حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة

          84- قوله: (يَنْزِلُ الدَّجَّالُ) [خ¦1882] وفي نسخةٍ: «يَأْتِي الدَّجَّالُ».
          وهي جُملةٌ مُستأنفةٌ واقعةٌ في جوابِ سُؤالٍ مقدَّرٍ، تقديرُه: إذا كان الدُّخولُ على الدَّجَّال حَراماً، فكيف يفعل؟!
          قال: (يَنْزِلُ...) إلى آخرِه.
          وممَّا يدلُّ لذلك ما في «البُخاريِّ» [خ¦1882]، ولفظُه: إنَّ أبا سعيدٍ قال: حدَّثَنا رسولُ الله صلعم حدِيثاً طَوِيلاً عن الدَّجَّالِ، فكان فيما حدَّثَنا بِه أنْ قال:
          «يَأْتي الدَّجَّالُ، وهو مُحرَّمٌ علَيْه أنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المدِيْنةَ، يَنْزِلُ...» إلى آخرِه.
          والنِّقَابُ جَمْعُ نَقْبٍ، وهو عبارةٌ عنِ البابِ أوِ الطَّريْقِ.
          قوله: (السِّبَاخِ) بكسْر السِّين، جمْعُ سَبِخَةٍ، وهي الأرضُ تَعْلُوها المُلُوْحةُ، فلا تكاد تُنبِتُ شيئاً، والمعنى: إنَّه ينزِلُ خارجَ المديْنةِ على سَبِخةٍ مِن سِبَاخِهَا.
          قوله: (فَيَخْرُجُ إلَيْهِ) أي: إلى الدَّجَّالِ.
          وقوله: (يَوْمَئِذٍ) أي: يوم إتْيانه.
          قوله: (رَجُلٌ) ذَكَر إبراهيمُ بنُ سَفْيانَ الرَّاوي عَن مُسلمٍ كما في «صحيحِه»[112/2938]: أنَّه يقالُ: إنَّه الخَضِرُ.
          وكذا حكاهُ مَعْمَرٌ في «جامعِه» [1445]؛ وهذا إنَّما يَتِمُّ على القَوْلِ بِبقَاءِ الخضِرِ كما لا يَخْفى.
          قوله: (أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ) شكٌّ من الرَّاوي.
          وقوله: (فَيَقُوْلُ) أي: الرَّجُلُ.
          قوله: (حَدِيْثَهُ) أي: حدِيثَ النَّبيِّ صلعم المتعلِّق بالدَّجَّال.
          قولُه: (فَيَقُوْلُ الدَّجَّالُ) أي: لمنْ مَعَهُ مِنْ أوْليائه.
          وقوله: (أَرَأَيْتَ) بفَتْح التَّاءِ الفَوقيَّة، بمعنى: أخْبِرني، وهو خطابٌ لواحدٍ من اليَهُودِ، وفي رِوايةٍ: «أَرَأَيْتُمْ»، أي: أخْبِرُوني، خِطابٌ لليهوْدِ.
          وقولُه: (هذا) أي: الرَّجُل، وهو الخضِرُ.
          قوله: (تَشُكُّوْنَ) أي: يا(1) مَعْشر اليهودِ.
          وقوْله: (في الأَمْرِ) أيْ: أمْري، من ادِّعاءِ الأُلوهيَّة.
          قوله: (فَيَقُوْلُوْنَ: لا) أي: فيقولُ اليهودُ ومَن يُصدِّقه من أهل الشَّقاوة: لا نشكُّ في الأمْر.
          أو يقولُ النَّاسُ مطْلَقاً منْ يهودٍ ومُسلمينَ، خَوْفاً منْه لا تصْدِيقاً لَه.
          قوله: (فَيَقْتُلُهُ) أي: فيقتلُ الدَّجَّالُ الرَّجُلَ.
          وقوله: (ثُمَّ يُحْيِيْهِ) أي: بقُدْرة الله تعالى وإرادتِه.
