حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: كان النبي يكره أن يأتي الرجل أهله طروقًا

          206- قوله: (طُرُوْقاً) [خ¦5243] بِضمِّ الطَّاءِ، أي: إتْياناً في اللَّيل مِن سَفَرٍ أوْ غَيْره على غَفْلَةٍ، ويقالُ لكُلِّ آتٍ باللَّيل طارِقٌ، ولا يُقال في النَّهارِ إلَّا مُجازاً.
          وقالَ بعْضُ أهْل اللُّغة: أصلُ الطُّرُوقِ الدَّفْعُ والضَّرْبُ؛ وبذلك سمِّيت الطَّريق؛ لأنَّ المارَّةَ تضربُها بأرجُلِها، وسمِّي الآتي باللَّيل طارِقاً؛ لأنَّه مُحتاجٌ غالباً إلى دَقِّ البابِ وضَرْبِه.
          وقيل: أصلُ الطُّرُوقِ السُّكُونُ، ومنْه: أَطْرَقَ رأْسَه، فلمَّا كانَ اللَّيلُ يُسكنُ فيه سُمِّي الآتِي فيْه طارِقاً.
          وعلَّةُ كراهةِ النَّبيِّ صلعم الطُّرُوق، أنَّه ربَّما يَجِدُ الشَّخْصُ أهْلَه على غَيْر أُهْبةٍ من التَّنظُّف والتَّزيُّن المطْلوب منَ المرأة، فيكون ذلك سبباً للنَّفْرة بينَهُما.
          ومحلُّ الكراهةِ إذا كان الطُّروقُ بعد طُولِ الغَيْبة؛ لأنَّ العلَّة لا تُوجد إلَّا حينئذٍ، فالحكمُ يدورُ مَع عِلَّتِه وُجوداً وَعَدَماً.
          فلمَّا كان الذي يخرجُ لحاجتِه _مثَلاً_ نهاراً ويرجع ليْلاً لا يتأتى له ما يحذره من أن يطيل الغَيْبة لم يكره له الطُّرُوق.
          ويدل لذلك ما وردَ مِن طرِيق عاصِمٍ، عنِ الشَّعْبيِّ، عن جابرٍ: «إذا أطالَ أَحدُكُم الغَيْبةَ فلا يَطْرُقْ أَهْلَهُ ليْلاً» [خ¦5244].
          ويؤخذُ من العِلَّة السَّابقةِ كراهةُ مباشَرة المرأةِ في الحالة التي تكون فيها غير متنظّفة؛ لئلَّا يطَّلع منها على ما يكون سبباً لنَفْرته منها، فلو أعلمَ أهْلَه بوُصولِه وأنَّه يقدُم في وَقْت كذا لا يتناوله هذا النَّهْيُ.
          وقد صرَّح بذلك ابنُ خُزيْمةَ في «صحيحه»(1)، ثمَّ ساقَ من حديث ابن عُمر قال: قَدِمَ النَّبيُّ صلعم من غَزْوةٍ فقال: «لا تَطْرُقُوا النِّساءَ»، وأَرْسلَ مَن يُوْذِنُ النَّاس أنَّهم قادِمُونَ.
          وفي الحديْث الحثُّ على التَّوادُد والتَّحاب، خُصوصاً بين الزَّوْجَين؛ لأنَّ الشَّارع راعى ذلك بينهما، مَع اطِّلاعِ كُلٍّ منهُما على ما جَرَتِ العادةُ بستره، حتَّى إنَّ كُلَّ واحدٍ منهُما لا يَخفى عنْه مِن عُيوبِ الآخرِ شيءٌ في الغالب، ومعَ ذلك فنَهى عنِ الطُّروْقِ ليْلاً لئلَّا يطَّلِع على ما يُنفِّر نفسَه.
          ويؤخذُ منه أنَّ الاستحدادَ ونحوَه ممَّا تتزيَّن به المرأةُ ليس داخلاً في النَّهْي عن تغْيير الخِلْقةِ.
          وهذا الحدِيث ذكرهُ البخاريُّ في باب: لا يطرق أهله ليْلاً.


[1] لم أجده فيما بين أيدينا من صحيح خزيمة وذكره ابن حجر في الفتح 9/340 وعزاه له.