حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

المقدمة

          ♫(1)
          الحمْدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِنا محمَّدٍ سَيَّدِ المُرسَلين، وعلى آله وصَحْبِه أجمعين.
          أمَّا بعْدُ:
          فيقولُ العَبْدُ الفقيْرُ الفَانيْ، مُحمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ الشَّنَوَانيُّ:
          قد مَنَّ اللهُ علَيَّ بقراءة «مُختصَرِ البُخاريِّ»، للإمام عبدِ الله بنِ أبي جَمْرةَ سنةَ إحدى وتِسْعين ومئة وألْف منَ الهِجْرة النَّبويَّةِ على صاحبِها أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، مع مُطالَعة بعضِ شُرَّاحِ الكتابِ وبَعْضِ شُرَّاح البُخارِيِّ، وجمعتُ حال القراءةِ بعْضَ كلماتٍ على نُسختي.
          ثمَّ لمَّا كان سنة خَمْسٍ وتِسْعين ومئة وألْف، طَلَبَ منِّي بعضُ الأعزَّة علَيَّ منَ الفُضلاء(2) المُتردِّدِيْن، إلى قراءة الكتابِ المذكور، وجَمْعِ الكتابةِ التي علَّقتُها على هامِش نُسختي، مَع مُراجعة بعضِ شرَّاح الكتاب، ومُراجَعةِ «فَتْح البارِي على البُخاري»، ومُراجعةِ بعض كُتُب اللُّغةِ المُعتمَدة منَ «المِصْباح» و«المُخْتار»، خَوْفاً على ذلك من الضَّياع.
          فأَجَبْتُه إلى ذلك، وإنْ كنتُ لست أهلاً لذلك، لكنْ قصدْتُ بذلك رجاءَ الدُّخول في قولِه صلعم: «نضَّرَ اللهُ امْرءاً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، فأدَّاهَا كَما سَمِعَهَا».
          جعلَها اللهُ خالِصةً لوَجْهه الكريْم، ومُوجبةً للفوز بجَنَّات النَّعيْم، نفعَني اللهُ وإيَّاه بها، وكلَّ مَن تلقَّاها بقَلْبٍ سليم، آمِيْن.
          قَوْلُهْ: (بسم الله الرحمن الرحيم).
          لا يخفى أنَّ الكلامَ على البَسْملة قد أُفردَ بالتَّآليف، واشتُهر فلا نطيل به، لكن لا بأس بذِكْر نُبذةٍ تتعلَّق بفضْلِها، باعتبارِ الفنِّ المشروع فيه، وهو عِلْم الحديْث، فقد جاءَ في فَضْلِها أحاديثُ كثيرةٌ، وآثارُ شهيرةٌ، فمن الأحاديث:
          ما رُوي عنِ ابنِ عبَّاسٍ ╠ قال: سمعْتُ رسوْلَ الله صلعم(3) يقول: «خيْرُ النَّاسِ، وخَيْرُ مَنْ يَمْشي على وَجْهِ الأرضِ المُعَلِّمُوْنَ؛ فإنَّهمْ كُلَّما خَلُقَ الدِّيْن جَدَّدُوْهُ، أَعْطُوْهُمْ ولا تَسْتأْجِرُوْهُمْ(4)؛ فإنَّ المُعلِّمَ إذا قالَ للصَّبِيِّ: قُلْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقالَها، كَتَبَ اللهُ براءةً للصَّبِيِّ وبَراءةً للمُعلِّمِ وبَراءةً لأَبوَيْهِ مِنَ النَّارِ»(5).
          وقولُه في الحديث «خَلُقَ»: بضمِّ اللَّام، مِن بابِ سَهُلَ، بمعنى: بَلِيَ وضَعُفَ؛ كما في «المُخْتارِ» و«المِصْباحِ». انتهى.
          والمرادُ بأبوَي الصَّبيِّ في الحديث: المُسْلِمان، ويَحتملُ شُمولهما للكافرِ، والمرادُ بِبَراءتهما منَ النَّار: تخفيفُ عذابِ غيرِ الكُفْرِ عَنْهما.
          ورَوى ابنُ عبَّاسٍ _أيضاً_: «إنَّ تعليمَ الصِّغارِ، يُطْفئُ غَضَبَ الجبَّارِ»(6). قال ابنُ عمرَ: «الإطْفاءُ: / الإخْمادُ».
          والمرادُ به: ردُّ العذابِ الواقع بالغَضَب، والمرادُ بالغَضَبِ: لازِمُه وهُو الإرادةُ ؛ لأنَّ معناهُ _الذي هو: فَوَرَانُ(7) دَمِ القَلْب_ مُستحيلٌ على الله تعالى.
          ومعنى الحديث: إنَّ تعلُّمَ الصِّبْيان للقُرآن يردُّ العذابَ الواقعَ بإرادة الله تعالى عَن آبائهم، أوْ عمَّن تسبَّب في تَعْليمِهم، أو عَن مُعلِّمِهم، أو عنهُم فيما يستقبل من الزَّمان، أو عنِ المجموع.
          أو يردُّ العذابَ عُموماً.
          وعَن جابرِ بنِ عبدِ الله قال: سمِعتُ رسولَ الله صلعم يقول: «إذا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فذَكَرَ اللهَ عِنْد دُخُولِه وعِنْدَ طَعامِه قالَ الشَّيْطانُ: لا مَبِيْتَ لكُمْ ولا عَشَاءَ، وإذا دَخَلَ فَلَم يَذْكُرِ اللهَ تعالى عِنْد دُخُوْلِه قالَ الشَّيطَانُ: أدْركْتُمُ المَبِيْتَ.
          وإذا لم يذْكُرِ اللهَ تعالى عِنْد طَعَامِه قالَ: أدْرَكْتُمُ المبِيْتَ والعَشَاءَ»(8).
          رَواه مُسلمٌ.
          ويُستفاد منْ قولِه «أَدْرَكْتُم»، أنَّه يدخُلُ مَع الشَّيطان شَياطينُ.
          وروى أبو هُريرةَ ☺(9): «التقَى شَيطَان المؤمن وشيْطانُ الكافرِ، فإذا شيطَانُ الكافرِ سَمينٌ دَهِينٌ لَابِسٌ، وإذا شَيْطانُ المؤمن مَهْزولٌ أشْعَثُ عارٍ، فقالَ شيطانُ الكافرِ لِشيطان المؤمنِ: ما لَك على هذه الحالَة!؟
          فقالَ: أنا مَع رجُلٍ إذا أكلَ سمَّى فأظلُّ جائعاً وإذا شَرِبَ سمَّى فأظلُّ عَطْشاناً وإذا ادهن سمَّى فأظلُّ شَعَثاً وإذا لبسَ سمَّى فأظلُّ عُرْياناً.
          فقال شيطانُ الكافرِ: أنا مَع رجُلٍ لا يفعل شيئاً ممَّا ذكرتَ، فأنا أُشارِكه في طعامِه وشَرابِه ودُهْنِه ومَلْبسِه».
          وقولُه في الحديْث «شَعَثاً»: بفَتْح(10) العَيْن، وفِعْلُه شَعِثَ بكَسْرها، مِن بابِ تَعِبَ وطَرِبَ، بمعنى: تَغيَّر، يقالُ: رجُلٌ شَعِثٌ: وَسِخُ الجسَدِ.
          قالَه في «المِصْباح» و«المُختار»(11).
          ورُوي عنِ ابنِ مَسعودٍ(12) قال: «مَن أرادَ أنْ يُنجِّيَهُ اللهُ منَ الزَّبانيةِ التِّسْعة عَشَرَ، فلْيقْرأ(13): بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ فإنَّ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تِسْعةَ عشر حَرْفاً وخَزَنةَ جَهنَّم تِسْعة عشر كما قالَ اللهُ تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30].
          فيَجْعَلُ اللهُ تعالى بكُلِّ حَرْفٍ منْها جُنَّةً _أي: وِقايةً_ منْ كُلِّ واحدٍ منهُم، ولم يُسلِّطْهُم عَلَيه ببَركةِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
          ولا يخفى أنَّ البَسْملَةَ قد يقولُها مَن يدخلُ النَّارَ كالكفَّارِ وبَعْضِ العُصاةِ، وظاهرُ الحديثِ خِلافُ ذلك!
          ويُمكن أنْ يجابَ بأنَّ قائلَها إذا كان ممَّن يدخل النَّار لا يدخلها بدفع الزَّبانية، فهي تكون وِقايةً له مِن تسلُّطِهم عليه لا مِن دُخولِه النَّار؛ ويدلُّ على ذلك قوْلُه «ولم يُسلِّطْهُمْ عَلَيْهِ».
          والزَّبَانيَةُ منَ الزَّبْنِ وهو الدَّفْعُ؛ لأنَّهم يَدْفَعونَ أهْلَ النَّارِ فيها، ومنه: زَبَنَتِ النَّاقةُ حالِبَها: / دفَعَتْه، وقيلَ للمُشْتَري: زَبُوْنٌ _بالفتح_ لأنَّه يدفع غيرَه عن أخذ المبيع؛ قالَه في «المصباح».
          وعَن عِكْرمةَ قال(14): سمِعتُ عليّاً ╩ يقول: «لمَّا أنزلَ اللهُ تباركَ وتعالى بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ضجَّتْ جِبالُ الدُّنيا كُلُّها، حتَّى كُنَّا نسمعُ دَويَّها، فقالُوا: سَحَرَ محمَّدٌ الجِبالَ، فبعثَ اللهُ تعالى عليهم دُخَاناً حتَّى أظلَّ على أهْل مكَّةَ، فقالَ رسولُ الله صلعم:
          «ما مِنْ مُؤْمِنٍ يَقْرَؤُها إلَّا سَبَّحَتْ مَعَهُ الجِبالُ، غَيْر أنَّه لا يَسْمَعُ ذلكَ».
          وقولُه: «ضَجَّتْ»، مِن بابِ ضَرَبَ، يقالُ: ضَجَّ يَضِجُّ ضَجِيْجاً: إذا فَزِعَ مِنْ شيءٍ أَخافَه فَصَاحَ؛ قالَه في «المصْباحِ».
          فالمعنى: خافَتِ الجِبالُ فَصاحَتْ.
          ويُحكى أنَّ قَيْصَرَ ملِكَ الرُّوْم كَتَبَ إلى عُمَرَ بنِ الخطَّابِ ☺: إنَّ بي صُدَاعاً لا يَسْكُنُ، فابعثْ إلَيَّ شيئاً من الدَّواءِ.
          فأنفَذَ إليه قَلَنْسُوةً، فكانَ إذا وضَعَها على رأْسِه سَكَنَ ما بِه منَ الصُّداع، وإذا رفَعَها عَن رأْسهِ عادَ الصُّداعُ إليه، فتعجَّبَ مِن ذلك! فأمَرَ بفتْحِها، ففُتِّشَتْ، فإذا فيها رُقْعةٌ مكْتوبٌ فيها: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          فقالَ: ما أكْرمَ هذا الدِّين وأعزَّهُ؛ حيثُ شَفاني اللهُ تعالى بآيةٍ واحِدةٍ!
