حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة

          198- قوله: (بَعَثَ سَرِيَّةً...) [خ¦4340] الى آخرِه.
          وعدَّة سَراياهُ التي بعَثَها سبْعٌ وأربعون.
          (سَرِيَّةً) بفَتْح السِّين المُهمَلة، وكسرِ الرَّاءِ، وتشديدِ التَّحْتانيَّةِ، هيَ التي تَخرُج باللَّيل، والسَّاريةُ هيَ التي تخْرُجُ بِالنَّهار.
          قال في «فَتْح الباري»[8/56]: وقيلَ: سمِّيت بذلك _يَعْني: السَّرِيَّةَ_ لأنَّها تُخفي ذَهابَها، وهذا يقْتَضي أنَّها أُخذتْ مِن السِّرِّ، ولا يصح لاخْتلاف المادَّة.
          وهيَ قطعةٌ من الجيْشِ تخْرُج منْه وتَعُودُ إليْه، وهي من مئة إلى خمْس مئة، فَما زادَ على خمس مئة يقالُ لَه: مِنْسَرٌ، بالنُّون، ثُمَّ المهملة.
          فإنْ زادَ على ثمان مئة سُمِّي جَيْشاً.
          فإنْ زادَ على أربعة آلاف سمِّيَ جَحْفَلًا.
          والخمِيْسُ: الجيْشُ العَظيمُ.
          وما افترقَ من السَّرِيَّة يُسمَّى بَعْثاً.
          والكَتِيْبةُ: ما اجْتمعَ ولم ينْتشِرْ.
          قولُه: (وَاسْتَعْمَلَ) كَذا بالواوِ.
          ولأبي ذَرٍّ ولغَيْره: «فَاسْتَعْمَلَ»، بالفاءِ بَدَلَ الواوِ.
          قوله: (رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ) هو عبدُ الله بنُ حُذَافَةَ السَّهْميُّ، فيْما قالَه ابنُ سَعْدٍ(1).
          قوله: (فَغَضِبَ) أي: الرَّجُلُ عليهم لعَدَمِ امْتِثالِهم.
          وفي رِوايةِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ في الأحْكام: «فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ» [خ¦7145].
          وفي رِواية مُسلمٍ [40/1840]: «فأَغْضَبُوهُ في شيءٍ فَغَضِبَ».
          قوله: (فَقَالَ) وفي رِوايةِ أبي ذَرٍّ: «قَالَ».
          قولُه: (بَلَى) أي: أمَرَنا أن نُطيعَك، فالجواب بها بَعْد النَّفي إيجابٌ وبالعكْس، بخلافِ الجوابِ بنَعَم، فإنَّه لتقريرِ ما قبله مُطْلقاً إيجاباً وسلباً.
          قوله: (فَاجْمَعُوا) بهمْزة الوَصْل، مِن جمع.
          وقوله: (فَجَمَعُوا) أي: الحطَب، فمَفعولُه محذُوفٌ، وهو من بابِ قَطَعَ.
          قوله: (أَوْقِدُوا) بفَتْح الهمْزة المقْطوعةِ، وكسر القافِ، مِن أوقد.
          قوله: (فَهَمُّوا) بفَتْح الهاءِ، وضمِّ الميْمِ مُشدَّدة.
          فسَّرَه البِرْماويُّ(2) كالكِرْمَانيِّ(3) بقوله: حزنوا(4).
          قال العَيْنيُّ(5): وليس كذلك، بلِ المعنى: قَصدوا، ويؤيِّده رِوايةُ حَفْصٍ [خ¦7145]: «فلمَّا هَمُّوا بالدُّخُولِ فيْها، فقامُوا ينْظُرُ بعضُهمْ إلى بَعْضٍ»، وبابُه رَدَّ.
          قوله: (يُمْسِكُ بَعْضاً) أي: يمنعه منَ الدُّخول في النَّارِ، وهو بضمِّ الياءِ / مِن أَمْسَكَ.
          قوله: (فَرَرْنَا) أي: بالإسلامِ وتَرْكِ الكُفْرِ.
          وقوله: (مِنَ النَّارِ) أي: خَوْفاً مِنْها.
          قوله: (خَمَدَتِ) بفتحِ الميْمِ وتُكْسَر، أي: انطفأَ لهبُها.
          قوله: (فَبَلَغَ النَّبِيَّ) أي: بلَغ هذا الخبرُ النَّبيَّ، فالفاعلُ ضميرٌ مُستتِر، و(النَّبِيَّ) مفعولٌ.
          قوله: (لَوْ دَخَلُوْهَا) أي: النَّارَ التي أوْقَدُوها ظانِّين أنَّهم بسببِ طاعتِهم أمِيْرهم لا تضرُّهم.
          وقوله: (مَا خَرَجُوا مِنْهَا) أي: فكانوا يَمُوتون.
          والضَّميرُ في قولِه: (دَخَلُوْهَا) ﻟ (النَّار) التي أوْقَدُوها، وفي قوله: (مَا خَرَجُوا مِنْهَا) لنارِ الآخِرة؛ وذلك لأنَّهم لو دَخَلُوا هذه النَّارَ التي أوْقَدوها لارْتكبوا ما نُهوا عنْه، فكانُوا يمُوتون فيدخلونَ نارَ جهنَّم، فلا يخرجونَ منْها إلى يوم القيامةِ.
          وهذا إذا لم يستحلُّوا الدُّخولَ.
          فإنِ استحلُّوه فهُم في نارِ الآخِرة دائماً وأبداً، فيكونُ المرادُ بقوله: (إلى يَوْمِ القِيَامَةِ) التَّأبيدُ، فيَخْرجونَ منها يوم القيامةِ للحِساب، ثُمَّ يَعُودونَ لها.
          وفي الحديث دِلالةٌ على أنَّ التَّأويلَ الفاسدَ لا يُعذر بِه صاحِبُه.
          وفيه دِلالةٌ على أنَّ الأمْرَ المطْلَقِ لا يعُمُّ جميعَ الأحوالِ؛ لأنَّه صلعم أمَرَهُم أن يطيعوا الأمِيْر، فحملوا على ذلك على عُموم الأحوالِ حتَّى في حالة الغَضَب وفي حالة الأمْرِ بالمعْصية، فبيَّن لهم ╕ أنَّ الأمْرَ بطاعتِه مقْصورٌ على ما كان منْه في غير مَعْصيةٍ.
          قوله: (الطَّاعَةُ في المَعْرُوْفِ) أي: لا تجب طاعة المَخْلوق إلَّا في المعْرُوف، أي: الأمْر الذي عرفَه الشَّارعُ ولم يُنكره، وأمَّا ما أنكَره الشَّرْعُ فلا طاعة فيه.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: سريَّة عبدِ الله بن حُذافةَ وعَلْقمةَ بنِ مُجَزِّزٍ المُدْلِجيِّ.


[1] في الطبقات الكبرى 2/163.
[2] اللامع 11/367.
[3] الكواكب 16/167.
[4] كذا في الأصل، وفي «م»: عزموا.
[5] عمدة القاري 17/315.