حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم...

          239- قوله: (تَرَى) [خ¦6011] خِطابٌ للنُّعمان بنِ بَشِيْرٍ.
          قولُه: (في تَرَاحُمِهِمْ) / أي: رَحْمةِ بعضِهم لبعْضٍ بأُخُوَّة الإسلامِ لا بسَبَبٍ آخَر.
          قوْله: (وَتَوَادِّهِمْ) بتشديدِ الدَّال، وأصلُه تَوَادُدِهِمْ بِدَالَيْن، فأُدغمتِ الأُولى في الثَّانية، أي: تواصُلِهم الجالِب للمَحبَّة، كالتَّزاوُرِ والتَّهادِي.
          قَوله: (وَتَعَاطُفِهِمْ) أي: عَطْفُ بعضِهم على بَعْضٍ، أي: تقْوِيةِ بعضِهم لبَعْضٍ وإعَانَتِه.
          قال ابنُ أبي جَمْرةَ(1): إنَّ الذي يظهر أنَّ التَّوادُدَ والتَّراحُمَ والتَّعاطُفَ وإنْ كانت مُتقاربةً في المعنى لكن بينهما فَرْقٌ لَطيْفٌ:
          فأمَّا التَّراحُمُ، فالمرادُ به التَّواصُلُ الجالِبُ للمَحبَّة، كالتَّزاوُرِ والتَّهادي.
          وأمَّا التَّعاطُفُ، فالمرادُ به إعانةُ بعضِهم لبعضٍ، كما يُعْطَفُ طرفُ الثَّوْب عليه ليُقويه.
          قوله: (كَمَثَلِ الجَسَدِ) أي: بالنِّسْبة إلى جميع أعْضائه، ووَجْهُ التَّشبِيه فيه التَّوافُقُ في التَّعب والرَّاحة.
          و(مَثَلِ) بفَتْحتَين.
          قوله: (إذا اشْتَكَى عُضْوٌ) أي: من الجسَدِ.
          وقوله: (تَدَاعَى لَهُ) أي: لذلك العُضْو، أي: دَعا بعضُ الجسدِ بَعْضاً إلى مُشاركة ذلك العُضْو في الألَم، ومنْه قولُهم: تَدَاعَتِ الحيطانُ، أي: دَعا بَعْضُها بَعْضاً إلى المشارَكَة في السُّقوطِ.
          قوله: (سَائِرُ جَسَدِهِ) أي: باقيه.
          وقوله: (بِالسَّهَرِ) أي: لأنَّ الألَم يَمْنع النَّوْمَ.
          وقولُه: (وَالحُمَّى) أي: لأنَّ فقْدَ النَّوْمِ يُثيرُها، فهو من عطْفِ المُسبَّبِ على السَّبَبِ.
          وقد عرَّفَ أهْلُ الحِذْقِ الحمَّى: بأنَّها حَرارةٌ غريزيَّةٌ تشتعلُ في القَلْب، فتنتشر منْه في جميع البَدَن، فتشتعلُ اشتعالاً يضُرُّ بالأفعالِ الطَّبِيعيَّة.
          قالَ القاضي عِياضٌ(2): تَشْبِيهُه المؤمنين بالجسدِ الواحدِ تَمثيلٌ صحيحٌ، وفيه تقريبٌ للفَهْم أو إظْهارٌ للمعاني في الصُّورة المرئيَّةِ، وفيه تعظيمُ حُقوقِ المسلمين والحَضُّ على تَعاوُنِهِم ومُلاطَفةِ بعضِهم بَعْضاً.
          وقال ابنُ أبي جَمْرةَ(3): شبَّهَ صلعم الإيمانَ بالجسدِ وأهْلَه بالأعضاءِ؛ لأنَّ الإيمانَ أصلٌ وفروعُه التَّكاليفُ، فإذا أخلَّ المرْءُ بشيءٍ من التَّكاليفِ شانَ ذلك الإخلالُ الأَصْلَ، وكذلك الجسدُ أصلٌ كالشَّجرة إذا ضُرِبَ غُصْنٌ من أغْصانها اهْتزَّتِ الأغصانُ كُلُّها بالتَّحرُّك والاضْطِرابِ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في الباب السَّابِق(4).


[1] كما في الفتح 10/439.
[2] إكمال المعلم 8/57.
[3] كما في الفتح 10/439_440.
[4] لعله وهم؛ فهذا باب مختلف عن الباب السابق [باب رحمة الناس والبهائم].