          وفي «مسلم» [113/2938]: «فيأْمُرُ الدَّجَّالُ بِه فيُشبَّحُ، فيقُولُ: خُذُوْهُ، فيُوْسَعُ(2) ظَهْرُه وبَطْنُه ضَرْباً فيقُوْل: أَوَمَا تُؤمِنُ بِي؟ قال: أنتَ المسيْحُ الكَذَّابُ.
          فيُنشر بالمِنْشارِ مِن فَرْقِهِ(3) حتَّى يُفرَّقَ بين رِجْلَيْهِ، قال: ثمَّ يمْشي الدَّجَّالُ بين القِطْعتَين، ثمَّ يقولُ لَه: قُمْ! فيَسْتَوي قائماً».
          قوله: (فَيَقُوْلُ) أي: الرَّجُلُ المقتولُ، وهو الخضِرُ.
          وقوله: (حِيْنَ يُحْيِيْهِ) أي: بعْدَ / أن يُحْييه.
          قوله: (والله مَا كُنْتُ قَطُّ) وفي نسخةٍ حذف «قَطُّ».
          وقوله: (أَشَدَّ بَصِيْرَةً مِنِّي اليَوْمَ) وفي بعضِ النُّسَخِ: «أَشَدَّ مِنِّي بَصِيْرةً اليَوْمَ».
          فالخضِرُ أوَّلاً كان شديدَ البَصِيْرة به، وبعدَ إماتتِه وإحيائِه صار أشدَّ بصيرةً منْ نفْسِه أوَّلاً، فالمفضل والمفضل عليه كلاهُما هو نفس المتكلِّم.
          وإنَّما كان أشدَّ بصيرةً الآن؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم أخبرَ بأنَّ علامةَ الدَّجَّالِ أنَّه يُحيي المقْتولَ، فزادتْ بصيرتُه بحُصولِ تلْك العلامة بالمُشاهَدةِ.
          قوله: (فَيَقُوْلُ الدَّجَّالُ) أي: لليهودِ.
          وقوله: (أَقْتُلُهُ) هو على حذْفِ همزة الاسْتفهامِ، وهو استفهامٌ حقيقيٌّ على رِوايةٍ (فلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ) أي: أَأَقْتُلُه.
          وفي رِوايةٍ: «فَلَا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ»، فيكونُ الاستفهامُ إنْكارِيّاً بمعنى النَّفي، فالمعنى: فلا أقتلُه؛ لأنِّي لم أُسلَّطْ عليه، أي: على قَتْلِه؛ لأنَّ اللهَ يعجزه بعد ذلك فلا يقْدِر على قَتْل ذلك الرَّجُلِ ولا غيره، وحينئذٍ يبطلُ أمْرُه.
          وفي «مسلم»[113-2938]: «ثُمَّ يقُولُ _أي: الرَّجُلُ_: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّه لا يَفْعَلُ بَعْدِي بأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.
          قال: فَيأْخُذُه الدَّجَّالُ حتَّى يَذْبَحَه، فيُجْعَلَ ما بيْنَ رَقَبَتِه إلى تَرْقُوْتِه نُحَاساً، فلا يَسْتطيعُ إليه سَبِيلاً، قال: فَيأْخُذُ بيَدَيْه ورِجْلَيْه فَيقْذِفُ بِه، فيَحْسِبُ النَّاسُ أنَّه قَذَفَه في النَّارِ، وإنَّما أُلْقيَ في الجنَّة».
          فقالَ رسُولُ الله صلعم: «هذا أعظمُ النَّاسِ شهادةً عِنْدَ رَبِّ العالَمين».
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في باب: لا يدخل الدَّجَّالُ المَديْنةَ.


[1] كذا في الأصل، وسقطت من «م».
[2] كذا في الأصل، وفي «م»: فيوجع.
[3] كذا في الأصل، وفي «صحيح مسلم»: «مَفْرِقِه».