          فأسلمَ وحسُنَ إسلامُه.
          وقالَ ╕(15): «مَنْ رَفَعَ قِرْطَاساً مِنَ الأَرْضِ فِيْهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إجْلالاً لَه، كُتِبَ عِنْد الله مِنَ الصِّدِّيْقِيْنَ، وخُفِّفَ عَنْ والدَيْهِ وإنْ كاناْ مُشْرِكَيْنِ».
          وحُكي أنَّ بِشْراً الحافِيَّ كان مارًّا في بعض الطُّرُقِ، فرأَى قِرْطاساً مكْتوباً عليه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          قال: فطارَ إليه قَلْبي، وتَبَلْبَلَ عَلَيه لُبِّي، فتَناوَلْتُ المكْتُوبَ، وقد رفع الحجاب وظهرَ المحْجُوبُ، وكنتُ أملِكُ دِرْهمَيْن، فاشْتريتُ بهما طِيْباً وطيَّبته، وحجبته عنِ العُيون وغيَّبته، فهتفَ بي هاتفٌ من الغَيْبِ، لا شَكَّ فيه ولا رَيْب:
          «يا بِشْرُ طَيَّبْتَ اسْمِي، وعِزَّتي وجَلالي لأُطيِّبنَّ اسمَكَ في الدُّنيا والآخِرةِ».
          وقالَ محمَّدُ بنُ المُظفَّر(16): كان منْصورُ بنُ عمَّارٍ واعِظاً مقبولَ الموعظةِ، وقيلَ: إنَّ الذي فتَحَ له بابَ الموعِظةِ وفتَقَ لِسانَه بالحكْمة أنَّه وجَدَ قِرْطاساً مكْتوباً فيه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَلَم تَطِبْ نفْسُه أنْ يضعَه في مَوضعٍ، فابتلعَه، فقيلَ لهُ في المنام:
          «أَبشِر، فقد فتَحَ اللهُ عليك باباً منَ الحِكْمة».
          وعَن علِيٍّ ╩(17) قال: قالَ رسوْلُ الله صلعم: «ما مِنْ كِتابٍ يُلْقى بمَضْيَعَةٍ مِنَ الأرْضِ، فيهِ اسْمٌ منْ أسْماءِ الله تعالى، إلَّا بَعَثَ اللهُ تعالى مَلَائِكَةً يَحفُّوْنَهُ بأَجْنحَتِهمْ حتَّى يَبْعَثَ اللهُ إليْه وَليّاً مِنْ أوْليائِه فيَرْفَعه مِنَ الأرْضِ.
          ومَنْ رَفَعَ كِتاباً فيْهِ اسْمُه تعالى رَفَعَه اللهُ تعالى في عِلِّيِّين، وخَفَّفَ / عَنْ والدَيْهِ وإنْ كانَا مُشْرِكَيْنِ».
          وعَن أبي هُريْرةَ ╩(18)، أنَّه ╕ قال:
          «يا أبا هُرَيْرَةَ، إذا تَوضَّأْتَ فقُلْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ فإنَّ حَفَظتَكَ يكْتُبونَ لَكَ الحسَنات حتَّى تَفْرَغَ.
          وإذا غَشِيْتَ أهْلَكَ فقُلْ: بِسْمِ اللهِ(19)؛ فإنَّ حَفَظَتَكَ يَكْتُبونَ لَكَ الحسَنَاتِ حتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الجنَابةِ، فإنْ حَصَلَ لَكَ مِنْ تِلْك المُواقَعةِ وَلَدٌ كُتِبَ لكَ حَسَناتٌ بعَدَدِ أنْفاسِ ذلكَ الوَلَدِ وبِعَدَد أنْفاسِ عَقِبِهِ حتَّى لا يَبْقى مِنْهُمْ أحَدٌ.
          يَا أَبا هُريرةَ، إذا رَكِبْتَ دَابَّةً فَقُلْ: بِسْم الله والحمْدُ لله، يُكْتَبُ لكَ الحسنات بعَدَدِ كُلِّ خُطْوةٍ، وإذا رَكِبْتَ السَّفيْنةَ فَقُلْ: بِسْمِ الله والحمْدُ لله، يكْتبُ لَكَ الحسَنات حتَّى تَخْرُجَ مِنْها».
          وفي «مَسالِك الحُنَفَا»: أنَّ مَنْ قالَ إذا رَكِبَ دابَّة: بِسْم الله الذي لا يضُرُّ مَع اسمِه شَيءٌ، سُبحانَه ليسَ لَه سَمِيٌّ، {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}، والحمْدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّدٍ وعليه السَّلامُ.
          قالَتِ الدَّابَّةُ: باركَ الله عليك مِنْ مؤمن؛ خَفَّفْتَ عن ظَهْري وأطعتَ رَبَّك، وأحسنتَ إلى نفسِك، باركَ اللهُ لكَ في سَفَرِكَ، وأنجحَ حاجتَكَ.
          وعن بعض العُلماء: إنَّ القَصَّابَ إذا سمَّى اللهَ عِنْد الذَّبْحِ، قالتِ الذَّبيحةُ: أُخْ أُخْ! وذلك أنَّها استَطْيَبَتِ الذَّبحَ مَع ذِكْر الله تعالى.
          وحُكي أنَّ بعضَ العارِفين بالله اُتُّهِمَ بذنبٍ، فسجَنَه السُّلْطان، ودخل تلْميذٌ له معه السِّجنَ، وقُيِّدَ الشَّيْخُ بقيْدٍ عظيم، فقال: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فطارَ عنْه قَيْدُه بإذن الله تعالى، فقامَ يُصلِّي، فلمَّا فَرَغَ مِن صلاتِه سألَه تلْميذُه فقال: يا أُستاذنا ما حقيقة المعرِفة؟
          فقال: إذا جاءَ غَدٌ ومَدُّوا الشَّيخَ على الخشبة وقطعوا يده ورِجْله فاسألني هذه المسألة. فغُشي على التِّلْميذ مِن كلام الشَّيخ.
          فلمَّا طلعَ النَّهارُ قطعت يدُ الشَّيخ ورِجْلُه، ومَدُّوه على الخشبةِ، فلم يَقْطُرْ مِن الدَّم على الخشبةِ قَطْرة إلَّا انكَتَبَ منْها: الله الله، فلمَّا نظرَ الشَّيخُ إلى تلْميذِه فقال: هاتِ ما سألْتَ يا تلْميذ؟ فسألَه.
          فقال: أنْ تَشكُرَ الله على النِّقْمة والمِحَنِ، كما تَشْكُر على النِّعْمة والمِنَنِ.
          ثمَّ قال: الله الله! فانْفَكَّ عنه قيْدُه، ثمَّ طار الشَّيخُ في الهواءِ حتَّى غابَ عنْ أبصار النَّاسِ، فلم يُرَ بعْدَ ذلك لا حَيّاً ولا مَيّتاً.
          وحُكي أنَّ يَهوديّاً أحبَّ امرأةً يهوديَّة، وكان لا يَهْنَؤُه الطَّعام والشَّراب، فصار كالمجنون مِن حُبِّه لها، فقصَدَ عَطاءً الأكبر، فقصَّ عليه القصَّةَ، فكتب عطاءٌ في وَرَقَةٍ صغيرةٍ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثمَّ أعطاهُ إيَّاها، وقالَ له: ابتلعها حتَّى يُنجيك الله، فلمَّا ابتلعها قال: يا عطاء، ظَهَر فِيَّ نورٌ، ووجدتُ في قلْبِي حلاوة الإيمان، ونسِيتُ المرأة! اعرِضْ عليَّ الإسلام، فعرضَ عَلَيه الإسلامُ، فأسْلَمَ، / ببركة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          فسمعتْ تلْك المرأةُ بإسلامِه، فجاءتْ مُسْرعةً إلى عطاءٍ، وقالتْ: يا إمامَ المُسلمين، إنَّ الرَّجُلَ الذي أسلمَ عِنْدك ونسي حُبَّ المرأة، أنا تلْك المرأةُ التي يحبُّها.
          ثمَّ قالت: إنِّي كنتُ البارِحة بين اليَقَظة والنَّوْمِ، إذْ أتاني آتٍ فقال: أيَّتها المرأة، إنْ أردتِ أن تَرَيْ موضعك في الجنَّة، فاذهَبي إلى عطاء؛ فإنَّه يُريك، فأَرِني الجنَّة، فقال: إنْ أردْتِ رُؤيةَ الجنَّة فعليكِ أوَّلاً أن تَفْتحي بابَها ثمَّ تدخُلي، فقالت: كيف أفتحُ بابَها؟ قال: قولي: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقالتْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          ثمَّ قالتْ: يا عطاء، تَنوَّر قَلْبِي، ورأيتُ مَلَكُوتَ السَّمواتِ والأرض! اعْرِضْ عليَّ الإسلام، فعرضَ عليها الإسلامُ، فأسلمَتْ، ببَركة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          ثمَّ ذهبتْ إلى بيتِها ونامَت تّلك اللَّيلة، فرأتْ في منامِها كأنَّها دخلتِ الجنَّةَ ورأتْ فيها قُصوراً، ورأت فيها قُبَّةً خلَقَها اللهُ منَ اللُّؤلُؤِ مكتوباً على بابها:
          بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لا إله إلَّا الله محمَّدٌ رَسولُ الله.
          وسمعَتْ مُنادياً يُنادي: يا قارِئة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إنَّ الإله أعطاكِ كلَّ ما رأيتِ، فانتبهتِ المرأةُ وقالتْ: كنت دخلتُ فأخْرجتني منها، اللَّهمَّ نجِّني مِن غَمِّ الدُّنيا ببَركة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          فما فرغتْ مِن قَولها حتَّى سقطتْ ميِّتة!
          وقيل: إنَّ عَمْرَو بنَ مَعْدِ يكَرِب قالَ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ: ألَا أخبرك ببركة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ فقال: بلى.
          فقال: بَيْنا أنا أسِيرُ في مفازَةٍ، رأيتُ قَصْراً مَشِيْداً، وعلى بابِه شيْخٌ جالسٌ وعِنْدَه جاريةٌ جميلةٌ، فقلتُ في نفسي: اُقتُلْ هذا الشَّيْخ وخُذ هذه الجارية، وكنتُ يومئذٍ كافراً يا أميْر المؤمنين، فدَنوتُ منه، وسللتُ سَيْفي، وجئتُ إليه، فضحكَ مِنِّي الشَّيخُ، فقلتُ: تضحك عليَّ!؟ قال لي: إنْ شئتَ أطْعمناكَ وأسقيناكَ، وإن شئتَ فَمُرَّ على وجهِك _أي: اذْهَب_.
          فقلتُ له: ما أريدُ طعامك، ما أريْد إلَّا قَتْلَكَ.
