حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة

          246- قولُه: (إنَّ الغَادِرَ) [خ¦6178] أي: النَّاقضَ للعَهْدِ، الغَيْرَ المُوافِي بِه، كأربابِ المعاصِي والكُفَّارِ، فلكُلِّ صاحِبِ ذَنْبٍ منَ الذُّنُوبِ التي يُرِيدُ اللهُ إظْهارَها لَهُ(1) علامةٌ يُعْرَفُ بِها.
          وثبتَ لفظُ (إنَّ) لأَبِي ذَرٍّ.
          قولُه: (يُرْفَعُ) بضمِّ أوَّلِهِ.
          ولأبي ذَرٍّ، عَنِ الكُشْميهَنيِّ: «يُنْصَبُ»، وهُما بمعنًى واحدٍ؛ لأنَّ الغَرَضَ إظْهارُ ذلك.
          قولُه: (لِوَاءٌ) أي: عَلَمٌ يُعرف بِه الغادِرُ.
          والحِكْمةُ في نَصْبِ اللِّواءِ: إنَّ العُقوبةَ تقَعُ غالِباً بضِدِّ الذَّنْبِ، فلمَّا كان الغَدْرُ منَ الأُمُور الخفيَّة، ناسَبَ أن تكونَ عُقوبتُه بالشُّهْرة، ونَصْبُ اللِّواءِ أشْهَرُ الأشياءِ عِنْدَ العَرَبِ.
          فإنْ قلْتَ: إنَّ النَّاسَ مَشغُولونَ في الموقِف، فكيفَ يشتهر عِنْدهم بالفضيحة باللِّواءِ، وكيف تحصل لَه الهتيكة!؟
          أُجِيْبَ بأنَّ اشتغالَهم بأنفُسِهم إنَّما هو في بَعْضِ المواطِن، وفي بَعْضٍ آخَرَ يشتهرُ عِنْدهم كُلُّ ذِي عَيْبٍ.
          قال في «بَهْجة النُّفُوس»[4/174]: الغَدْرُ على عُمُومِه في الجليْل والحقِيْر، وفيه إنَّ لكُلِّ صاحبِ ذَنْبٍ من الذُّنوب التي يُريد إظهارها علامةٌ يُعرف بها صاحبُها، ويؤيِّدُهُ قولُه تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن:41].
          وظاهرُ الحديْثِ أنَّ لكُلِّ غَدْرَةٍ لِواءٌ، فعلى هذا يكون للشَّخْص الواحِد ألْويةٌ بعَدَدِ غَدَرَاتِه.
          قوله: (غَدْرَةُ) بفَتْح الغَينِ المُعجمة، وسكون الدَّالِ المُهملة.
          قوله: (فُلَانِ بنِ فُلَانٍ) أي: ويُسمِّيه باسمِه واسمِ أَبِيْه.
          قالَ ابنُ بَطَّالٍ(2): والدُّعاءُ بالآباءِ أشدُّ في التَّعْريف وأبلغُ في التَّمْييز، وفي هذا ردٌّ لقول مَن زعمَ أنَّهم لا يُدْعَوْنَ يوم القيامة إلَّا بأُمَّهاتِهم سِتْراً على آبائِهِم.
          قال الحافظُ(3): وهذا يقْتضي حَمْلَ الآباءِ على مَنْ كان يُنْسَب إليْه في الدُّنيا، لا على مَن هُو في نفسِ الأمْرِ، وهُو المعتمدُ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخارِيُّ في باب: ما يُدْعى النَّاسُ بآبائِهم.
          أي: دُعاء الدَّاعي النَّاسَ بأسماءِ آبائِهم يَوْم القيامةِ.


[1] كذا في الأصل، وسقطت من «م».
[2] شرح البخاري 9/335.
[3] الفتح 10/563.