حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه

          106- قولُه: (إذا أَتى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ) [خ¦2557] بنَصْب (أَحَدَ) على أنَّه مفعولٌ مقدَّمٌ، و(خَادِمُهُ) بالرَّفْع فاعلٌ مؤخَّرٌ، ولا فَرْق في الخادِم بين أنْ يكون عَبْداً أو حُرّاً، ذَكَراً أَمْ أُنثى.
          قوله: (فَإنْ لم يُجْلِسْهُ مَعَهُ) هذا معطوفٌ على مُقدَّر، تقديرُه: فلْيُجلسْه معَه.
          وفي رِوايةٍ لمسلمٍ[42/1663]: (فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيأْكُلْ).
          وعِنْد أحمدَ والتِّرْمذيِّ(1) [م 10271، ت 1853] مِن رِواية معين(2) بنِ أبي خالدٍ، عَن أَبِيه، عَن أَبي هُريرةَ: «فَلْيَدْعُهُ فَلْيَأْكُلْ مَعَهُ».
          واختلفَ في حُكْم الأمْرِ بالإجْلاسِ معَه:
          فقال إمامُنا الشَّافعيُّ: إنَّه أفضلُ، فإنْ لم يفعل فليس بواجبٍ، أو يكون بالخيار بين أن يُجلسه أو يُناوِله، وقد يكون أمره اخْتياراً غير حتمٍ.
          ورجَّحَ الرَّافِعيُّ(3) الاحْتمالَ الأخير، وحملَ الأوَّلَ على الوجوب، ومعناه: إنَّ الإجلاسَ لا يتعيَّن، لكن إنْ فعَلَه كان أفضلُ، وإلَّا تعيَّنت المُناولَة.
          ويَحتملُ أنَّ الواجبَ أحدُهما لا بعَيْنه.
          والثَّاني: إنَّ الأمْرَ للنَّدْبِ مُطْلقاً.
          قوله: (فَلْيُنَاوِلْهُ) أي: من الطَّعام.
          قولُه: (أَوْ لُقْمَتَيْنِ) شكٌّ من الرَّاوي.
          ورَواهُ التِّرْمذيُّ[1853] بلفظِ: «لُقْمَةً»، فقطْ.
          وفي رِواية مُسلمٍ[42/1663] تقييدُ ذلك بما إذا كانَ الطَّعامُ قليلاً، فإنْ كانَ كثِيراً زادَ لهُ، وفي الحديثِ(4): «مَنْ أكَلَ وَذُو عَيْنَيْن يَنْظُرُ إليْه، ابْتلاهُ اللهُ بِدَاءٍ لا دَوَاءَ لَهُ».
          قوله: (أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ) بضمِّ الهمْزة فيهما، يَعْني: لُقْمةً أو لُقْمتَين.
          فإنْ قُلْتَ: ما هذا العَطْف!؟
          قلتُ: لعلَّ الرَّاوي شَكَّ، هلْ قالَ ╕ «فَلْيُناوِلْهُ لُقْمةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ(5)»، أوْ قال: «فَلْيُناوِلْه أُكْلةً أو أُكْلتَين»، فجمَعَ بينَهما، وأَتى بحرفِ الشَّكِّ ليُؤدِّي المَقالةَ كما سَمِعَها.
          ويحْتملُ أنْ يكُونَ مِن عَطْف أَحَدِ المُترادِفَيْن على الآخرِ بكلمةِ (أَوْ)، وقد صرَّحَ بعضُهم بجَوازِه.
          فالحاصلُ: إنَّ الشَّكَّ في أرْبعة ألْفاظٍ، ﻓ (أَوْ) في المواضع كُلِّها للشَّكِّ.
          قوله: (فَإنَّهُ) أي: الخادِم.
          وقوله: (وَلِيَ عِلَاجَهُ) أي: تولَّى علاجَ الطَّعامِ، بأن حصل آلَاته وتحمَّل مشقَّة حَرِّه ودُخانه عِنْد الطَّبخ، وتعلَّقت به نفسُه وشمَّ رائحتَه.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: إذا أتاهُ خادِمُه بطَعامِه.


[1] ولفظ الترمذي: «فليأخذ بيده فليقعده معه فإن أبى فليأخذ لقمة فليطعمه إياها».
[2] كذا في «ت» و«ز2» و«ز3» و«ز4» و«ز5» و«م»! وفي الأصل و«ف3» و«ز6»: معبد. وكل ذلك غلط عندي، والصَّواب: إسماعيل. نعم هو كذلك في الترمذي وليس في سند أحمد من اسمه إسماعيل.
[3] الروضة 9/117.
[4] في ربيع الأبرار ونصوص الأخيار للزمخشري 3/210.
[5] قوله: «فإن قلت: ما هذا... أو لقمتين» زيادة من الأصل و«ز4» و«ز5» و«ز6»، وسقطت من «م».