          فضحكَ الشَّيخُ، ثمَّ دخَلَ القَصْرَ وأخرجَ سيفاً أعظم مِن سَيْفي وكان راجلاً وأنا فارِساً(20)، وقال: إنَّا معشر العَرَب نستنكف أن يقاتلَ الفارِسُ الرَّاجلَ، فقلْت: مَكِّني حتَّى أنزل، فنزلْت، فتصارعنا، فحرَّكَ شَفَتَيْه وقرأَ شيئاً، فَصَرَعَني وجلسَ على صَدْري وأخذَ بلحْيَتي وقالَ لجاريته: ائتِني بالسِّكِّين لأذْبحه، فأتتْهُ بها، فوضعَها على حَلْقي(21)، فقلتُ: اعف عنِّي، فَعَفَا عَنِّي وقامَ، وقال لي: إنِ احتجتَ إلى طعامٍ أطْعمناك وإلَّا فخُذْ طريقكَ، فلم أُجبه بشيء لِما دخل عليَّ مِنَ العارِ.
          ثمَّ مشيتُ قليلاً فرجعتُ إليه لأقْتلَه، ففعَلَ معي كالمرَّةِ الأُولى، فاستَعفوته فعفا عنِّي وقال لي: إنِ احْتجتَ إلى طعامٍ أطْعمْناكَ وإلَّا فاذهبْ.
          ومَشيْتُ قليلاً ورجعتُ، ففعلتُ معَه وفعَلَ معي كما مَرَّ غير أنِّي / لما استعفوته وهو على صَدْري قال لي: بشرط أنْ أجُزَّ ناصيتك _أي: أحلقَها_ فقلتُ لَه: جُزَّ ناصيتي، فجزَّها، فصرتُ عَبْداً له؛ لأنَّ مِن عادة العربِ ذلك، فلمَّا جزَّها استحييتُ أنْ أرجعَ إلى أهلي، فقالَ: اصْحبني إلى البَرِّيَّة فليس عِنْدي مِنْكَ وجَلٌ؛ فإنِّي واثقٌ ببركة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          فسرنا حتَّى وردنا على وادٍ، فقال بأعلى صوتِه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ! فلم يبق سَبُعٌ في مَرْبَضِه ولا طيرٌ في وَكْرِه إلَّا هرب، فاستقبلَه جِنِّيٌّ يَسْتر شعرُه جلدَه كالنَّخلة السَّحُوق، فقلتُ: أينَ أذهب أنا وصاحبي مِن هذا الجنِّي!؟ فالتفتَ إليَّ صاحِبي وقال لي: إذا رأيتَني قد أُخِذْتُ فقُلْ: غَلَبَ صاحِبي ببركة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ! فلمَّا أُخِذَ قلت: غَلَبَ صاحِبي ببركة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ! فَبَعَجَه(22) _أي: خرقَ بطْنَه_ كما يَبْعَجُ السَّبعُ فَرِيْسَتَه، فقلت: ما لَك ولهذا الجنِّي؟
          فقال: الجاريةُ التي رأيتَها في القَصْرِ كان أبوها مِن خيارِ الجنِّ، وكان لي مؤاخياً في الإسلام على دِين عيسى ◙، وهؤلاء قَوْمُها، يغزوني في كُلِّ سنةٍ رجُلٌ منهم، فينصرني اللهُ عليه ببركة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          ثمَّ قال: انْطلقْ، فالتمسْ لي أكْلةً؛ فإنِّي قد غلبَ عليَّ الجُوْعُ، فانطلقْتُ، فَلَم أجِدْ إلَّا بيضَ النَّعام، فأتيتُ به، فوجدته نائماً وكان تحت رأسِه سَيْفٌ فأخذته، فضربته ضَرْبةً فرميت السَّاقَين مَع القدمَين فاستلقى على قفا ظَهْرِه وهو يقول: قاتلكَ الله، ما أغْدرَك يا غَدَّارُ! فَلَم أزَلْ أضْرِبُه حتَّى قطَّعتُه إرباً إرباً _أي: قطعاً قطعاً_.
          فغضبَ عُمر ☺ وقال: والله لو كنتُ آخُذُ في الإسلام ما عُمِلَ في الجاهِليَّة لَقَتَلْتُكَ، ولكن هَدَمَ الإسلامُ ما قَبْلَه، ثمَّ قالَ له عمرُ: أَتِمَّ ما كان مِن حديثِكَ؟
          قال: رجعتُ وإذا أنا بالجارية على باب القَصْرِ، قالت: ما فعلتَ بالشَّيخ؟ فقلت: قَتَلَتْهُ(23) الأُسُوْدُ، فقالت: كذبتَ، أنتَ قتَلْته، ثمَّ دخلتِ القصرَ فدخلْتُ خَلْفَها وأردتُ سَبْيَها فلم أجِدْها _أي: لأنَّها من الجِنِّ، كما مرَّ_ فسقتُ الماشية وانصرفتُ(24).
          وهذا ما كان من أعجوبة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
          فائِدةٌ:
          قال سَيِّدي ابنُ عِرَاقٍ في كتابِ «الصِّراط المُستقيم في خواص بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»: «إنَّ مَن كتَبَ في وَرَقةٍ في أوَّل يَوْمٍ من المُحرَّم البَسْملةَ مئة وثلاث عشرة مرَّة وحُملت، لم ينلْ حامِلَها مكْروهٌ هو وأهلَ بَيْته مُدَّة عُمُره.
          ومَن كَتَبَ الرَّحْمَنِ خمْسينَ(25) مرَّة وحملها(26) ودخَلَ بها على سُلْطانٍ جائرٍ أو حاكِمٍ ظالِمٍ أَمِنَ مِنْ شرِّه»(27).
          قوله: (قَالَ الشَّيْخُ)، وفي نُسخة: (قالَ الفَقِيْرُ).
          فعلى الأُولى، يحتملُ أنَّ هذه الزِّيادة مِن بعض التَّلامذةِ لمدْحِ المؤلِّف؛ وهذا هو الظَّاهرُ، ويَحتملُ أنْ تكونَ منَ المؤلِّف / لمدحِ نفسِه مِن باب التَّحدُّثِ بالنِّعمة، وأمَّا النَّهيُ عن مَدْح النَّفْسِ فمحمولٌ على غير المتَّقيْنَ، بدليل قولِه تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] بخلاف المتَّقين.
          وعلى الثَّانية، فالزِّيادةُ من المؤلِّف، بدليل التَّعْبير ﺑ (الفَقِيْرُ) تواضعاً، والتَّعبير بالماضي يدلُّ على تأخُّر الخطبة عن التَّأليف، ويرشح ذلك قولُه بعْدُ: (فلمَّا كَمُلَتْ...) إلى آخرِه.
          قولُه: (الشَّيْخُ) مأخوذٌ مِن شاخَ: إذا ارْتَفَعَ في السِّنِّ، ومنْهُ: شَاخَ الزَّرْعُ، فهو لُغةً: مَن طعنَ في السِّنِّ.
          و(الشَّيْخُ) يحتملُ أنْ يكون مَصْدراً وُصفَ به مُبالغةً، ويحتملُ أنْ يكونَ صِفَةَ مُخفَّفِ شَيِّخٍ كـ: هَيِّنٍ، ولَه جُموعٌ سبعة؛ ثلاثةٌ مبدوءةٌ بالميم وأربعة مبدوءةٌ بغيرها:
          فالأُولى: مَشْيَخَةٌ كمَتْرَبَةٍ، ومَشْيُوْخاءُ، ومَشَايِخُ بالياءِ لا بالهمْزِ.
          والثَّانية: شُيُوْخٌ، وأَشْياخٌ، وشِيْخانٌ _كتِيْجانٍ وغِلْمانٍ_ وشِيَخَةٌ كعِنَبةٍ.
          قولُه: (أَبُوْ مُحَمَّدٍ) بَدَلٌ منَ (الشَّيْخِ)، أو عَطْفُ بَيانٍ، كُنيةُ المؤلِّف.
          قَوله: (عَبْدُ الله) اسمُه، وكان منَ الأكابرِ العارِفين برَبِّهم، وكان مُجابَ الدَّعْوة.
          وممَّا اتفق لبعض المُريدين الصَّادِقين الصَّالحين ظاهراً وباطِناً، أنَّه رأى أنَّ الشَّيخَ جالسٌ على كُرسيٍّ وعَلَيه خِلْعةٌ عظيمةٌ، والأنبِياءُ والصَّحابةُ واقِفونَ بين يدَيْه وهو كالسُّلطان وهم كالخدمة! فارتبكَ الرَّائي منْ هذه الرُّؤيا!
          ثمَّ قصَّها على شيْخِه، فقالَ لَه: كيف هذا! مَع أنَّ غايةَ الأمرِ أنَّه من أولياءِ الله تعالى، فكيف تقفُ الأنبياءُ بين يدَيْه!؟
          فقالَ لهُ الشَّيخُ: وقوفُهم تعظيمٌ لمن ألبسه الخِلْعة ووهبَها له. انتهى.
          قالَ في «المِصْباحِ»: والخِلْعةُ: ما يُعْطيه الإنسانُ غيرَه مِنَ الثِّيابِ مِنْحةً، والجمْعُ خِلَعٌ، مثلُ: سِدْرة وسِدَر. انتهى.
          قولُه: (سَعْدِ) هو اسمُ أَبِيه.
          قوله: (أَبِي جَمْرَةَ) هو اسمُ جدِّه لا كُنيته، وهو بالميم، ولا بشاعة فيه خلافاً لمن صحَّف الميمَ باءً مُعتقِداً بشاعته بالميْمِ.
          قوله: (الأَزْدِيُّ) نَعْتٌ لقوله: (أبو مُحَمَّدٍ)، نسبةً إلى أَزْد.
          قال في «الصِّحَاح»: أَزْدُ _كفَلْس_ ابنُ الغَوْثِ، وبالسِّين أفصَحُ، أبو حَيٍّ باليَمَنِ، ومن أولادِه الأنصارُ كلُّهم، ويقال: أَسْدُ شَنُوءَة وعُمان والسَّراة. انتهى.
          فنسبتُه إلى الأسد لا يُنافِي ما عُلم مِن أنَّه أنصاريٌّ خَزْرَجيٌّ من ذريَّة سيِّدِ الخزْرجِ سعْدِ بنِ عُبادةَ؛ لأنَّ الأنصارَ مِن ذريَّة الأسدِ.
          قوله: ( ☺) أي: باعدَ سخطه عنْه.
          وفي بعض النُّسخ زيادة: «وَرَضِيَ عَنَّا بِهِ»، أي: بسببِه، فالباءُ للسَّبَبيَّة.
          قوله: (الحَمْدُ لله) الكلامُ عليها مشهورٌ فلا نطيل بذِكْره.
          قوله: (حَقَّ حَمْدِهِ) أي: واجِبَ حَمْدِهِ الذي يتَعيَّن لَه ويَستحِقُّه كمالُ ذاتِه وقديمُ صفاتِه.
          وانتصابُه على المفعوليَّة المُطْلَقَة، وهو مَعمولٌ للمصدرِ قبْلَه، أو معْمولٌ / لمحذوفٍ؛ أي: أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وإضافة (حَقَّ) لما بَعْده مِن إضافة الصِّفةِ للمَوصوف؛ أي: حَمده الحقّ؛ أي: الواجبُ الثَّابتُ.
