حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا

          254- قوله: (كَتَبَ) [خ¦6243] أيْ: قَدَّر في الأَزَلِ(1).
          وقولُه: (حَظَّهُ) بالحاءِ المهملةِ، والظَّاءِ المشالة، أي: نصيبَه المُقدَّر عليه من الزِّنا.
          وقوله: (أَدْرَكَ ذلِكَ) أي: ما كُتب عليه، وهو جوابُ شَرْطٍ مُقدَّرٍ، أي: إذا كُتب على ابن آدمَ حظُّه من الزِّنا أدركَ ذلك.
          قوله: (لا مَحَالَةَ) أيْ: لا حِيْلة له في التخلُّص مِن إدْراكِ ما كُتب عليه، بلْ لابُدَّ مِن الوُقوع في المكْتُوبِ.
          قَوله: (فَزِنَا العَيْنِ) بالإفْراد.
          وفي رِوايةِ أبي ذَرٍّ، عنِ الحَمُّوْييِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «العَيْنَيْنِ»، بالتَّثنيةِ.
          قوله: (النَّظَرُ) أي: بشَهْوةٍ أو بغير شهوة بالنِّسْبة للأجنبيَّة.
          قوله: (المَنْطِقُ) بالميْم.
          وفي رِوايةِ أبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهنيِّ: «النُّطْقُ»، بدونِ ميمٍ، أي: التَّكلُّمُ بما لا يحل، أي: وزِنا الشَّفتَين التَّقْبيلُ، أي: المحرَّم، وزِنا اليَدَين البَطْشُ، أي: الضَّرْبُ بغير حَقٍّ، وزِناْ الرِّجْلَين المشيُ، أي: للحَرامِ.
          قالَ ابنُ بطَّالٍ(2): سمَّى (النَّظَر) و«النُّطْق» زِناً؛ لأنَّه يدعو إلى الزِّنا الحقيقيِّ.
          قوله: (تَمَنَّى) بحَذْف إحدى التَّاءَيْن.
          وفي رِوايةٍ عَن أبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهَنيِّ: «تَتَمَنَّى»، بإثْباتهما.
          قوله: (وَتَشْتَهِي) عطْفٌ على (تَمنَّى) أي: تَشْتهي المعاصِي.
          قوله: (يُصَدِّقُ ذلِكَ) أي: المذْكُورَ مِن زِنا العَيْن واللِّسان، وتَصْديقُ / الفَرْجِ يكونُ بالفِعْلِ.
          قوله: (وَيُكَذِّبُهُ) أي: بعَدَم الفِعْل، ونِسْبةُ التَّصْديقِ والتَّكْذيبِ للفَرْجِ مَجازٌ.
          وفي رِوايةِ أبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهَنيِّ: «أوْ يُكَذِّبُهُ»، ﺑ (أَوْ) بدَلَ الواوِ.
          واستَدلَّ بهذا الحديث مَن قالَ: إذا قالَ لرجُلٌ: زَنَتْ يدك، أو رِجْلك، لا يكون قَذْفاً، فلا حدَّ، وبه قالَ أَشْهَبُ مِن أئمَّة المالكيَّةِ.
          وفي «الرَّوْضة»[6/292]: إذا قال: زنى يدك، أو عَيْنك، أو رِجْلك، فكِنايةٌ على المذْهَبِ.
          وقال ابنُ قاسمٍ: يُحدُّ، ووَجَّهَه بأنَّ الأفعالَ مِن فاعِلِها تُضافُ إلى الأيْدِي، قالَ تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30].
          فإذا قال: زَنَتْ يدك، فكأنَّه وصفَ ذاتَه بالزِّنا؛ لأنَّ الزِّنا لا يَتَبعَّضُ.
          وقد وردَ في ذَمِّ الزِّنا أحاديثُ، منها:
          قوله صلعم(3): «يا مَعْشر النَّاسِ اتَّقوا الزِّنا، فإنَّ فيْه سِتَّ خِصالٍ:
          ثلاثٌ في الدُّنيا وثلاثٌ في الآخِرة، فأمَّا اللَّواتي في الدُّنيا: فيُذْهِبُ البَهَاءَ، ويُوْرِثُ الفَقْرَ، ويُنْقِصُ العُمُرَ.
          وأمَّا اللَّوَاتي في الآخِرة: فيُوجِب السُّخْطَ، وسُوءَ الحسابِ، والخُلُودَ في النَّارِ».
          وعنْه صلعم أنَّه قال(4): «إنَّ أعْمالَ أُمَّتي تُعرض عليَّ في كُلِّ جُمعةٍ مرَّتَين، فاشتدَّ غضبُ الله على الزُّناةِ».
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: زِنا الجوارِح دُون الفَرْجِ.


[1] من «ز1» و«ز4»، وليست في الأصل و«م».
[2] شرح البخاري 9/23.
[3] البيهقي في شعب الإيمان كما عزاه إليه صاحب الكنز 13022 وضعفه لكنني لم أجده في التشعب.
[4] لم أجده.