حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: أن رسول الله كان يصلي قبل الظهر ركعتين

          54- قوله: (في بَيْتِهِ) [خ¦937] راجِعٌ للجَميْع لا لقولِه (بَعْدَ المَغْرِبِ) فقطْ، خلافاً لأَبي حَنيفةَ.
          قولُه: (حَتَّى يَنْصَرِفَ) أي: منَ المسْجِد إلى البيتِ، وفيه أنَّ صلاةَ النَّافلةِ في البيت أَوْلى.
          قوله: (فَيُصَلِّي) أي: في البيتِ رَكْعتَين سُنَّة الجمُعةِ البَعْديَّة؛ لأنَّه لو صلَّاهُما في المسجِد لرُبَّما تُوهِّم أنَّهما اللَّتان حُذفتَا من الجمُعةِ.
          ولفظُ (فَيَصُلِّي) بالرَّفْع لا بالنَّصب؛ قالَه البِرْماويُّ(1).
          ووَجْه ذلك، أنَّه لو كان منْصوباً لكانَ معْطوفاً على مدخولِ (حَتَّى) وهُو (يَنْصَرِفَ)، فيكون مِن مدخول الغاية، ودُخولُه في الغاية لا معنى لَه؛ لأنَّه يقتضي أنَّ المعنى: لا يُصلِّي حتَّى ينْصَرِفَ وحتَّى يُصلِّي ركعتَين، فتكون صلاتُه بعدَ الانْصرافِ وبعْدَ صلاةِ ركعتَين، وهذا خلافُ المراد؛ لأنَّ المرادَ أنَّه يُصلِّي ركعتَين في البيتِ بعدَ انْصرافِه من الجمعة.
          ولم يذْكُر شيئاً في الصَّلاة قبلها، والظَّاهرُ أنَّه قاسَها على الظُّهْرِ.
          وأقوى ما يُستدلُّ به في مَشروعيَّتِها / عُمومُ ما صَحَّحَه ابنُ حِبَّانَ [2455، 2488] منْ حديْث عَبْدِ الله بنِ الزُّبيْر مَرفوعاً: «ما مِنْ صلاةٍ مَفْرُوضةٍ إلَّا وبيْنَ يَدَيْها رَكْعتانِ».
          وأمَّا احتجاجُ النَّوويِّ في «الخلاصة»(2) على إثْباتها بما في بعض حديثِ البابِ عِنْد أبي داوُدَ [1128] وابنِ حِبَّانَ [2476]، منْ طرِيق أَيُّوبَ، عَنْ نافعٍ قال:
          كانَ ابنُ عُمَرَ يطيلُ الصَّلاةَ قبل الجُمُعة، ويُصلِّي بعدها ركعتَين في بَيْتِهِ، ويُحدِّث أنَّ رسوْلَ الله صلعم كان يفعل ذلك.
          فتُعقِّبَ بأنَّ قوله: «كانَ يَفْعَلُ ذلك» عائدٌ على قولِه: «ويُصلِّي بعد الجمُعةِ ركعتَين في بَيْتِه»، ويدلُّ له رِوايةُ اللَّيْثِ، عنْ نافعٍ، عَن عبدِ الله: أنَّه كان إذا صلَّى الجمُعةَ انْصَرَفَ فسجدَ سجْدَتَين، ثمَّ قال: «كانَ رسولُ الله صلعم يصنعُ ذلك».
          رواهُ مسلِمٌ [70/882].
          وأمَّا قوله: «كان يُطيلُ الصَّلاةَ قبْلَ الجمُعةِ»، فإنْ كان المرادُ بعد دُخولِ الوَقْتِ فلا يصح أنْ يكونَ مَرفوعاً؛ لأنَّه صلعم كان يخرجُ إذا زالَتِ الشَّمْسُ، فيشتغل بالخطبة، ثمَّ بصلاةِ الجمُعَةِ.
          وإنْ كان المرادُ قبلَ دُخولِ الوَقْتِ، فذاك مُطْلقُ نافِلَةٍ لا صلاة الرَّاتبةِ، فلا حُجَّة فيه لسُنَّة الجمعةِ التي قبلها، بلْ هو تَنَفُّلٌ مُطْلَقٌ؛ قالَه في «الفَتْحِ».
          وينبغي أنْ يفصلَ بين الصَّلاةِ التي بعد الجمعةِ وبينها، ولو بنحْوِ كلامٍ أو تحوُّلٍ؛ لأنَّ مُعاوِيةَ أنكَرَ على مَنْ صلَّى سُنَّةَ الجمعةِ في مقامِها، وقالَ له:
          إذا صلَّيتَ الجمُعةَ فلا تَصِلها بصلاةٍ حتَّى تخرجَ أو تَتكلَّم؛ فإنَّ رسوْلَ الله صلعم أمَرَنا بذلك، أنْ لا نوصل صلاةً بصلاةٍ حتَّى نَخْرج أوْ نَتكلَّم.
          رواهُ مُسْلِمٌ [73/883].
          وقالَ أَبو يُوسفَ: يُصلِّي بَعْدها سِتّاً. وقالَ أَبو حَنيفَةَ ومحمَّدٌ: أرْبعاً كالتي قَبْلها.
          لَهُ: أنَّه ╕ كان يُصلِّي بعْدَ الجمعةِ أرْبعاً، ثمَّ يُصلِّي ركعتَين إذا أرادَ الانْصرافَ، ولَهما: قولُه ╕:
          «مَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الجمعةَ فلْيُصلِّ أرْبعاً قبْلَها وبَعْدها أرْبعاً».
          رواه الطَّبرانيُّ في «الأوْسَطِ»[1617]، وفيه محمَّدُ بنُ عبد الرَّحمن السَّهْميُّ وهو ضعيفٌ عِنْد البُخاريِّ / وغيرِه.
          وقال المالكيَّة: لا يُصلِّي بعْدَها في المسْجدِ؛ لأنَّه صلعم كان ينصرفُ بعْدَ الجُمُعةِ ولم يركَعْ في المسجِدِ.
          وهذا الحديثُ ذَكَرهُ البُخاريُّ في باب: الصَّلاة بَعْد الجمعةِ وقَبْلها.


[1] اللامع الصبيح 4/316.
[2] خلاصة الأحكام 2871.