          قوله: (وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) الكلامُ عليهما مشهورٌ أيضاً فلا نطيل بذِكْرِه.
          قوله: (الخِيَرَةِ) هو بكسرِ الخاءِ، وفَتْحِ الياءِ كعِنَبةٍ، قالَ تعالى: {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ[الأحزاب:36] وقد تُسكَّنُ الياءُ(28) قليلاً.
          قالَ في «المُخْتارِ»: والخِيَرةُ بوزْنِ العِنَبةِ، الاسمُ مِن قولِك: اخْتارَهُ اللهُ، يُقَالُ: محمَّدٌ خِيَرةُ الله مِن خلْقِه، وخِيْرةُ الله أيضاً بالتَّسْكين. انتهى.
          وعلى كُلٍّ مِن الفَتْح والتَّسكيْن فهو بمعنى الاخْتيار، فالمعنى: على محمَّدٍ الاختيار من خَلْقِه، على سبيل المُبالَغة.
          أو هُو على حذفِ مضافٍ، أي: ذي الاختيار لَه منَ الخلْق.
          أو بمعنى اسم المفعولِ؛ أي: المختارُ، أي(29): الذي اختارَه اللهُ تعالى للتَّبليغ.
          فَفيه الأوْجُه الثَّلاثة التي في: رَجُلٌ عَدْلٌ، وهو نَعْتٌ لمحمَّدٍ صلعم، وهو مصْدرٌ، وليس لنا مصدرٌ على وَزْن فِعَلَة إلَّا خِيَرة وطِيَرة.
          قوله: (وَعلى الصَّحَابَةِ) كان الأَولى أنْ يُصلِّي على الآلِ أيضاً(30)؛ لأنَّ الصَّلاةَ عليهم ثبتتْ بالنَّصِّ، بخلاف الصَّلاةِ على الصَّحابة فبطَرِيق القِياسِ.
          والصَّحابةُ _بفَتْحِ الصَّادِ_ في الأصْل مَصْدرٌ بمعنى: الأصحاب.
          قالَ في «المخْتار»: صَحِبَه مِن بابِ سَلِمَ، وصُحْبة أيضاً بالضَّمِّ، وجمعُ الصَّاحِب صَحْبٌ كَراكِبٍ ورَكْبٍ، وصُحْبةٌ كَفَارِهٍ وفُرْهَةٍ، وصِحَابٌ كجائعٍ وجِياعٍ، وصُحْبانٌ كشابٍّ وشُبَّانٍ، والأصحابُ جمعُ صَحْبٍ كفَرْخٍ وأفْراخ، والصَّحابةُ بالفَتْح الأصحابُ، وهيَ في الأصل مَصْدَرٌ. انتهى.
          قولُه: (السَّادَةِ) جمعُ سَيِّدٍ.
          قالَ في «المخْتار»: سادَ قَوْمَه، مِن باب كَتَبَ، وسُؤدَداً أيضاً بالضَّمِّ، وسَيْدُودةً _بالفَتْحِ_ فهو سَيِّدٌ، والجمْعُ سَادَةٌ. انتَهى.
          قوله: (وَبَعْدُ) الكلامُ عليها مشهورٌ مفردٌ بالتآليف فلا نطيل به.
          قوله: (فَلَمَّا) هيَ على ثلاثة أقْسام:
          رابطةٌ وهيَ التي هُنا.
          ونافيةٌ، نحو: لمَّا يَقُمْ.
          وإيْجابيَّة، بمعنى إلَّا، نحو: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:4] في قِراءة مَن شدَّدَ الميمَ.
          والأُولى حرفٌ رابِطٌ؛ لوُجودِ شيءٍ بِوُجُودِ غيرِه على الصَّحيْح.
          وقيل: ظَرْفٌ، وعليه؛ فقيل:
          بمعنى: حِيْن.
          وقيل: بمعنى: إذْ، و(كَانَ) شَرطُها، و(فَرَأَيْتُ) جَوابُها.
          قَوْلُه: (الحدِيْثُ) ويُرادِفُه الخبَرُ على الصَّحِيح، وهُو ما أُضيفَ للنَّبيِّ صلعم قَولاً أو فِعْلاً، أو تَقْريراً أوْ صِفةً، أو هَمّاً أو عزماً.
          وقيل: الحديثُ: ما أُضيفَ للنَّبيِّ صلعم وللصَّحابيِّ فقطْ.
          وقيل: ما أُضِيف للمذْكُورِ ولمن دُونه منَ التَّابعين.
          ويُعبَّر عن هذا بعِلْم الحديث رِواية، فَيُعَرَّف بأنَّه عِلْمٌ يشتملُ على نقْلِ ذلك المذْكُورِ مِن قولِ النَّبيِّ صلعم وتقريرِه وغير ذلك، وقول الصَّحابةِ والتَّابعين / وغيره.
          وقالَ الكِرْمانيُّ(31): هو عِلْمٌ يُعرف به أقوالُ رسولِ الله صلعم وأفعالُه وأحْوالُه، وموضوعُه: ذاتُ النَّبيِّ صلعم مِن حيثُ ما يعرض لها من الأقوال والأفعالِ وغيرهما مما تقدَّم، وغايتُه: الفوزُ بسعادة الدَّارَيْن.
          وقال شَيْخُ الإسلام(32): غايتُه: الصَّونُ عن الخطإ في نقْلِه.
          وأمَّا عِلْمُ الحديثِ دراية _وهو المرادُ عِنْد الإطْلاقِ_ فهو عِلْمٌ يُعرَف به أحوالُ الرَّاوي والمرويِّ مِنْ حيثُ القَبولُ والرَّدُّ.
          وموضوعُه: الرَّاوِي والمرويُّ منْ حيثُ ذلك، وغايتُه: معرفةُ ما يُقْبل وما يُرَدُّ مِن ذلك، ومسائلُه: ما يذكر في كُتبِه منَ المقاصِد.
          قوله: (وَحِفْظُهُ) المرادُ به: صَوْنُه من الضَّياع أعمُّ مِن أن يكون بحفظٍ، أو كتابةٍ مع حفظ الكتاب عنده، فلا يدفعه إلَّا لمن يكون ثِقةً ولا يُغيِّر فيه ولا يُبدِّل، وعطفُه على ما قبله من قبيْل عَطْفِ التَّفسيْر.
          فائِدةٌ:
          اختلَفَ في ثَواب قارئِ الحديْثِ، هلْ هو كثَواب قارئِ القُرآن؟
          فقيلَ بالمساواة، والرَّاجحُ عدمُها.
          قولُه: (مِنْ أَقْرَبِ) التَّعبير ﺑ (مِنْ) التَّبعيضيَّة مُشْعِرٌ بأنَّ هناك مُساوياً له في الأقْرَبِيَّة، وهو كذلك، والمرادُ: إنَّه أقربُ مِن حيثُ التَّعلُّقُ به من نَقْلٍ أو تبْليغٍ لا مِن حيثُ لفظُه؛ لأنَّه مِن هذه الحيثيَّة لا يكون وَسيلةً.
          قوله: (الوَسَائِلِ) جمع وَسِيْلَة، وهي ما يُتقرَّبُ به إلى الشَّيء، فهي السَّببُ والواسِطةُ، فأقربُ الأسبابِ والوسائطِ حِفْظُ الحديْث.
          قال في «المِصْباحِ»: وسَلْتُ بالعَمَلِ إلى الله أَسِلُ، مِنْ بابِ وَعَدَ: رغِبْتُ وتَقرَّبتُ، ومنه اشتقاقُ «الوَسِيْلَة»، وهي ما يُتقرَّبُ به إلى الشَّيء، والجمْعُ الوَسائلُ. انتهى.
          قوله: (بِمُقْتَضَى الآثَارِ) مُتعلِّقٌ ﺑ (أَقْرَبِ)، والآثارُ جمعُ أَثَرٍ، وهو ما نُقلَ عن صحابيٍّ أو تابعيٍّ، وعليه؛ فالأَثرُ هو الموْقُوفُ على الصَّحابيِّ أوِ التَّابعيِّ، وقد يُطلقُ على المرفوع وعلى ما يَعُمُّ الكُلَّ، وهو المراد هُنا.
          والأوَّلُ هو الغالبُ.
          قال في «المصباح»: أَثَرْتُ الحديْث أَثْراً، مِن بابِ قَتَلَ، نقَلْته، والأَثَرُ _بفتحتَين_ اسمٌ مِنْهُ، وهو حديثٌ مأْثُورٌ: منْقولٌ، ومنْهُ المأْثُرةُ وهي المَكْرُمةُ؛ لأنَّها تُنْقلُ ويُتحدَّث بها، وأَثَرُ الدَّارِ: بَقِيَّتُها، والجمْعُ آثارٌ، مثلُ سَببٍ وأسباب. انتهى.
          قولُه: (في ذلِكَ) مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ صفةٌ للآثارِ، أي: الوارِدة في ذلك، واسمُ الإشارة عائدٌ على (أقْرَبِ)، وأتى بلام البُعْدِ(33) تعظيماً.
          قوله: (فَمِنْهَا) تعبيرُه ﺑ (مِنْ) التي للتَّبعيض إشارةٌ إلى أنَّه لم يستوف جميعَ الآثارِ، وهو كذلك.
          قوله: (مَن أَدَّى) أي: نقَلَ، وقولُه: (إلى أُمَّتِيْ) مُتعلِّقٌ / ﺑ (أدَّى)، والمرادُ: الجِنْسُ الصَّادِق بالواحِد، و(مَنْ) شَرطيَّةٌ، و(أدَّى) فعلُ الشَّرْطِ، وهو خبرُ (مَنْ) الواقعة مُبتدأ على الرَّاجح، وجملةُ (فَلَهُ الجنَّةُ) جوابُه، وقرنه بالفاءِ لكونه جُملةً اسميَّةً.
          قولُه: (يُقيْمُ بِهِ سُنَّةً) الجملةُ صِفةٌ ثانيةٌ ﻟ (حَدِيْثاً)، فقد وصَفَه بوَصْفَين:
          الأوَّل: مفردٌ.
          والثَّاني: جُملةٌ، وهو جائزٌ باتِّفاقٍ، وأمَّا عكسُه فجائزٌ على الرَّاجح، ومنه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92]، ومعنى (يُقيْمُ): يُظهِر، والمرادُ بالسُّنَّةِ اللُّغويَّةُ، وهيَ الطَّريقةُ لتشمل الواجِبَ.
          قوله: (أَوْ يَرُدُّ)، (أَوْ) مانعةُ خُلُوٍّ فتجوز الجمع، والمرادُ بالرَّدِّ: عَدَمُ القَبول.
          قال في «المُختار»: رَدَّه عَن وَجْهِه رَدّاً ورِدَّةً _بالكسرِ_ ومَرْدُوْداً ومَرَدّاً: صَرَفَه، قالَ اللهُ تعالى: {فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد:11]، ورَدَّ عليْه الشَّيءَ إذا لم يَقْبلْه؛ وكذا إذا خَطَّأهُ. انتهى.
