حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب

          48- قوله: (في صَلَاتِي) [خ¦834] أي: في آخر صلَاتي، بَعْد التَّشهُّد الأخير وقبلَ السَّلام.
          قالَ الفاكِهانيُّ المالِكيُّ(1): الأَوْلى أنْ يدعوَ به في السُّجودِ(2) وقبلَ التَّشهُّد؛ لأنَّ قوله: (في صَلَاتِي) يعمُّ جميعَها.
          وتُعقِّبَ بأنَّه لا دليل لَه على دَعْوى الأولويَّة، بلِ الدَّليلُ الصَّريحُ عامٌّ في أنَّه بعْدَ التَّشهُّدِ قبل السَّلام.
          قوله: (ظَلَمْتُ نَفْسِي) أي: بارْتكابِ المعاصِي المُوجِبة للعُقوبة، وسقَطَ لأبي ذَرٍّ لفظُ (نَفْسِي)، وفيه أنَّ الإنسانَ لا يعرو عَن تقصيرٍ ولَو كان صِدِّيقاً.
          وقوله: (ظُلْماً كَثِيْراً) بالثَّاءِ المثلَّثة.
          ولأبي ذَرٍّ في نُسخةٍ: «كَبِيْراً» بالموحَّدة، والكَثرةُ ترجعُ للكَمِّ، أي: العدد، والكبرُ يرجع للكَيْف، أي: العِظَم.
          قوله: (وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ إلَّا أَنْتَ) إقرارٌ بالوحْدانيَّة واسْتجلَابٌ للمَغْفِرة، وهو كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ...} [آل عمران:135] الآيةَ، فأثنى على المُستغفرين، وفي ضمن ثَنائِه عليهم بالاستغفار لَوَّحَ(3) بالأمْرِ، كما قيل: إنَّ كلَّ شيءٍ أثنى اللهُ على فاعِلِه فهو آمِرٌ به، وكلَّ شيءٍ ذمَّ فاعِلَه فهُو نَاهٍ عنْهُ.
          وقوله: (مَغْفِرَةً) أي: عظيمةً، أي: لا يدرك كُنْهَهَا، فالتَّنوينُ للتَّعظيم.
          وقولُه: (مِنْ عِنْدِكَ) أي: تفضُّلاً منك عليَّ بها، لا تَسَبُّبَ لي فيها بعَمَلٍ ولا غيره.
          قوله: (إنَّكَ أَنْتَ الغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ)، (الغَفُوْرُ) مُقابلٌ لقولِه: (اغْفِرْ لي)، و(الرَّحِيْمُ) مقابلٌ لقولِه: (ارْحَمْنِي)، فَما أحسنها مِن مُقابلةٍ! /
          قال في «الكَواكِب»(4): وهذا الدُّعاءُ مِن الجوامِع؛ إذْ فيه الاعترافُ بغاية التَّقصيْر وهو كونه ظالماً ظلْماً كثيراً، وطلَبُ غاية الإنْعام التي هي المغفرة والرَّحمة.
          فالأوَّلُ: عِبارةٌ عنِ الزَّحْزَحَةِ عن النَّار، والثَّاني: إدْخالُ الجنَّة وهذا هو الفوز العظيم، اللَّهمَّ اجْعلنا منَ الفائزين بكرَمِك، يا أكْرم الأكْرَمِين.
          وفي هذا الحديث من الفوائدِ طلبُ التَّعليم مِن العالِم خُصوصاً في الدَّعواتِ المطلوب فيها جَوامع الكَلِم.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: الدُّعاءُ قَبْل السَّلام.


[1] رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام 2/523_524.
[2] كتب فوقها في «ز1»: أي: الأخير.
[3] كذا في الأصل، وفي «م»: التلويح.
[4] الكواكب الدراري 22/138.