حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش

          101- قوله: (عَبَايَةَ) [خ¦2488] بفتح العين المهملة، وتخفيف الموحَّدة، وبعد الألفِ مثنَّاةٌ تحتيَّةٌ مفتوحةٌ.
          قولُه: (ابنِ رِفَاعَةَ) بكسر الرَّاءِ، وبالفاء، والعَيْن المهملةِ.
          قَوله: (رَافِعِ) هو خلافُ الخافِض.
          قوله: (خَدِيْجٍ) بفَتْح الخاءِ المعجمة، وكسر الدَّالِ المهملة، آخِرُه جيمٌ.
          قوله: (عَنْ جَدِّهِ) أي: جَدُّ عَبَايَةَ، وهو رافِعٌ.
          قوله: (بِذِي الحُلَيْفَةَ) تصغيرُ الحَلْفَةِ، وهي النَّباتُ المعروفُ، وهي مِيقاتُ الحجِّ لأهلِ المديْنةِ.
          زادَ مُسلمٌ _كالبُخاريِّ في باب مَن عَدَلَ عَشْراً منَ الغَنَم بجَزُوْرٍ [خ¦2507]_: «مِنْ تِهَامَةَ»، وهُو يردُّ على النَّوويِّ حيثُ قال(1) تَبْعاً للقابسيِّ: إنَّه المحَلُّ الذي بقُرْبِ المديْنةِ.
          قالَ السَّفَاقُسِيُّ: وكانَ ذلك سنة ثمانٍ من الهِجْرة في قصَّة حُنيْن.
          قوله: (فَأَصَابُوا): أي: في الغَنيْمةِ.
          قوله: (إِبِلاً) بكسرِ الهمْزة والموحَّدةِ، لا واحد لَهُ منْ لَفْظِه، بلْ واحِدُه: بَعِيْرٌ.
          قالَ في البُخاريُّ بعد قولِه (إبلاً) قال: (وكان النَّبيُّ صلعم في أُخْرَيَاتِ القَوْمِ، فَعَجِلُوا، وذَبَحُوا، ونَصَبُوا القُدُوْرَ، فأَمَرَ النَّبيُّ صلعم بالقُدُوْرِ، فأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ ببَعِيْرٍ، فنَدَّ...) إلى آخرِ ما هُنا.
          قوله: (فَنَدَّ) بفتح النُّونِ، وتشديدِ الدَّال المهمَلة، أيْ: هَرَبَ وشَرَدَ.
          قوله: (مِنْهَا) أي: الإبِل.
          وقولُه: (فَطَلَبُوْهُ) أي: طَلَبوا الوصولَ إلى البَعيْر.
          قوله: (فَأَعْيَاهُمْ) أي: أتعبَهم وأعْجزَهم.
          قوله: (يَسِيْرَةٌ) أي: قليلةٌ.
          وقوله: (فَأَهْوَى) أي: مالَ وقَصَدَ.
          وقوله: (بِسَهْمٍ) أي: قَصَدَ رَمْيَه بِه، فرَماهُ.
          قوله: (فَحَبَسَهُ اللهُ) أي: بذلك السَّهْم، أي: منعَه اللهُ من الشُّرُودِ، وأوْقَفَه، فالمانعُ لَه في الحقيقةِ هو اللهُ، لا السَّهْم الذي ألْقاه الرَّجُلُ.
          قوله: (البَهَائِمِ): أي: الإبِلِ.
          وقوله: (أَوَابِدَ) أي: نَوافِرَ وشَوارِدَ، جمعُ آبِدٍ بالمَدِّ وكسرِ الباءِ الموحَّدةِ، وهُو النَّافِرُ الشَّارِدُ، يُقال: تَأَبَّدَ تَوَحَّشَ وانْقَطَعَ عَنِ الموْضِع الذي كانَ فيْهِ.
          وسُمِّي (أَوَابِدَ الوَحْشِ) بذلك لانْقطاعِها عنِ النَّاسِ.
          قوله: (فَمَا غَلَبَكُمْ) أي: قهركم ومنعكم من قَطْع الحلقومِ والمريء.