          وقالَ في «المصْباح»: رَدَدْتُ الشَّيءَ رَدّاً: رَجَعْتُه، فهو مَرْدُودٌ، وقد يُوصَف بالمصْدرِ فيقال: فهُو رَدٌّ، ورَدَدْتُ عليه قولَه ورَدَدْت إليه جوابَه؛ أي: رَجَعْتُ وأرسلْتُ، ومنه: رَدَدْتُ عَليه الوَدِيعةَ، ورَدَدْتُه إلى مَنْزِلِه فارْتَدَّ إليه، وتَردَّدْتُ إلى فُلانٍ: رَجَعْتُ إليه مرَّةً بعد أُخرى، وتَرادَّ القومُ البَيْع: رَدُّوْهُ. انتهى.
          قوله: (بِدْعَةً) هيَ ما أُحْدِثَ على خِلاف الشَّرْعِ، فلا مُستند لَه من كتابٍ أو سُنَّةٍ أو إجماعٍ أو قياسٍ جَليٍّ.
          قال في «المصباح»: أَبْدَعْتُ الشَّيءَ وابْتَدَعْتُه: استَخْرَجْتُه وأَحْدَثْتُه، ومنه قيل للحالَة المُخالِفة: بِدْعةٌ، وهي اسمٌ منَ الابتِداعِ، كالرِّفْعةِ منَ الارْتِفاعِ ثمَّ غَلَبَ استعمالُها فيما هو نَقْصٌ في الدِّيْن أوْ زيادةٌ، لكن قد يكون بعضُها غيرَ مَكْروهٍ فيُسمَّى بِدْعةً مُباحةً وهُو ما يَشْهدُ لحُسْنِه أصلٌ في الشَّرْع أَوِ اقْتضَتْه مَصلحةٌ يندفِعُ بها مَفْسدةٌ. انتهى.
          وهذا الحديثُ ضعيفٌ؛ لأنَّ العملَ القليلَ إذا كثُر ثوابُه كان ذلك دليلاً على الضَّعْفِ.
          قوله: (مَنْ حَفِظَ) أي: نقَلَ، وإنْ لم يحفظِ اللَّفظَ ولم يفهمِ المعنى؛ إذْ بِه يحصل انتفاع المسلمين بخلاف حفظِ ما لم ينقلْ إليهم.
          وهذا الحديثُ مَوضوعٌ كما ذكَره ابنُ حَجَرٍ على «الأربعين»(34).
          قوله: (على أُمَّتِي) أيْ: لأجل أُمَّتي، ﻓ (على) للتَّعليل والإضافة لتشريف المُضاف.
          قولُه: (صِدِّيْقاً)(35) بكسرِ الصَّادِ والدَّال المُشدَّدة، أيْ: كثير التَّصدِيقِ.
          قوله: (وَالأَثَرُ في ذلِكَ كَثِيْرٌ)، وفي نُسخةٍ: (وَالآثَارُ في ذلِكَ كَثِيْرَةٌ) بصيغة الجمْع في المبتدإ وزيادةِ التَّاءِ في الخبَر.
          فمِن الآثار: قولُه صلعم: «ليُبلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغائِبَ».
          أخْرجَه الشَّيخان [خ¦105] [م29/1679] في «صحيحَيهما».
          ومنْه: قولُه ╕: «نَضَّرَ اللهُ امْرءاً سَمِعَ مَقَالَتي فوَعَاهَا فأدَّاهَا كَما سَمِعَهَا». /
          رَواه التِّرْمذيُّ[2658].
          ومنْها: قولُه صلعم: «إذا كانَ يَوْمُ القِيامةِ، جاءَ أصْحابُ الحديْثِ بأيْدِيهمُ المحابر، فيأمرُ اللهُ تعالى جِبْريْلَ ╕ أنْ يأتيَهُم فيَسْألُهم، فيقُولُونَ: نحنُ أصْحابُ الحديْث.
          فيقوْلُ اللهُ تعالى: ادْخُلُوا الجنَّةَ، طالَما كُنتُمْ تُصَلُّونَ على نَبِيِّي محمَّدٍ صلعم»(36).
          قوله: (وَرَأَيْتُ) هذه الجملةُ حاليَّةٌ بتقديرِ: قَدْ، والتَّقدير: فلمَّا كان الحديث... إلى آخِرِه، والحال: إنِّي قد رأيتُ.
          ويحتملُ أنْ تكونَ الجملةُ مُستأنفةً واقعةً في جواب سُؤالٍ مُقدَّرٍ تقديرُه: لِمَ ألَّفتَ هذا الكتاب مَع كَثرة كُتُبِ الحديْث؟
          و(الهِمَمَ) جمعُ همَّةٍ، وهي عبارةٌ عنِ العَزْم على الشَّيء.
          وقيلَ: تعلُّقُ القلْبِ بمَرغُوبٍ في حُصوْلِه، ثمَّ إنْ تعلَّقتْ بمَعالي الأُمور فعَلَيَّة؛ وإلَّا فدَنِيَّة.
          قوله: (قَصَرَتْ) أي: عَجَزْتُ.
          قال في «المصباحِ»: قَصَرْتُ عنِ الشَّيء قُصُوْراً، مِن بابِ قَعَدَ: عَجَزْتُ عنْه. انتهى.
          وقالَ في «المختار»: قَصَرَ عنِ الشَّيءِ: عَجَزَ عنه ولم يَبْلُغْه، وبابُه دَخَلَ. انتهى.
          فعُلم أنَّه بفتْح الصَّادِ لا بضَمِّها، خِلافاً لما تُوُهِّم مِن ضَمِّها، وإسنادُ القُصور إلى الهِمَم مَجازٌ عقليٌّ.
          قوله: (عَنْ حِفْظِهَا) أي: الآثار، وهو متعلِّقٌ ﺑ (قَصَرَتْ).
          قوله: (مَعَ كَثْرَةِ كُتُبِهَا) أي: الآثار.
          قوله: (مِنْ أجْلِ أَسَانِيْدِهَا).
          قالَ الأُجْهُوْرِيُّ: لا يخفى أنَّ حذْفَ الأسانيدِ لا يَقِلُّ بِه عدَد الكُتب، وإنَّما يصغرُ به حجمها، فلعلَّ (كَتْبَ) مَصْدَرُ كَتَبَ، لا جَمْع كِتابٍ. انتهى.
          وقد فهمَ الشَّارحُ(37) أنَّ قولَه: (مِنْ أَجْلِ أَسَانِيْدِهَا) عِلَّةٌ ﻟ (كَثْرَةِ كَتْبِهَا)، فاعتُرض بأنَّها لو حُذفتِ الأسانيدُ لم يَقِلَّ عَدَدُ الكُتُبِ، وهو غيرُ مُتعيِّن.
          والذي يظهرُ أنَّ قولَه: (مِنْ أجْلِ) متعلِّقٌ بقولِه (قَصَرَتْ عَنْ حِفْظِهَا) أي: قَصَرَتْ عنِ الحفْظ مِن أجْلِ كَثْرة أسانيدِها؛ ويدلُّ لهذا قولُه الآتي: (وَأَخْتَصِرُ أسَانِيْدَهَا... فيسهُلَ حِفْظُهَا)، وحينئذٍ ﻓ (كُتُبِهَا) جمعُ كِتابٍ لا مصْدَر؛ فتأمَّله.
          وعُرضَ هذا الثَّاني على الشَّيخ المَلَّويِّ فارْتَضاهُ.
          قولُه: (أَسَانِيْدِهَا) جمعُ إسنادٍ، وهو حكايةُ طرِيقِ المَتْنِ _أي: الحديث_، كقولك: حدَّثَنا فُلانٌ، عَن فُلانٍ، عَنِ النَّبيِّ صلعم.
          والسَّنَدُ: الطَّريقُ؛ أي: رِجالُ الحديْث.
          وقيل: هُما مُترادِفان، ومعناهُما: طرِيقُ المتْنِ؛ وهذا المعنى هُو المناسبُ لقولِه: (مَا عَدَا رَاوِيَ الحدِيْثِ)، وراوي الحديث منَ السَّنَد؛ لأنَّ الأصلَ في الاستثْناءِ الاتِّصالُ.
          وقد يُقال: مُرادُه: ما عدا حكاية راوي الحدِيث؛ لأنَّه يقول: عَن فُلانٍ، والمرادُ: حَدَّثنا عَن فُلانٍ، وذِكْرُه كذلك منَ الإسنادِ، وحينئذٍ يتبيَّن أنَّ الاستثناءَ متَّصلٌ. /
          قوله: (فَرَأَيْتُ) الفاءُ زائدةٌ في جواب (لمَّا).
          وقوله: (أنْ آخُذَ) أي: أجمعَ وأخْتارَ.
          وقوله: (مِنْ أَصَحِّ كُتُبِهِ) أي: كُتُب الحديْث.
          ثمَّ يحتمل أنَّ (مِنْ) في قوله: (مِنْ أَصَحِّ) أصليَّةٌ، واﻟ(أصَحِّ) مَقْوُلٌ بالتَّشْكيك، أي: أفرادُه مختلفةٌ غيرُ متساويةٍ، فالأصحُّ على الإطْلاقِ كِتابُ البُخاريِّ.
          ويحتمل أنَّها زائدةٌ؛ فليس هُناك أصح مِنْه.
          قوله: (أَخْتَصِرُ مِنْهُ) أي: مِن ذلك الكتاب، والجملةُ صفةٌ ﻟ (كِتَاباً).
          وقوله: (بِحَسَبِ الحاجَةِ) بفتْح السِّيْن، بمعنى: قَدْر.
          قالَ في «المختار»: لِيكُن عمَلُكَ بحَسَبِ ذلك _بالفَتْح_ أي: على قَدْرِه. انتهى.
          قوله: (إلَيْهَا) أي: الأحاديث، وهو متعلِّق ﺑ (الحاجَةِ).
          قوله: (وَأَخْتَصِرُ أسَانِيْدَهَا(38)) أي: أحذفُ، وهو معطوفٌ على (أَخْتَصِرُ) قبله.
          وقوله: (مَا عَدَا) استثناءٌ مِن قوله: (وَأَخْتَصِرُ أسَانِيْدَهَا).
          وقوله: (فَلَابُدَّ مِنْهُ) تَفْريعٌ على الاستثناءِ، أي: لابُدَّ مِن ذِكْره، أي: راوي الحديث.
          قوله: (فَيَسْهُلَ) بالنَّصْبِ عَطْفٌ على (آخُذَ) المنْصوب ﺑ(أنْ)، (وتكْثرَ) عطفٌ على (فيسهُلَ) عطْفُ مُسبّبٍ على سَبَبٍ(39).
          قولُه: (فَوَقَعَ لِي) عطفٌ على قوله: (فَرَأَيْتُ)، أي: وقَعَ في نفسي، فاللَّامُ بمعنى: في.
