حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إن وجدتم فلانًا وفلانًا فأحرقوهما بالنار

          150- قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ...) إلى آخرِه [خ¦3016].
          نصُّ الحديْث من أوَّلِه: عَن أَبي هُريرةَ أنَّه قال: بَعَثَنا رسولُ الله صلعم في بَعْثٍ فقال: «إنْ وَجَدْتُمْ فُلَاناً وَفُلَاناً فَأَحْرِقُوْهُمَا بِالنَّارِ».
          ثمَّ قالَ رسوْلُ الله صلعم حِين أَردْنا الخرُوجَ: «إنِّي أمَرْتُكُم أن تَحرِقُوا فُلاناً وفلَاناً بالنَّارِ، وإنَّ النَّارَ لا يُعذِّبُ بها إلَّا اللهُ، فإنْ وَجَدْتُموهُما فاقْتُلُوهُما».
          وقولُه: (في بَعْثٍ) كان أميرَه حَمْزةُ بنُ عَمْرٍو الأَسْلميُّ، كما عِنْد أبي داوُد بإسْنادٍ صحيحٍ [2673].
          وقولُه: (فَأَحْرِقُوْهُمَا) بقَطْع الهمْزة.
          وقوله: (حِيْنَ أَرَدْنا الخُرُوْجَ) أي: للسَّفَر وودَّعناه.
          وقوله: (تُحَرِّقُوا) بالتَّشديدِ.
          ورُويَ بالتَّخْفيف.
          قوله: (فُلَاناً وَفُلَاناً(1)) هُما: هَبَّارُ بنُ الأَسْوَدِ، ونافِعُ بنُ عُبيدِالله(2).
          قولُه: (إنَّ النَّارَ...) إلى آخرِه، هذا مَقولُ القَولِ.
          وقوله: (لا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللهُ) هو خَبرٌ بمعنى النَّهْي، وهو نسخٌ لأمْره السَّابق.
          وفي رِوايةِ ابنِ لَهيْعةَ: «وإنَّه لا يَنْبَغِي».
          ولابنِ إسحاقَ: «ثُمَّ رأيْتُ أنَّه لا يَنْبغي أنْ يُعذِّبَ بالنَّار إلَّا الله».
          قال البَيْضَاويُّ(3): إنَّما منعَ التَّعذيبَ بالنَّارِ؛ لأنَّه أشدُّ، ولذلك أوعدها الكُفَّار.
          وقال الطِّيْبيُّ(4): لعلَّ المنْعَ من التَّعذيب بها في الدُّنيا أنَّ اللهَ تعالى جعلَ النَّار فيها منافع النَّاس وارتفاقهم، فلا يصح منهم أن يستعمِلوها في الإضْرار، ولكن له تعالى أن يستعملَها فيه لأنَّه ربُّها ومالكُها يفعلُ ما يشاء من التَّعذيب بها، والمنع منه، وإليه أشار بقوله في الحديث الآخر: «رَبُّ النَّارِ»، وقد جمع اللهُ تعالى الاستعمالَين في قوله: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة:73] أي: تذْكيراً بِنارِ جهنَّم، لتكون حاضرةً للنَّاس، يذكرون ما أوعدوا به، وجعلنا بها أسباب المعاش كلّها. انتهى.
          وقدِ اختلف السَّلفُ في التَّحْريق:
          فكَرِهَه عُمر وابنُ عبَّاسٍ وغيرُهُما مطْلَقاً، سواءٌ كان بسبب كُفْرٍ أو قصاصٍ.
          وأجازَه عليٌّ وخالدُ بنُ الوليدِ.
          وقال المُهلَّبُ(5): ليس هذا النَّهْي على التَّحريم، بلْ على سبيل التَّواضع، وقد سَمَل ╕ أَعْيُنَ العُرَنِيِّينَ بالحديدِ المُحْمى، وحَرَّقَ أبو بكْرٍ اللَّائطَ بالنَّارِ بحضرة الصَّحابةِ قصاصًا(6).
          وتعقِّب بأنَّه لا حُجَّة فيه للجوازِ، فإنَّ قصَّة العُرنيِّين كانت قصاصاً أوْ منْسُوخةً، وتجويزُ الصَّحابيِّ مُعارَضٌ بمنعِ صحابيٍّ آخَرَ غيره.
          قوله: (فَإنْ وَجَدْتُمُوْهُمَا) بالواوِ والجيْم.
          وفي باب التَّودِيع: «فَإنْ أخذتموهُما» [خ¦2954].
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في باب: «لا يُعذَّبُ بِعَذابِ الله».


[1] قوله: «فلانا وفلانا» زيادة من «ف3»، وفي الأصل و«م» وباقي النُّسخ: فلان وفلان.
[2] قوله: «عبيد الله» زيادة من الأصل وغيرها، وفي «م» وغيرها: عبد الله. وفي كليهما تحريفٌ عندي.
[3] تحفة الأبرار 2/499.
[4] شرح المشكاة 8/2502.
[5] كما في القسطلاني 5/148.
[6] كذا في الأصل، وليست في «م».