          قوله: (فاصْنَعُوا بِه هكَذَا) أي: ارموهُ بالسَّهْم كما فعَلَ ذلك الرَّجُلُ، فمن لم يُقْدَر على ذَكاتِه في الحلقوم والمريء، فذكاتُه عقرُهُ في أيِّ مَوضعٍ.
          وفي الحديْث دلالةٌ على أنَّ الإنْسيَّ إذا توَحَّش، فذكاتُه كذكاةِ الوحشيِّ، وهو خِلافُ مذْهبِ مالكٍ.
          قولُه: (جَدِّي) بفتح الجيم، وتشديدِ الدَّال المكسورة، أي: جدُّ عَبَايةَ، وهو رافعٌ.
          قوله: (إنَّا نَرْجُو) الرَّجاءُ هنا بمعنى الخوْف.
          قوله: (أَوْ نَخَافُ) شكٌّ من الرَّاوي، أي: نَرْجُو، أو نخافُ مُصادفة العَدُوِّ فنغنم.
          قوله: (وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى) ولأبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهَنيِّ والأَصِيْليِّ: «ولَيْسَتْ مَعِي مُدًى».
          وللحَمُّوْيِيِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «وَلَيْسَتْ لَنا مُدًى»، وهي بضمِّ الميم، وبالدَّال المهملة، مقصورٌ مُنوَّنٌ، جمع مُدْيَةٍ، مُثلَّث الميمِ: سِكِّيْنٌ.
          أي: وإنِ استعْملنا السُّيوفَ في الذَّبائح نَكِلُّ ونعجز عند / لقاءِ العَدُوِّ عن المقاتلة بها، والمُدى تركْناها بالمديْنة ويشق الذَّهاب إليها لنأتي بالمُدى.
          قوله: (أَفَنَذْبَحُ بِالقَصَبِ).
          ولمسلمٍ[22/1968]: «فَنُذَكِّي بِاللِّيْطِ» بكسرِ اللَّامِ، وسُكونِ المثنَّاةِ التَّحتيَّة، وبالطَّاءِ المُهمَلة: قِطَعُ القَصَبِ، أو قُشُورُه.
          قوله: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أي: أسالَه، و(ما) مبتدأٌ، وجملة (أَنْهَرَ) صِلةٌ أوْ صِفةٌ، وجملة (فَكُلُوْهُ) خبَرٌ، والرَّابطُ الهاءُ، والمعنى حينئذٍ: فكُلُوا المُنهِر، وهو فاسدٌ.
          وأُجيبَ بأنَّه على حَذْفِ مُضافٍ، أي: فكُلُوا متعلق المُنهِر وهُو المُنهَر الذي هو وصف الحيَوان.
          قالَ البِرْماويُّ(2) _كالزَّرْكَشِيِّ_: ورُويَ بالزَّاي، حَكاهُ عِيَاضٌ.
          وهو غريبٌ.
          قال في «المَصابيْح»(3): وهذا تحْرِيفٌ في النَّقْلِ؛ فإنَّ القاضي قالَ في «المشارِق»[2/30]: ووقَعَ للأَصِيْليِّ في كتاب الصَّيْدِ: «أَنْهَزَ» بالزَّاي، وليس بشيءٍ، والصَّوابُ ما لغَيْره: (أَنْهَرَ)، أي: بالرَّاء، كما في سائرِ المواضع.
          فالقاضي إنَّما حكى هذا عنِ الأَصِيليِّ في كتاب الصَّيْدِ، لا في المكان الذي نحنُ فيه وهو كتابُ الشَّرِكةِ، وكلامُ الزَّرْكَشيِّ ظاهرٌ في هذا المحلِّ الخاصِّ، وهو تحريفٌ بلا شَكٍّ. انتهى.
          قوله: (وَذُكِرَ اسْمُ الله...) إلى آخرِه.
          هذا تمسَّك به منِ اشترطَ التَّسميةَ عِنْد الذَّبْحِ، وهمُ المالكيَّة والحنفيَّة، فإنَّه علَّق الإذْن في الأكْل بمجمُوع أمرَيْن، والمعلَّق على شيئَين ينتفي بانْتفاءِ أَحدِهما.
