حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إن الله هو السلام فإذا جلس أحدكم في الصلاة

          253- قولُه: (عَنْ عَبْدِ الله) [خ¦6230] أي: ابنِ مَسْعُودٍ؛ لأنَّه المُرادُ عِنْد الإطْلاقِ.
          قوْله: (قَبْلَ عِبَادِهِ) أي: قبلَ السَّلام على عِبادِه، أي: قبل أنْ تسلِّم على عبادِه.
          قَوله: (على فُلَانٍ) ليسَ المُرادَ أنْ يتلفَّظوا بلفظِ (فُلَانٍ)، بلْ بمَدْلُولِه.
          ولأبي ذَرٍّ زِيادة: «وفُلَانٍ».
          وفي رِوايةِ عبدِ الله بنِ نُميْرٍ، عنِ الأعْمشِ عِنْد ابنِ ماجَهْ[899]: «يَعْنُوْنَ: المَلَائكةَ».
          وللإسماعيليِّ مِن رِوايةِ عليِّ بنِ مُسَرْهَدٍ(1): «فَنَعُدُّ المَلَائكةَ».
          قوله: (فَلَمَّا انْصَرَفَ) أي: فَرَغَ منَ الصَّلاةِ.
          قوله: (هُوَ السَّلَامُ) أي: المسلم أوْلياءَه، أو ذُو السَّلامةِ منَ الآفاتِ والنَّقائصِ.
          وقد ثبتَ في القُرآن في أسمائِه تعالى {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر:23].
          وفي «الأدبِ المُفْرَد»[989]، من حديثِ أنسٍ بسَندٍ حَسَنٍ: «السَّلَامُ مِنْ أسْماءِ الله وَضَعَه في الأرْضِ، فأفْشُوْه بَيْنكُمْ».
          وعن ابنِ عبَّاسٍ مَوقُوفاً: «السَّلَامُ اسْمُ الله، وهُو تَحيَّةُ أهْلِ الجنَّةِ»(2).
          قال في «شَرْح المِشْكاةِ»[6/1774]: ووظيفةُ العارِف _من قولِه (السَّلَامُ)_ أن يتخلَّقَ به، بحيث يسلم قَلْبه عن الحقْدِ والحسَدِ وإرادة الشَّرِّ، وجوارحه عنِ ارتكاب المحْظوراتِ واقترافِ الآثامِ، فيكون سالماً(3)(4) لأهْل الإسْلامِ ساعِياً في ذَبِّ المَضارِّ عنهُم، ومُسلِّماً على كُلِّ مَن يراهُ عَرَفَه أو لم يَعْرِفْهُ(5).
          قوله: (لله) أي: مملوكةٌ لله ملْكاً تامّاً حقيقيّاً.
          قوله: (وَالصَّلَوَاتُ).
          قيلَ: المرادُ: المعهوداتُ في الشَّرْعِ، فيقدر واجبة.
          وقيلَ: المرادُ بها رحماتُه التي تفضَّل بها على عِبادِه، فيقدر كائنة، أو ثابتة لله مَع تقدِيرِ مُضافٍ، أي: لعِبادِ الله.
          قوله: (وَالطَّيِّبَاتُ) أي: الكلماتُ الطَّيِّباتُ، وهي ذِكْرُ الله، أي: كلُّها مُستحقَّةٌ لله.
          قولُه: (السَّلَامُ عَلَيْكَ) مبتدأٌ وخَبرٌ، أي: كائنٌ عليك.
          ويحتملٌ أنْ يكونَ الخبرُ محذوفاً، و(عَلَيْكَ) مُتعلِّقٌ ﺑ (السَّلَامُ)؛ لأنَّ فيْه معنى الفِعْل، والتَّقدير: السَّلامُ عَلَيكَ موجودٌ، والألفُ واللَّامُ للجِنْس، فيدخل فيه المعْهودُ.
          قوله: (وَعلى عِبَادِ الله) أُعِيْدَ حَرْفُ الجرِّ جَرياً على طرِيق الجُمهور مِن أنَّه إذا عُطِفَ على الضَّميْر المجْرورِ أُعِيْدَ الخافِضُ وُجُوباً.
          قوله: (إذا قَالَ ذلِكَ) أي: وعلى عبادِ الله الصَّالحين.
          وهذه الجملةُ وهو / قولُه: (فَإنَّه إذا قَالَ ذلِكَ...) إلى آخرِه، مُعتَرِضةٌ بين قولِه: (الصَّالِحيْنَ) وقولِه: (أَشْهَدُ...) إلى آخِرِه.