          قوله: (أنْ يَكُوْنَ كِتَابَ) بالنَّصْب خبَرُ (يَكُوْنَ)، واسمُها ضميرٌ عائدٌ على الكتاب المأخُوذ مِنه.
          قوله: (البُخَارِيِّ) واسمُه: محمَّدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ بن المُغيرةِ بنِ بَرْدِزْبَهْ _بالهاءِ وَصْلاً ووَقْفاً_، كان أبوهُ تابِعياً وأخذَ عن بعض الصَّحابةِ، والمغيْرةُ كان منَ المَجُوْسِ فأسلمَ وحسُن إسلامُه، وكان مِن أكابر التَّابعين.
          وبَرْدِزْبَه معناهُ: الزَّرَّاعُ في اللُّغة الفارِسيَّة، وماتَ كافراً، وكان عظيماً في قَوْمِه.
          قوله: (لِكَوْنِهِ) أي: الكتاب المأخوذ منْه، وهو علَّةٌ لقولِه (وَقَعَ)، وقولُه (وَلِكَوْنِهِ) عطفٌ على (لِكَوْنِهِ) وضميرُه عائدٌ على (البُخَارِيِّ) فما تقدَّم بالنَّظر لكِتابه، وهذا بالنَّظَر له نفسه، فالضَّمائرُ مُشتَّتةٌ.
          قوله: (كَانَ مِنَ الصَّالِحيْنَ) أي: الكامِلينَ في الصَّلاح، وضميرُه عائدٌ على (البُخَارِيِّ).
          وُلد ببُخارى يومَ الجمُعةِ بعد الصَّلاة، لثلاث عشرة خَلَتْ مِن شَوَّال سنةَ أربعٍ وتسعين ومئة، وأُلهم حفظُ الحديثِ في صِغَره وهو ابنُ عشر سنين.
          وكَتَبَ عنْ شُيُوخٍ كثيرة، وقد قالَ: «كتبْتُ عَن ألفٍ وثمانين رجُلاً، ليسَ فيهم إلَّا صاحب حديثٍ، كلّهم يقولُ: الإيمانُ قَولٌ وعَمَلٌ، ويَزِيدُ ويَنقص».
          وروى عنه رِجالٌ كثيرونَ، نحو مئة ألفٍ أوْ يزيدونَ أوْ ينقصون، وعظَّمه العلماءُ غاية التَّعظيم، حتَّى إنَّ مُسلماً صاحبَ الحديْث كلَّما دخَلَ عليه يُسلِّم عليه ويقول لَه: «دَعْني أُقبِّل رِجْلَيكَ يا طبيب الحديثِ في عِلَلِه، ويا أُستاذ الأُسْتاذِين، ويا سَيِّد المحدِّثين».
          قيل: كان يحفظ وهو صبِيٌّ سبعين ألْف حديثٍ سَرداً، وكان ينظُر في الكتاب مرَّةً واحدةً فيحفظ ما فيه مِن نَظْرة واحدةٍ، وكان يختم في رَمَضانَ كلَّ يومٍ ختمة ويقوم بعد التَّراويْح / كلَّ ثلاث ليالٍ بختمه، وكان يُصلِّي في وَقْت السَّحَرِ ثلاث عشرة ركعة؛ ركعتَين سُنَّة الوضوء وإحدى عشرة وِتْراً.
          قوله: (وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ) فقدِ استُجيبت دعوتُه في نفسِه؛ فإنَّه لمَّا خرجَ مِن بَغْدادَ لحصول المِحْنة فيها بمسألة خَلْقِ القُرآن، فأراد الذَّهاب إلى سَمَرْقَنْدَ، فلما بلغَ خَرْتَنْكَ وهي قريةٌ على فرسخَين من سَمَرْقَنْدَ بلَغَه أنَّه افتتنَ أهْلُ سَمَرْقَنْدَ في دُخوله، فقومٌ يُريدون دُخولَه وقومٌ يكرهون ذلك، فأقامَ بها حتَّى انجلى الأمْر، فضجرَ ليلةً فدعا _وقد فَرَغَ من صلاة اللَّيل_ وقال: «اللَّهمَّ ضاقَتْ عليَّ الأرض بما رحبت فاقْبضني إليك».
          فماتَ في ذلك الشَّهْر، سنةَ سِتٍّ وخمسين ومائتَين، وعُمره اثنتان وستُّون سنة.
          فإنْ قلْتَ: كيف استجازَ الدُّعاءَ بالموتِ وقد خَرَّجَ هو في «صحيحِه» [6351]: «لا يَتَمنَّيَنَّ أحَدُكُمُ الموْتَ لضُرٍّ نَزلَ بِه»!؟
          قلتُ: إنَّ المرادَ بالضَّررِ الضَّرَرُ الدُّنْيَوِيُّ، وأمَّا إذا نزلَ به ضَرَرٌ دِيْنيٌّ فإنَّه يجوز تَمنِّيه خَوفاً من تطرُّق الخلَل للدِّيْن.
          ولما دُفن فاحَ مِن قَبْره رائحة الغالية أطْيب منَ المِسْكِ، واستمرَّتْ أيَّاماً كثيرةً حتَّى تَواتَر ذلك عِنْد جميع أهْلِ البلادِ، وكان يأكُل في كُلِّ يوم لَوْزَتَينِ.
          وكانت أُمُّه مجابةَ الدَّعْوةِ أيضاً، وكانَ البخاريُّ قد ذهَبَ بصَرُه وهو صغيرٌ، فرأَتْ أُمُّه إبراهيمَ الخليلَ ╕ في المنام فقال: «يا هذه، قد رَدَّ اللهُ على ابنكِ بصَرَه لكَثْرة دُعائكِ أو بكائك»، فأصبحَ بصِيراً.
          قوله: (وَدَعَا لِقَارِئِهِ) أي: دعا البُخاريُّ لقارئ كتابِه.
          وقوله: (وَقَدْ قَالَ لِي) كلامٌ مُستأنفٌ.
          قوله: (المَعْرِفَةُ) أي: بعِلْم الحديث.
          قوله: (والرِّحْلَةُ) معطوفٌ على (المَعْرِفَةُ).
          قال في «المصباح»: الرُِّحلةُ بالكَسْرِ والضَّمُّ لُغةٌ: اسمٌ من الارْتِحالِ، وقالَ أبو زَيْدٍ: الرِّحْلَةُ بالكَسْر: اسمٌ مِن الارْتِحالِ، وبالضَّمِّ: الشَّيءُ الذي يُرْتَحَلُ إلَيه، يقالُ: قَرُبَتْ رِحْلَتُنا بالكَسْرِ، و: أنتَ رُحْلَتُنا بالضَّمِّ، أي: المَقْصَدُ الذي يُقْصَدُ. انتهى.
          وقال في «المختار»: والرِّحْلَةُ بالكسرِ: الارْتِحالُ، يقال: دَنَتْ رِحْلَتُنا. انتهى.
          فعُلم مِن كلامِهما أنَّ الرِّحْلَةَ بالكَسْرِ: الارْتِحالُ، أي: الانْتِقالُ مِن بَلَدٍ إلى آخَرَ لأجل أخذِ العِلْم _مَثلاً_ عنِ العُلماء الذين في هذه البَلْدة الأُخرى.
          وأمَّا بالضَّمِّ: فهو الشَّخصُ المُرْتَحَلُ إلَيه.
          وعلى الأوَّل؛ فاللَّامُ في (لَهمُ) للتَّعدية، أي: إنَّ القُضاةَ كانوا يَرتحلون إلى العُلماء.
          ويصحُّ أن تكون اللَّامُ للتَّعليل، أي: كان الارتحالُ لأجلهم، أي: كان النَّاسُ يرتحلون لأجْل أخذِ العِلْم عنِ القُضاة.
          قوله: (عَمَّنْ لَقِيَ) متعلِّقٌ ﺑ (قَالَ)، وعدَّاه ﺑ (عَنْ) لتضمُّنه / معنى أخبر، و(مِنَ السَّادَةِ) بيانٌ ﻟ (مَنْ).
          وقوله: (المُقَرِّ) بفَتْح القافِ، بصيغة اسمِ المفْعولِ.
          قوله: (إنَّ كِتَابَهُ) بالكَسْر على حكاية القَوْلِ، وبالفَتْح على تضمين (قَالَ) معنى أخْبر، و ضمير (كِتَابَهُ) عائدٌ على (البُخَارِيِّ).
          وفي نسخةٍ: (إنَّ كِتَابَ البُخَارِيِّ).
          قوله: (شِدَّةٍ) أي: كَرْبٍ ثقيْلٍ قَويٍّ.
          وقوله: (إلَّا فُرِّجَتْ) أي: أزيلت.
          وقوله: (في مَرْكَبٍ) بفَتْح الكافِ.
          وقولُه: (فَغَرِقَتْ) بكسرِ الرَّاءِ، مِن بابِ تَعِبَ، والوَصْفُ: غَرِقٌ وغَارِقٌ.
          وفي نُسخةٍ (فَغَرِقَ) بالتَّذْكير، فالتَّذكيرُ باعْتبارِ كَون المَرْكَبُ محلَّ الرُّكُوبِ، والتَّأنيثُ باعتِبار كَون المَرْكَب سَفيْنةً.
          قال في «المصباح»: غَرِقَ الشَّيءُ في الماءِ غَرَقاً، مِن باب تَعِبَ، وجاءَ غَارِقٌ. انتهى.
          وقال في «المختار»: غَرِقَ في الماءِ، مِن باب طَرِبَ، فهُو غَرِقٌ وغَارِقٌ. انتهى.
          قوله: (قَطُّ) معناها الزَّمانُ الماضي، فيقالُ: ما رأيتُه قَطُّ، ولا يَجوز دُخولُها على المُستقبَلِ، فلا تقولُ: ما أُفارِقُه قَطُّ.
          قوله: (في تِلْكَ البَرَكَاتِ) مُتعلِّقٌ ﺑ (فَرَغِبْتُ)، أي: مِن كون مُؤلِّفه (كَانَ مِنَ الصَّالِحيْنَ، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ)، وكان كتابه (مَا قُرِئَ في شِدَّةٍ إلَّا فُرِّجَتْ...) إلى آخر ما تقدَّمَ.
          قوله: (لمَا في القُلُوْبِ) علَّةٌ لقوله: (فَرَغِبْتُ).
          و(مِنَ الصَّدَإ) بَيان (لمَا)، والمرادُ بِه: الرَّانُ، أي: الغشاءُ الذي يكون على القَلْبِ، فشُبِّهتِ القُلُوبُ بمِرْآةٍ يتراكبُ عليها الصَّدأُ تَشْبِيهاً مُضْمَراً في النَّفس على طرِيق الاستِعارةِ بالكناية.
          وإثباتُ الصَّدَإ تخييلٌ، ويصحُّ أنْ يكونَ في الصَّدَإ استعارة تصريحيَّة بأن شُبِّهت الظُّلْمة بالصَّدإ، وَالقلْبُ لمَّا كان نظيفاً لا يحمل غُباراً، فإذا تحمَّل الرَّانَ ربَّما جَرَّه إلى الكُفْر، فالعِلْمُ لا ينفعُ إلَّا بالعملِ.
