهِ لا يفنى، بل يخفى على الرَّائي فقطْ.
          قوله: (فَأَعِي مَا يَقُوْلُ) أي: أحفظُ الذي يقول.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: ذِكْر الملائكة أيضاً.