حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات

          56- قوله: (لا يَغْدُو) [خ¦953] بالغينِ المعجَمة، أي: لا يخرج أوَّل النَّهارِ لصلاة العِيْدِ.
          قوله: (حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ) عُلم مِن ذلك نَسْخُ تحريمِ الفِطْرِ قبل صلاةِ العيْدِ، فإنَّه كان محرَّماً قبلها أوَّل الإسلام، وخُصَّ التَّمرُ لما في الحُلْوِ منْ تقوِيةِ النَّظَرِ الذي يُضْعِفُه الصَّوْمُ ويرق القَلْب.
          ومنْ ثمَّ؛ استَحبَ بعضُ التَّابعين الفِطْرَ على الحلْوِ مُطْلقاً كالعَسَلِ.
          رَواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ، عَن مُعاوِيةَ بنِ قرَّةٍ(1) وابنِ سِيْرينَ [5639] وغيرهِما.
          ورُوي فيه معنًى آخَر عنِ ابنِ عَوْنٍ أنَّه سُئل عن ذلك؟ فقال: «إنَّه يَحْبِسُ البَوْلَ»(2).
          هذا كلُّه في حَقِّ مَن يَقْدِر على ذلك؛ وإلَّا / فينبغي أنْ يفطرَ ولَو على الماءِ ليحصل لَه شَبَهٌ مَّا من الاتباع، والشُّرْب كالأكْل، فإنْ لم يفعلْ ذلك قبل خُروجِه استحبَّ له فِعْله في طرِيقِه أو في المصلَّى إنْ أمْكَنَه.
          ويُكره لَه تركُه كما نقَلَه في «شَرْح المُهذَّب»(3) عَن نَصِّ «الأُمِّ» [1/266].
          قال المُهلَّبُ(4): الحكْمةُ في الأكْل قَبْلَ الصَّلاة أَنْ لا يظنّ ظانٌّ لزوم الصَّوْم حتَّى يُصلِّي العيْد، فكأنَّه أرادَ سَدَّ هذه الذَّريعة.
          وقال غيرُهُ: لما وقعَ وُجوب الفِطْر عقبَ وُجوب الصَّوْم، استحبَّ تعْجيلُ الفِطْرِ مُبادَرةً إلى امْتثالِ أَمْرِ الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصارُه على القليلِ منْ ذلك، ولو كان لغَيْر الامتِثال لأكلَ قَدْرَ الشِّبْعِ.
          أشارَ إلى ذلك ابنُ أَبي جَمْرَةَ.
          قوله: (وَعَنْهُ) أي: عَن أَنسٍ.
          وقوله: (مِنْ طَرِيْقٍ ثانٍ) أي: سَنَدٍ آخَرَ.
          قوله: (وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْراً) قيل: ثلاثاً، أو خمْساً، أو سبْعاً، أو أقلَّ من ذلك، أو أكثرَ، وحكمةُ الأكْلِ (وِتْراً) الإشارةُ إلى الوحْدانيَّة، كما كان ╕ يفعلُه في جميع أُموْرِه تَبرُّكاً بذلك.
          وهذا الحديثُ ذكَرهُ البخاريُّ في باب: الأكْل يوم الفِطْر قبلَ الخرُوْجِ.


[1] لعله: معاوية بن سويد بن مقرن كما في ابن أبي شيبة 5631.
[2] ابن أبي شيبة 5635.
[3] المجموع 5/6.
[4] كما في الفتح 2/447.