          والصَّدَأُ بفَتْح الصَّادِ وبالمَدِّ(40).
          قوله: (فَلَعَلَّهُ) تفريعٌ على قوله: (فَرَغِبْتُ)، يحتملُ أنْ يكونَ الضَّميرُ عائداً على الله ╡، وعَلَيه فيكون قولُه: (بِفَضْلِ الله) إظْهاراً في محلِّ الإضْمارِ تَلَذُّذاً.
          ويَحتمل أن يكونَ الضَّميرُ للحال والشَّأنِ، يُفسِّره قولُه (أنْ يَكْشِفَ).
          ويحتملُ أنْ يكونَ عائِداً على (كِتَابَ البُخَارِيِّ).
          وعلى كُلٍّ؛ فالضَّميرُ اسمُ (لَعَلَّ)، وقولُه: (بِفَضْلِ) مُتعلِّق ﺑ (يَكْشِفَ).
          قوْله: (أنْ يَكْشِفَ) أي: يزيل، وضميرُه عائدٌ على (الله) تعالى على الاحتمال الأوَّل؛ وكذا على الثَّاني، وأمَّا على الثَّالثِ فضَميرُه عائدٌ على (كِتَابَ البُخَارِيِّ).
          وإسنادُ الكَشْفِ على الأُوْلَيَيْن حقيقيٌّ، وعلى الثَّالثِ مجازٌ عقْليٌّ مِن إسنادِ الشَّيءِ إلى سَبَبِه.
          و(أنْ يَكْشِفَ) في تأويل مَصْدر خَبَر (لَعَلَّ).
          والتَّقديرُ على الاحتمال الأوَّل: فلعَلَّ اللهَ الكَشْفُ؛ وهذا الإخبارُ باطلٌ؛ لأنَّ الكَشْفَ غيرُ الله تعالى، والخبَرَ عَيْنُ الاسمِ، إلَّا أن يقالَ: إنَّه على حذْف مُضافٍ، والتَّقدير: فلعلَّ اللهَ ذُو الكَشْف _أيْ: صاحبُه_ منْ حيثُ إنَّه صِفَةُ فِعْلٍ لله تعالى.
          والتَّقدِير على الثَّاني: فلَعلَّ الحالَ والشَّأنَ الكَشْفُ؛ وهذا ظاهرٌ.
          والتَّقْديرُ على الثَّالث: فَلعلَّ كتابَ البُخاريِّ الكَشْفُ؛ وهو باطلٌ _أيضاً_ كالأوَّل، إلَّا أن يُقال: / هو على حذْفِ مُضافٍ، والتَّقدير: فلعلَّ كتابَ البُخاريِّ سببُ الكَشْفِ، وقَرَنَ خَبَرَ (لَعَلَّ) ﺑ (أنْ) المصْدريَّة لتَضمُّنها معنى عَسى.
          قوله: (عَمَّا بِهَا) متعلِّقٌ ﺑ (يَكْشِفَ)، وفيه حذْفُ مجرورِ (عَنْ)، و(مَا) مَوصولةٌ مفعولُ (يَكْشِفَ)، والتَّقدير: يكشفُ عنها، أي: القُلُوب ما بها، أي: الذي استقرَّ بها منَ الظُّلْمة التي عَلَيها بسببِ المعاصي.
          وفي نُسخةٍ: (عَمَاهَا)، وهو مفعولُ (يَكْشِفَ)، والمرادُ: العَمى المعْنَويُّ، و(عَمَى) مُضافٌ إلى ضمير (القُلُوْبِ)، وأُضيفَ إليها لقيامِه بها.
          قوله: (وَأنْ يُفَرِّجَ) عطْفٌ على (أنْ يَكْشِفَ)، وضميرُه عائدٌ على (الله) باعتبارِ الاحتمالَين الأوَّلَين، والإسنادُ إليه حقيقيٌّ.
          ويحتملُ أنْ يكونَ عائداً على الكتاب، والإسنادُ مجازيٌّ باعْتبار الاحتمالِ الأخير، و(عَنْهَا) مُتعلِّق ﺑ (يُفَرِّجَ) والضَّميرُ عائدٌ على (القُلُوْبِ).
          وقوله (شَدِيْدَ) مفعولُ (يُفَرِّجَ).
          وفي نُسخةٍ: (شَدَائِدَ) بالجمْع، وإضافتُه إلى (الأهْوَاءِ) من إضافة الصِّفةِ للمَوْصوفِ، أي: الأهْواءُ الشَّديْدةُ.
          و(الأَهْوَاءِ) بفَتْح الهمْزةِ والمدِّ، جمعُ هَوًى بالقَصْر: وهو مَيْلُ النَّفْسِ إلى ما تُحِبُّ.
          قال في «المصْباح»: والهوَى مَقْصورٌ مَصْدَرُ هَوِيْتُه، مِن بابِ تَعِبَ: إذا أحْبَبْتَه وعَلِقْتَ به، ثمَّ أُطْلقَ على مَيْلِ النَّفْسِ وانْحِرافِها نَحْو الشَّيءِ، ثمَّ اُستُعمل في مَيْلٍ مَذْمُومٍ، فيقال: اتَّبَعَ هَوَاهُ، وهُو مِنْ أهْل الأهْواءِ. انتهى.
          قوله: (تَرَاكَمَتْ) صفةٌ ﻟ (الأهْوَاءِ)، وجملةُ (تَرَاكَمَتْ) صِلَةٌ بمعنى: تكاثرتْ كالسَّحاب يَتَراكَم بعضُه على بعضٍ، و(عَلَيْهَا) مُتعلِّقٌ ﺑ (تَرَاكَمَتْ) وضميرُه عائدٌ على (القُلُوْبِ).
          قوله: (وَلَعَلَّ) كذا بدُون ضميرٍ كما نُقِلَ عنِ المُصنِّفِ.
          وفي نُسْخةٍ بالضَّمير(41) وهي أحسنُ؛ وعلى هذه الثَّانية فالضَّميرُ اسمُ (لَعَلَّ) وهو للحال والشَّأن، وجملةُ (تُعْفَى) خبَرُها.
          وعلى النُّسخة الأُولى، فاسمُها المصْدَر المنْسبِك مِن (تُعْفَى) المنْصوب ﺑ«أنْ» المُضْمَرة، على حدِّ: تَسْمعُ بالمُعيْدِيِّ خيرٌ مِن أنْ تَراهُ، وبحملِ خَبَرِها مقدَّم، والتَّقديرُ: ولَعلَّ إعْفاءَها كائنٌ بحمْلِ... إلى آخرِه.
          قوله: (بِحَمْلِ تِلْكَ الأحَادِيْثِ) المرادُ بحَمْلها: نقلُها للغَيْر، أوْ نقلُها عنِ الغير، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ ﺑ (تُعْفَى) على النُّسخة الثَّانية، وخَبرُ (لَعَلَّ) على الأُولى كما عُلِم ممَّا مرَّ، والباءُ للسَّببيَّة، و(تُعْفَى) بمعنى: تنجي، وضميرُه عائدٌ على (القُلُوْبِ).
          والمعنى على النُّسخة الثَّانية: ولعلَّ الحالَ والشَّأنَ هو القُلوبُ تُنْجِي منَ الغَرَقِ بسبب نقْلِ تِلْك الأحاديث، والمعنى على الأُولى: ولعلَّ نجاةَ القُلوبِ من الغَرقِ كائنةٌ بسبب حمْلِ... إلى آخرِه.
          قوله: (مِنَ الغَرَقِ) أي: الاسْتِغْراق، وهو متعلِّقٌ ﺑ (تُعْفَى)، و(في بُحُوْرِ) مُتعلِّق ﺑ (الغَرَقِ) وإضافتُها لما بعدها من إضافة المُشبَّه به للمُشبَّه، أي: في البِدَع / والآثامِ الشَّبيْهة بالبُحور.
          وفيه مُناسبةٌ؛ وهو أنَّ القلْبَ الذي يحملُها بنَقْلِها وحِفْظِها يَنْجُو منَ الوُقُوع في البِدَع التي كالبُحور، كما أنَّ «البخاريَّ» ما حُملَ في مَرْكَبٍ فغرقتْ قطُّ.
          والمرادُ ﺑ (البِدَعِ): ما أُحْدِثَ على خِلافِ الشَّرْعِ سَواءٌ كان حَراماً أو مكْروهاً، فعطفُ (الآثَامِ) على (البِدَعِ) منْ عطف الخاصِّ على العامِّ، وخصَّها اهتماماً بشأْنها منْ حيثُ إنَّ الاعتناءَ بتركِها أشدُّ وأقوى من الاعتناءِ بتَرْك المكْروهِ.
          قوله: (فَلَمَّا كَمُلَتْ) أي: تمَّتْ تلك الأحاديث التي جمعَها المؤلِّفُ.
          وكَمُلَ بتَثْليث الميمِ.
          قال في «المختار»: الكَمالُ التَّمامُ، وقد كَمَلَ يَكْمُلُ _بالضَّمِّ_ كَمالاً، وكَمُلَ بضمِّ الميمِ لُغةٌ، وكَمِلَ بكسرها لُغةٌ وهي أرْدَؤُها. انتهى.
          وقال في «المصباح»: وكَمَلَ مِن بابِ قَرُبَ وضَرَبَ وتَعِبَ، لُغاتٌ، لكن باب تَعِبَ أَردَؤُها. انتهى.
          قوله: (بِحَسَبِ) بفتح السِّينِ، بمعنى: قَدْر.
          قالَ في «المختار»: ليكُن عملُك بحَسَبِ ذلك، بالفَتْح، أي: على قَدْرِه. انتهى.
          و(حَسَبِ) مُضافٌ، و(مَا) مضافٌ إليه، وجُملة (وَفَّقَ اللهُ) صلةٌ، والعائدُ ضميرُ (إلَيْهِ)، و(إلَيْهِ) مُتعلِّقٌ ﺑ (وَفَّقَ).
          فإنْ قلتَ: التَّوفيقُ يتعدَّى بنفْسِه يقال: وفَّقك الله!؟
          أُجِيْبَ بأنَّه ضمن التَّوفيق معنى الهِداية، وهي تتعدَّى بإلَى، أيْ: بحسبِ ما هدى الله إلَيه.
          قوله: (فَإذا هِيَ) أي: تلك الأحاديث؛ وهذا جوابُ (لمَّا).
          قوله: (غَيْرَ بِضْعٍ) بالنَّصْب على الحال، وبالرَّفْع على الوصْف.
          والبِضْعُ بكسرِ الباءِ، وفَتْحُها لُغةٌ.
          قال في «المصباح»: وبِضْعٌ في العدَدِ بالكسْر، وبعضُ العرب يَفْتحُ، واستعمالُه من الثَّلاثة إلى التِّسْعة، وعن ثَعْلَبٍ: منَ الأربعة إلى التِّسْعةِ. انتهى.
          والمعنى على الأوَّل: إلَّا ثلاثة أوْ أربعة... إلى آخره.