          قوله: (ثُمَّ تَخيَّر) أي: المصلِّي.
          وفي نُسخةٍ: «يَتَخَيَّرْ»، أي: يَختارُ.
          قوله: (بَعْدُ) أي: بَعْدَ الشَّهادتَين والصَّلاة على النَّبيِّ صلعم.
          قوله: (مِنَ الكَلَامِ) أي: المُتعلِّق بالدُّعاءِ ومَأثُوره، أي: منقولُه أفضَلُ.
          وبحديثِ ابنِ مَسْعُودٍ هذا أخذَ أبو حَنيْفةَ وأحْمدُ.
          وأخذ إمامُنا الشَّافعيُّ بتشهُّد ابنِ عبَّاسٍ(6)، وهو:
          «التَّحيَّاتُ المبارَكَاتُ، الصَّلَواتُ الطَّيِّباتُ لله، سلَامٌ(7) عَلَيْكَ أيُّها النَّبيُّ ورَحْمةُ الله وبَرَكاتُه، سَلَامٌ(8) عَلَينا وعلى عِبادِ الله الصَّالِحين، أشْهدُ أنْ لا إله إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّداً رسولُ الله».
          وأخذَ مالِكٌ بتَشهُّد عُمر ╩، وهو(9): «التَّحيَّاتُ لله، الزَّاكِياتُ لله، الطَّيِّباتُ الصَّلَواتُ لله، السَّلامُ عليْكَ أيُّها النَّبيُّ ورحَمةُ الله وبَركاتُه، السَّلامُ علَيْنا وعلى عِبادِ الله الصَّالحين، أشهدُ أنْ لا إله إلَّا الله وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عَبْدُه ورَسولُه».
          وإنَّما خصَّ إبراهيمَ بذِكْره وآلِه في الصَّلاة لوجهَيْن:
          أحدهما: إنَّه قالَ لنبيِّنا ليلة المعْراج: «أَقْرِئ أُمَّتكَ مِنِّي السَّلَام»، دُون غَيْره منَ الأنبِياءِ، فأمَرَنا نبيُّنا أنْ نُصلِّي عليه وعلى آلِه مُجازاةً له على إحسانِه.
          الثَّاني: إنَّ إبراهيمَ لمَّا فَرَغَ مِن بِناءِ البَيْت، جَلَسَ مَع أهلِه فبكى وَدَعا، فقال: اللَّهمَّ مَن حجَّ هذا البَيْت منْ شُيُوخ أُمَّة محمَّدٍ صلعم فَهَبْهُ مِنِّي السَّلامَ.
          فقالَ أهلُ بَيْتِه: آمِيْن.
          ثمَّ قالَ إسحاقُ: اللَّهمَّ مَن حَجَّ هذا البَيْت منْ كُهُول أُمَّة محمَّدٍ صلعم فهَبْه منِّي السَّلامَ، فقالُوا: آمين.
          ثمَّ قالَ إسماعيلُ: اللَّهمَّ مَن حجَّ هذا البيْتِ مِن شبابِ أُمَّةِ محمَّدٍ صلعم فهَبْه منِّي السَّلامَ، فقالوا: آمين.
          ثمَّ قالتْ سارةُ: اللَّهمَّ مَن حَجَّ هذا البَيْت مِن نساءِ أُمَّةِ محمَّدٍ صلعم فهَبْه مِنِّي السَّلامَ، فقالُوا: آمين.
          ثم قالت هاجر: اللَّهمَّ مَنْ حجَّ هذا البيت مِن مَوالي أُمَّة محمَّدٍ صلعم من النِّساءِ والرِّجالِ فهَبْه منِّي السَّلامَ، فقالوا: آمين.
          فلمَّا سبقَ منهم ذلك أُمِرْنا بالصَّلاة عليهم مُجازاة لهم.
          وهذا الحدِيثُ ذَكَره البخاريُّ في باب: «السَّلامُ اسمٌ مِن أسْماءِ الله».


[1] كذا في الأصل و«م» وباقي النُّسخ، وفي المصادر: مُسْهرٍ.
[2] ابن أبي حاتم في تفسيره 13867 والبيهقي في الشعب 8449.
[3] في شرح المشكاة (سلماً).
[4] كذا في الأصل، وفي «م»: مسالماً.
[5] ينظر: «الكاشف عن حقائق السُّنن» لشرف الدِّيْن الطيبيِّ ░6/ 1774 – باز▒.
[6] مسلم 60/403.
[7] في مسلم (السلام).
[8] في مسلم (السلام).
[9] في المستدرك 979، البيهقي 2941.