حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إياكم والجلوس على الطرقات

          100- قولُه: (إيَّاكُمْ وَالجُلُوْسَ) [خ¦2465] منْصوبٌ على التَّحذيرِ، أي: باعِدُوا أنفُسكم منَ الجلُوس على الطُّرُقاتِ؛ لأنَّ الجالسَ بها لا يسلم غالباً من رُؤية ما يكْره، وسَماعِ ما لا يحلّ، إلى غير ذلك.
          وترجمَ البُخاريُّ بالصُّعُدَاتِ، ولفظُ المتْنِ: (الطُّرُقَاتِ)؛ ليُفيد تَساويهما في المعنى.
          نعم؛ وردَ بلفظِ «الصُّعُدَات» عِنْد ابنِ حِبَّانَ[596]، مِن حديث أبي هُريرةَ.
          قوله: (فَقَالُوا) القائلُ هُو أبو طَلْحةَ.
          قوله: (مَا لَنَا بُدٌّ) أي: غنًى عنها.
          قوله: (إنَّما هيَ) أي: الطُّرُقَات.
          ولأبي ذَرٍّ: «إنَّما هُو».
          قوله: (مَجالِسُنَا) أي: مَواضعُ جُلُوسِنا.
          قوله (نَتَحَدَّثُ فِيْهَا).
          وللحَمُّوْيِيِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «فِيْهِ»، بالتَّذْكير.
          قوله (قَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم.
          قوله: (فَإذا أَبَيْتُمْ) مأْخوذٌ منَ الإباءِ، وهو الامْتِناعُ، فالمعنى: فإذا امْتَنَعْتُم مِّن كلِّ شيءٍ إلَّا الجلُوس، فعبَّر عن الجلُوْس بالمجالِسِ.
          وللحَمُّوييِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «فإذا أَتَيْتُم»، مِن الإتْيانِ إلى المجالِس وهو المجيْءُ.
          قوله: (فَأَعْطُوْا) بقَطْع الهمْزةِ.
          وقوله: (قَالُوا) أي: للنَّبيِّ صلعم.
          قوله: (غَضُّ البَصَرِ) أي: عنِ المحرَّم.
          قوله: (وَكَفُّ الأَذَى) أي: عنِ النَّاس، فلا يحقرهم ولا يَغْتابهم، إلى غيرِ ذلك.
          قوله: (وَرَدُّ السَّلَامِ) أي: على مَن يُسلِّم من المارَّة.
          وقوله: (وَأَمْرٌ بالمَعْرُوْفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ) أي: ونحوهما ممَّا ندبَ إليه الشَّارعُ منَ المحسناتِ، ونهى عنه من المقبحات.
          وزادَ أبو داوُدَ(1): «إرْشَادُ السَّبِيْلِ، وتَشْمِيْتُ العاطِسِ».
          وللطَّبَريِّ من حديثِ عُمَرَ: «إغاثَةُ الملْهُوْفِ»(2).
          وقد جمعَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ الآدابَ التي تُطْلب من الجالِس في الطُّرقات بقولِه:
جَمَعْتُ آدابَ مَنْ رامَ الجُلُوسَ على الـ                     ـطَّرِيق مِنْ قَوْلِ خَيْرِ النَّاسِ إنْسانَا
أَفْشِ السَّلامَ وأحْسِنْ في الكـلام وَشَمِّـ                     ـتْ عاطِساً وسلاماً رُدَّ إحْسانَا
في الحمْلِ عاوِنْ ومَظْلوماً أَعِنْ وأَغِثْ                     لَهْفَانَ ارْشِدْ سَبِيْلاً واهْدِ حَيْرانَا
بالعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عنْ نُكْرٍ وكُفَّ أذًى                     وغُضَّ طَرْفاً وأكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا
          فجميعُ ما ذكَره أربع عشرة خصلةً، تُؤخذ منَ الأحاديث.
          وقد تبيَّن مِن سياقِ الحديْث، أنَّ النَّهيَ للتَّنْزِيه كَيْ لا يضعف الجالس عن أداءِ هذه الحقوقِ المذكورةِ.
          وفيه حُجَّةٌ لمن يقول: إنَّ سَدَّ الذَّرائع بطرِيق الأَولى لا على الحتم؛ لأنَّه نهى أوَّلاً عنِ الجلوس حَسْماً للمادَّة، فلمَّا قالوا: (مَا لَنَا) مِنْها (بُدٌّ) ذَكَر لهم المقاصدَ الأصليَّة للمَنْعِ، فعُرف أنَّ النَّهيَ الأوَّلَ / للإرشادِ إلى الأصْلحِ.
          ويُؤخذ منه، أنَّ دفعَ المفْسدةِ أَولى من جلْبِ المصلحة، لندبِه أوَّلاً إلى ترْكِ الجلُوسِ مَع ما فيه من الأجْرِ لمن عَمَلَ بحقِّ الطَّريق.
          وهذا الحديثُ ذَكَرهُ البُخاريُّ في باب: أَفْنية الدُّوْر.


[1] 4816 فقط: إرشاد السبيل.
[2] وهي في أبي داود 4817.