حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف...

          257- قوله: (عَنْ عَبْدِ الله) [خ¦6308] هُو ابنُ مَسْعُودٍ؛ لأنَّه المرادُ عِنْد الإطْلاقِ.
          قوله: (يَرَى ذُنُوْبَهُ) مفعولُ (يَرَى) الأوَّلِ (ذُنُوْبَهُ)، ومفعولُه الثَّاني محذُوفٌ، والتَّقدير: كالجِبال، بدَليلِ قولِه في الشّقِّ الآخَر: (كَذُبَابٍ).
          وأمَّا قَوْلُه: (كَأَنَّهُ قَاعِدٌ...) إلى آخرِه.
          فليسَ هُو المفعولُ الثَّاني؛ لأنَّه لا يصلح أنْ يكون خَبَراً للمَفْعولِ الأوَّل قَبْل دُخول (يَرَى) علَيْه.
          قَوله: (يَخَافُ) أي: لقوَّة إيمانِه(1)، فلا يأمَن العُقوبةَ.
          فالمؤمنُ دائمُ الخوْفِ والمُراقَبة، فيستصغر عملَه الصَّالحَ، ويخافُ مِن صغيرِ عَمَلِه، أي: عمله الصَّغيْر، أي: المعصية الصَّغيْرة.
          قوله: (كَذُبَابٍ) هو الطَّيْرُ المَعْروفُ.
          وإنَّما خصَّ بالذِّكْر؛ لأنَّه أخفُّ الطَّيْر وأحقرُهُ؛ ولأنَّه يُدْفَعُ بالأقلّ.
          وخصَّ الأنف للمُبالغة في اعتقادِه خفَّة الذَّنْبِ عِنْده؛ لأنَّ الذُّبابَ قلَّما ينزل على الأنف، وإنَّما يقصد غالباً العَينَ.
          وإنَّما خصَّ اليَدَ بالذِّكْر تأكيداً لخفَّة الذَّنْبِ.
          قوله: (مَرَّ على أَنْفِهِ) أي: فلا يُبالي به.
          قوله: (فَقَالَ بِهِ) أي: ففعل بالذُّباب، فَفيه إطْلاقُ القَوْلِ على الفِعْلِ.
          قوله: (هكَذَا) أي: نَحَّاهُ بيدِه ودَفَعَه، فالفاجِرُ قليلُ الخوْفِ، فيتهاون بالمعصيةِ بدليلِ هذا التَّمْثيلِ.
          قوله: (قَالَ أَبُو شِهَابٍ) أي: أحدُ الرُّواةِ، وهو الحنَّاطُ، أي: قالَ قولاً مُتعلِّقاً بتفسير قوله: (فَقَالَ بِه هكَذا).
          قولُه: (بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ) أيْ: أزالَه بيَدِه مِن فَوْقِ أَنْفِهِ.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في باب التَّوْبةِ.
          قولُه: (وَعَنْهُ) أي: عنِ ابنِ مسعودٍ، إشارة لحديثٍ آخَرَ مذكُورٌ في الباب السَّابقِ.
          قوله: (لله) بلامِ التَّأكيدِ المفْتوحةِ.
          قوله: (أَفْرَحُ) أيْ: أكْثرُ فَرَحاً، أي: رِضاً وإحْساناً ورحمةً بالتَّائب.
          والفَرَحُ المتعارفُ في نُعُوت بَني آدم غيرُ جائزٍ على الله تعالى؛ لأنَّ معناهُ اهْتزازٌ وطَربٌ يجده الشَّخْص في نفسِه عِنْد ظَفَرِه بالغَرَضِ الذي يستكمل به نقصانَه، أو يسدُّ به خللَه، أو يدفع به عن نفْسِه ضَرراً أو نَقْصاً.
          وإنَّما كان غيرَ جائزٍ عليه تعالى لأنَّه الكاملُ بِذاتِه، الغَنيُّ بوُجودِه، الذي لا يلحقه نقصٌ ولا قصورٌ، وإنَّما معناهُ الرِّضا.
          قوله: (بِتَوْبَةِ العَبْدِ) هذه رِوايةُ أبي ذَرٍّ.
          وفي رِواية بعضِهم(2): «بِتَوْبةِ عَبْدِهِ المُؤمِنِ».
          قوله: (مَنْزِلاً) بكَسْرِ الزَّاي.
          وقوله: (وَبِهِ) أي: بالمنزل.
          قوله: (مَهْلَكَةٌ) بفَتْح الميْم واللَّامِ، أيْ: / تكونُ سَبباً في هلاكِ سالكِها.
          وفي بعضِ النُّسخ كَما في «الفَتْح»: «مُهْلِكَةٌ»، بضمِّ الميمِ، وكَسْرِ اللَّام، مِن مزيدِ الرُّباعيِّ.
          قولُه: (وَقَدْ ذَهَبَتْ راَحِلَتُهُ) أي: فذهَبَ يطلبُها ويفتِّشُ عليها فلم يجِدْها.
          وقوْله: (حَتَّى اشْتَدَّ) غايةٌ للمُقدَّر الذي ذُكر.
          وفي رِوايةٍ: «إذا اشْتَدَّ».
          قوله: (أَوْ مَا شَاءَ اللهُ) شكٌّ من أبي(3) شِهابٍ الرَّاوي.
          قوله: (أَرْجِعُ) بفَتْح الهمْزة.
          وقوله: (إلى مَكَانِي) أي: الذي كنتُ فيه أوَّلاً.
          قوله: (فَإذا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ) أي: وعَلَيها طعامُه وشَرابُه، فهو يفرحُ بذلك فَرَحاً شديداً.


[1] كذا في الأصل و«م» وغيرهما، وفي «ز1» و«ز4» و«ز5»: الجناية.
[2] مسلم 3/2744.
[3] كذا في «ز1» بزيادة «ابن» قبلها، وفي الأصل و«ت» و«ز2» و«م» وغيرها: ابن.