حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: ادع لي رجالًا وادع لي من لقيت

          210- قوله: (اذْكُرُوا اسْمَ الله) [خ¦5163] بأنْ تقُوْلوا على سَبِيل النَّدْبِ: بِسْم الله الرَّحمن الرَّحيْم.
          قولُه: (وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ ممَّا يَلِيْهِ) وهذا على سَبيْلِ النَّدْبِ أيضاً.
          قالَ القَسْطلَّانيُّ(1): قد نَصَّ أئمَّتُنا على كراهةِ الأكْلِ ممَّا يلي غَيرُه، ومِن الوَسَطِ والأعْلى، إلَّا نحو الفاكِهة ممَّا يتنقل به، وأمَّا ما سبقَ مِن نصِّ الشَّافعيِّ على التَّحْريم فمَحمولٌ على المشتمِل على الإيذاءِ.
          انتهى كلامُه.
          واعلمْ أنَّه ينبغي للإنسانِ أنْ يُقلِّلَ من الأكْلِ؛ فقد قالَ بعضُهم: «مَن كَثُرَ أكْلُه كَثُرَ شُرْبُه، ومَن كثُر شُربه كثُر نَوْمُه، ومَنْ كثر نَوْمه كثر تخمه، ومنْ كثر تخمه قساْ قَلْبُه، ومَن قَسا قَلْبُه غَرِقَ في الآثامِ».
          ووردَ: «كَبُرَ مقتاً عِنْد الله الأكْلُ مِن غير جُوعٍ، والنَّوْمُ مِن غَيْر سَهَرٍ، والضَّحِكُ مِن غير عَجَبٍ، وصوتُ الرَّنَّة عِنْد المُصيبة، والمِزْمارُ عِنْد النِّعمةِ».
          والحاصلُ: إنَّه يمتنع الكثرةُ من الطَّعام الموجبةُ للضَّرر، سواءٌ كانت مِن نَوْع واحدٍ من الطَّعام أوْ أكثر، فإنْ أكلَ دون ذلك فإنَّه لا يُدْخِلُ نَوعاً على نوعٍ قبل هضمِ الأوَّل، حيثُ تخلل بينهما شرب وإلَّا جاز، فالإكْثارُ من الطَّعام مَذْمُومٌ حتَّى قيل: لو سُئل أهلُ القُبُور: ما سَبَبُ قِصَر آجالكم؟ لقالوا: التُّخمة.
          وقد أنشَدَ بعضُهم:
يميت الطَّعامُ القَلْبَ إنْ زادَ كثرةً                     كزرع إذا بالماءِ قد زاد سَقْيُهُ
وإنَّ لَبِيباً يَرْتَضي نقصَ عَقْلِه                     بأكْل لُقَيماتٍ لقَد ضَلَّ سَعْيُهُ
          ومِن آدابِ الأكْلِ أنْ يتحدَّثوا عِنْده بحكاياتِ الصَّالحين، وسُكوتُهُم على الطَّعام ممَّا يؤدي إلى الشَّرَه، وأَلَّا يقوم عن أصحابه قَبل أنْ يقوموا، وأَلَّا يفعل ما يستقذره الغَير من البُصاقِ والمخاطِ، أو يعض في لُقمة ويرد منها شيئاً.
          وأنَّه يجعل بَطْنه ثلثاً للطَّعام وثلثاً للماءِ وثلثاً للنَّفَسِ، وطريقُ معْرفةِ ذلك أنْ يعلمَ مِقْدار شبعِه، فيقتصِر على ثُلُثِه، فإنْ كان يشبعه ثلاث أقْراص اقتصرَ على واحدٍ.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: الأكْل ممَّا يَلِيْهِ[خ¦70/3-7991].


[1] الإرشاد 8/212.