          وأجابَ أصحابُنا الشَّافعيَّة، بأنَّ هذا معارضٌ بحديثِ عائشةَ ♦: أنَّ قَوْماً قالوا: إنَّ قَوْماً يأتُونَنا باللَّحْم، لا نَدْري أَذَكَروا اسمَ الله عَلَيه أَمْ لا؟!
          فقالوا: «سَمُّوا أنْتُمْ وَكُلُوا».
          فهو محمولٌ على الاستحبابِ.
          قوله: (لَيْسَ السِّنَّ).
          (لَيْسَ) أداةُ اسْتثناءٍ، واسمُ (لَيْسَ) ضميرٌ عائدٌ على المُنهر المفهوم منْ (أَنْهَرَ)، واستتارُه واجبٌ، فلا يليها في اللَّفظ إلَّا المنْصوب.
          و(السِّنَّ) خبَرُها، أي: ليسَ المُنْهرُ السِّنَّ.
          قوله: (وَسَأُحَدِّثُكُمْ) أي: سأُبيِّن لكُم عِلَّته وحِكْمتَه لِتَتفقَّهوا في الدِّيْن.
          قوله: (عَنْ ذلِكَ) أي: استثناءُ (السِّنّ والظُّفُر)، أي: وَجْهُ استِثنائهِما.
          قوله: (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) أي: وهُو لا يقطع في الغالِب، وإنَّما يجرحُ ويدمي فَتزهق النَّفس من غير تَيقُّن الذَّكاةِ، ولا فَرْق بين أن يكون متَّصلاً أو منْفصِلاً عِنْد الإمامِ الشَّافِعيِّ، وعندَ مالكٍ: إنْ كانَ متَّصلاً لا منْفصِلاً.
          وهذا يدلُّ على أنَّ النَّهيَ عنِ الذَّكاة بالعَظْمِ كان متقدِّماً، فأحالَ بهذا القَول على مَعْلُومٍ قد سبقَ.
          قال ابنُ الصَّلَاحِ(4): ولم أجدْ بَعْد البحْثِ أحَداً ذكَر ذلك بمعنًى يُعْقَل.
          قال: وكأنَّه عِنْدَهُم تَعبُّديٌّ.
          وكذلك نقلَ عَنِ الشَّيخ عزِّ الدِّين بنِ عبد السَّلام أنَّه قال: للشَّرع عِلَلٌ تَعبَّد بها، كما أنَّ له أحْكاماً تَعَبَّد بها. أي: وهذا منْها.
          وقال النَّوويُّ(5): المعنى: لا تذبحوا بالعِظام؛ لأنَّها تُنجَّس بالدَّم، وقد نُهيتُم عن تَنْجِيسِ العِظامِ في الاستِنجاءِ لكَونها «زادُ إخْوانِكُمْ مِنَ الجِنِّ». انتهى.
          قال في «جمع العدَّة»: وهُو ظاهرُ.
          قولِه: (وَأمَّا الظُّفُرُ فَمُدى الحَبَشَةِ) ولا يجوز التَّشبُّه بهِم، ولا / بشعارِهم لأنَّهم كفَّارٌ، وهم يدمون المذبح بأظفارِهم حَتَّى تزهقَ النَّفس خنقاً وتَعْذيباً.
          والألِفُ واللَّام في (الظُّفُرُ) للجِنْس؛ فلذلك وصفها بالجمع، ونظيرُه قولهم: أهلكَ النَّاسَ الدِّرْهم البيضُ والدِّيْنار الصفرُ.
          قال النَّوَويُّ(6): ويدخُلُ فيه ظفرُ الآدِميِّ وغيرُه متَّصلاً ومُنفصِلاً، طاهِراً أو نجساً، وكذا السِّنُّ، وجوَّزَه أبو حَنيفَةَ وصاحِباهُ بالمنفصلين.
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في باب: قسمةِ الغَنَم.


[1] في شرح النووي على مسلم 13/126 خلاف هذا؛ فهو ينقل عن العلماء أنها ليست الميقات... لكن كلامه عن اسمها (الحليفة) أو (ذي الحليفة) فقط.
[2] 7/505، 14/119، ولم يذكر الزركشي ولا عياضاً.
[3] 5/396، ذكر قول الزركشي ورد عليه.
[4] شرح مشكل الوسيط 4/183.
[5] شرح مسلم 13/124.
[6] شرح مسلم 13/123.