حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق

          73- قوله: (عَنْ أَبي بُرْدَةَ) [خ¦1445].
          الذي في البُخاريِّ: «حَدَّثنا سَعيدُ بنُ أبي بُرْدَةَ، عَن أَبِيْه، عَنْ جَدِّهِ»، أيْ: جُدِّ سَعيدٍ، وجَدُّه هو أَبو مُوسى الأشْعريُّ، وهو صحابيٌّ كابْنِه أبي بُرْدَةَ.
          وعادةُ المصنِّف أنْ يذكُرَ الرَّاوي عَنِ النَّبيِّ صلعم فقطْ، فكانَ المناسِبُ أن يقولَ:
          عَن أبي مُوسى الأَشْعريِّ.
          أو يقول: عَن أبي بُرْدَةَ.
          وأَبو بُرْدَةَ كُنيتُه، واسمُه: عامِرٌ.
          قوله: (على كُلِّ مُسْلِمٍ) أيْ: على سبيل الاسْتحبابِ المتأكِّد، فلا حقَّ في المالِ سِوى الزَّكاة، إلَّا على سبِيل النَّدْبِ.
          قوله: (فَقَالُوا: يا رَسُوْل الله، فَمَنْ لَم يَجِدْ) كأنَّهم فهموا من لفظِ الصَّدقةِ العَطيَّةَ، فسألوا عمَّن ليس عِنْده شيءٌ، فبيَّن لهم أنَّ المرادَ بالصَّدقةِ ما هو أعمُّ مِن ذلك، ولو بإغاثة الملْهوفِ والأمرِ بالمعروفِ.
          وهل تلْحق هذه الصَّدقة بصدقةِ التَّطوُّع التي تحسب يوم القيامة منَ الفَرْضِ الذي أخلَّ به!؟
          فيْه نَظَرٌ، والذي يظْهر أنَّها غيرها لما بيّن في حديْث عائشةَ أنَّها شرعت بسبب عتق المفاصل حيثُ قالَ في آخرِ هذا الحديثِ(1): «فإنَّه يَمْشي يومئذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ».
          قوله: (يَعْمَلُ بِيَدِهِ) أي: بأنْ يكْتسب، (فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ)، أي: بالإنفاقِ عليها.
          وقوله: (فإنْ لم يَجِدْ) أي: العَمَل الذي يعمل فيه بيَدِه، بأن لم يجدْهُ أصلاً، أوْ كان عاجزاً.
          قوله: (المَلْهُوْفَ) بالنَّصْب صِفَةٌ ﻟ (ذا)، والمَلْهُوْفُ: المُستغيثُ، يُطْلق على المتحيّر والمُضْطَرِ وعلى المظْلومِ.
          قوله: (فَإنْ لَمْ يَجِدْ) أي: ما يُعيْن به غيرَه.
          قوله: (فَلْيَعْمَلْ بِالمَعْرُوْفِ) وفي رِوايةٍ: «فَلْيأْمُرْ بِالخيْرِ» [خ¦6022].
          وفي روايةٍ زيادة(2): «وَيَنْهى عَنِ المُنْكَرِ»، بعد الرِّواية الثَّانية.
          قوله: (وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ) أي: بأنْ لا يفعله.
          وفي / رِواية البُخاريِّ في الأدب [خ¦6022]: قالُوا: فإنْ لم يَفْعَلْ؟ قال: «فَلْيُمْسِكْ(3) عَنِ الشَّرِّ»، وكذا لمُسْلمٍ [55/1008] منْ طرِيقِ أبي أُسامةَ، عَن شُعْبةَ، وهو أصحُّ سِياقاً.
          قوله: (فَإنَّهَا) أي: تلْك الخصلة، وهو الأمْرُ بالمعروفِ والإمْساكُ عنِ الشَّرِّ.
          قالَ الزَّينُ ابنُ المنير: إنَّما يحصلُ ذلك للممسك عن الشَّرِّ إذا نوى بالإمْساك القُربةَ، بخلاف محض التَّرك.
          ثمَّ قال: وليس فيما تضمَّنه الخبرُ من قوله: (فإنْ لم يَجِدْ) ترتيبٌ، وإنَّما هو إيضاحٌ لما يفعله مَن عَجَزَ عن خصْلةٍ من الخصالِ المذْكُورة، فإنَّه يمكنه خصلة أُخرى، فمَن أمْكَنَه أنْ يعملَ بيدِه فيتصدَّق وأنْ يغيثَ الملْهوف وأنْ يأمُرَ بالمعروف ويَنْهى عنِ المُنكر ويُمسك عن الشَّرِّ؛ فلْيفْعَلِ الجميْع.
          والمقصودُ من الحديث: إنَّ أفعالَ الخير تنزل منزِلةَ الصَّدقات في الأجْر، ولاسِيَّما في حقِّ مَن لا يَقْدِرُ عليها.
          ويفهم مِنه: إنَّ الصَّدَقةَ في حقِّ القادِر عليها أفْضلُ من الأعمالِ القاصرةِ.
          ومحصَّل ما ذُكر في الحديث: إنَّه لابُدَّ من الشَّفقة على خَلْقِ الله، وهي إمَّا بالمال، أو غيره، والمال إمَّا حاصلٌ أو مُكْتَسَبٌ، وغير المال إمَّا فِعْلٌ وهي الإغاثةُ وإمَّا تَرْكٌ وهو الإمساكُ. انتهى.
          وهذا الحديثُ ذكَرَه البُخاريُّ في باب: على كُلِّ مُسلمٍ صَدَقَةٌ، فمَن لم يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بالمعروفِ.


[1] مسلم 54/1007.
[2] البيهقي 20702.
[3] كذا في الأصل، وفي «م»: ليمسك.