          وعلى الثَّاني: إلَّا أربعة أَوْ خمسة... إلى آخره، فالمذكُورُ في هذا الكتاب لا يكمل ثلاث مئة حديثٍ، بلْ ينقصُ عنها.
          قوله: (فَكَانَ أوَّلُها) أي: الأحاديث؛ وهذا تفريعٌ على قوله: (فَلَمَّا كَمُلَتْ).
          و(أوَّلُها) اسمُ (كَانَ)، و(كَيْفَ) في محلِّ نصب خَبَرِ (كَانَ) الثَّانية مُقدَّماً، و(بَدْءُ) اسمُها مُؤخَّراً، فالمعنى: كان بدء الوَحْي كيف، أي: على أيِّ حالةٍ؟ وجملة (كَيْفَ كَانَ...) إلى آخرِه خَبرُ (كَانَ) الأُولى.
          وقوله (وَآخِرُهَا) عَطْفٌ على (أوَّلُها)، و(دُخُوْلَ) بالنَّصْب عطْفٌ على جُملة (كَيْفَ كَانَ) فَفيه العَطْفُ على مَعْمُولَين لعاملٍ واحدٍ، وهو جائزٌ باتِّفاقٍ، وإضافة (دُخُوْلَ) لما بعده من إضافة المصْدَرِ لفاعِلِه، و(الجنَّةَ) بالنَّصْبِ مفعولُه.
          وقوله: (وَإنْعَامَ) بالنَّصْب عطفٌ على (دُخُوْلَ)، فمجموعُ الآخِر(42) شيئان: الدُّخولُ، والإنْعامُ؛ و(عَلَيْهِمْ) و(بِدَوَامِ) مُتعلِّقان ﺑ (إنْعَامَ) المُضاف لفاعلِه.
          وإضافةُ (دَوَامِ) لما بعْده مِن إضافةِ الصِّفْةِ للمَوصوفِ، أيْ: برضاه الدَّائم، و(فِيْهَا) أي: الجنَّة، مُتعلِّق ﺑ (رِضَاهُ).
          قوله: (فَسَمَّيْتُهُ) أي: هذا الكتاب المُختصَر؛ وهذا تفريعٌ على قولِه: (فَكَانَ أوَّلُها).
          قولُه: (بِمُقْتَضَى / وَضْعِهِ) الباءُ للسَّببيَّة، أي: بسبب ما اقتضاهُ وضْعُه، وهو أنَّه لما كان أوَّلُه بَدْءَ الخيرِ وآخرُه نهايةَ الخيْرِ؛ لأنَّ بَدْءَ الوَحْي يحصلُ به الحديث، ويحصل بالحديث الخيرُ، وآخرُه دُخولُ أهل الجنَّة الجنَّةَ وإنْعامُ الله عليهم؛ وهذا نهايةُ الخير فناسبَ تسميته بهذا ليُطابق الاسمُ المسمَّى.
          ويُراد بالنِّهايةِ في الاسمِ نفسُ الشَّيء لا آخرُه، فكأنَّه قال: جَمْعُ الشَّيءِ الذي هو الأحاديث المذكورة، أو تبقى النِّهاية على حالتها ويعلم أنَّه لما جمع نهايةَ الشَّيء جمعَ أوَّله.
          قوله: (في بَدْءِ الخيْرِ) أي: ابتدائه.
          قوله: (وَغَايَة) أي: غايتُه وآخرُه.
          قوله: (وَلَمْ أفرِّقْ) بتشديدِ الرَّاء في الذَّواتِ وتخفيفِها في المعاني؛ فلذلك يقال: افْرُقْ لي بين هذه المسألة وهذه المَسألة، ويقال: ما الفارِق بين هذه المسألة وبين هذه، ولا يقال: فَرِّقْ، ولا: ما المُفرِّق _بالتَّشْديدِ_، فكان مقتضى هذا التَّخفيف، إلَّا أنْ يقالَ: هذا أغْلَبِيٌّ؛ بدليلِ قولِه تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:25]، {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة:50]، فدلَّ هذا على جوازِ الأمرَيْن، فإنْ قُرئ كلامُ المؤلِّف بالتَّشْديد فهو على خلافِ الغالبِ.
          قال في «المصباح»: فَرَقْتُ بينَ الشَّيئَين فَرْقاً، مِن بابِ قَتَلَ: فصَلْتُ أبْعاضَه، وفَرَقْتُ بين الحقِّ والباطلِ: فصَلْتُه أيضاً؛ هذه هي اللُّغةُ العالِيةُ، وبها قرأَ السَّبْعةُ في قولِه تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:25].
          وفي لُغةٍ: مِن بابِ ضَرَبَ، وبها قرأَ بعضُ التَّابعين، وقالُ ابنُ الأعْرابيِّ: فَرَقْتُ بين الكَلامَيْن _مُخفَّفٌ_ فافْتَرَقَا، وفَرَّقْتُ بين العَبْدَيْن _مُثقَّلٌ_، فجُعل المُخفَّفُ في المعاني والمُثقَّلُ في الأعْيان.
          والذي حَكاهُ غيرُه أنَّهما بمعنًى، والتَّثْقيلَ مُبالَغةٌ. انتهى.
          قوله: (بَيْنَهَا) أي: الأحاديث.
          وقوله: (بِتَبْوِيْبٍ) مُتعلِّق ﺑ(أُفَرِّقْ)، وارتكبَ عدمَ التَّبويبِ لسهولَته بخلاف الأصلِ _وهو البُخاريِّ_، فإنَّه التزمَ التَّبْويبَ.
          وفيه تَشْتيتٌ وتَعَبٌ؛ لأنَّ الأصلَ ربَّما ذكَر الحديثَ لمُناسبة ضعيفةٍ، فكُلَّما كرَّر الحديثَ جعَلَ له باباً فتصعبُ المراجعةُ بسبب التَّكْريرِ فتَرَكَه(43).
          قوله: (رَجَاءَ) عِلَّة ﻟ (سَمَّيْتُهُ).
          وقوله: (لِيَ) بدأَ بنفْسِه؛ لأنَّ المطْلوبَ تقديمُ الشَّخْص نفسِه في الأُمور الدِّينيَّة.
          وقوله: (وَلِكُلِّ مَنْ قَرَأَهُ) قدَّمَه على السَّامِع لأنَّه أعلى مِنْه.
          قوله: (بَدْءَ الخيْرِ) مفعولُ (يُتَمِّمَ)، والمرادُ ﺑ (بَدْءَ الخيْرِ): الوفاةُ على الإيمان، وقوله: (بِغَايَتِهِ) أي: مع غايته، وضمن (يُتَمِّمَ) معنى يجمع؛ فلذلك عدَّاهُ بالباءِ التي بمعنى: مَع.
          والمرادُ بالغايةِ: دُخُولُ الجنَّةِ ودوامُ الرِّضا فيها.
          قوله: (فَنَسْأَلُ اللهَ الكَرِيْمَ) أي: نطْلبُ مِن الله الذي يُعطي لا لغرض.
          قوله: (رَبَّ العَرْشِ العَظِيْمِ) وصفَ العَرْشَ بالعِظَم؛ لأنَّه أعظمُ المخلوقاتِ لإحاطتِه بالعالَم.
          قوله: (جِلَاءً) أي: مُزِيلةٌ للرَّان والغشاءِ الذي على القُلوب من ظُلْمة الذُّنوب. /
          قوله: (وَلِدَاءِ دِيْنِنَا) عطفٌ على (لِقُلُوْبِنَا)، و(شِفَاءً) عطفٌ على (جِلَاءً)، فَفيه العطفُ على مَعْمولَين لعامِلٍ واحدٍ، وهو جائزٌ كما تقدَّم(44).
          وداءُ الدِّيْن: الذُّنوبُ والمعاصِي، والمعنى: أنْ يجعلَها شفاءً لذُنوبِنا بأنْ يُوفِّقنا للتَّوْبةِ.
          قوله: (بِمَنِّهِ) أي: إنعامه وإحسانِه لا وُجوباً عليه.
          قوله: (لا رَبَّ سِوَاهُ) هذه الجملةُ علَّةٌ لما قبلها، أي: فنسأله لأنَّه لا رَبَّ غيره.
          قوله: (وَصَلَّى اللهُ....) إلى آخرِهِ.
          ختمَ الدُّعاءَ بالصَّلاة والسَّلامِ... إلى آخرِه رَجاءَ قَبولِ ذلك الدُّعاءِ.


[1] وفي هامش «ز1»: أي: في الأرض.
[2] قوله: «منَ الفُضلاء» زيادة من الأصل «ف1»، وسقطت من المطبوعة «م».
[3] من هنا يبدأ السَّقط في «ف2».
[4] وفي الأصل: «الأشعر» بدل: «الأشعرون»، والمثبت من «ز4» و«ز5».
[5] ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 1/220، والمفتي في تذكرة الموضوعات ص80، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة: 1/80، وقال «وضعه الهروي، وهو الجويباري».
[6] روي في مسند الربيع بن حبيب مرفوعاً من طريق أنس.
[7] كذا في الأصل، وفي «م»: ثوران.
[8] مسلم 103/2018.
[9] ░9▒ شَوَّال ░1206▒.
[10] كذا في الأصل، وفي «م»: بكسر.
[11] في المختار (شعث): والشعث أيضاً مصدر الأشعث، وهو المغبر الرأس.
[12] عزاه ابن كثير في تفسيره 1/185 إلى وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى وكيع والثعلبي.
[13] كذا في الأصل، وفي «ز6»: فليقل.
[14] في ربيع الأبرار للزمخشري 2/450.
[15] ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/89 ░100▒ عن أنس وأخرجه ابن عدي في الكامل 5/49.
[16] كذا في الأصل، وفي «م»: المظرف. وفي «ز7»: المطرف.
وفي حاشية الأصل: قولُه (المظرف) كذا بخطِّ المؤلف! ولعلَّه (المظفر) كما في بعض النُّسخ.
[17] أخرجه الطبراني في الصغير 403، قال في مجمع الزوائد 4/198، في الحسين بن عبد الغفار وهو متروك وفي العلل المتناهية 1/88 ░98، 99▒.
[18] الطبراني في الصغير 196، قال في مجمع الزوائد 1/272 وإسناده حسن، فقط حرف الوضوء دون بقية الحديث.
[19] كذا في الأصل و«ز1» و«ز5»، وفي «ز2» و«ز3» و«ز4» و«ف3»: بسم الله الرحمن الرحيم.
[20] كذا في «ز7»، وفي الأصل و«م»: فارس.
[21] الحلْقُ: الحُلْقومُ. «مختار الصِّحاح» مادَّة (حلق).
[22] في هامش «ز6»: بابه قطع.
[23] كذا في الأصل و«ف2»، وفي «م»: قتله.
[24] ذكره الدنيوي في [المجالسة وجواهر العلم] 3422، 8/106 وابن عساكر في تاريخ دمشق 46/392.
[25] كذا في جميع النُّسخ، وفي «الصِّراط المستقيم»: مئة وخمسين.
[26] كذا في الأصل و«ز7»، وسقطت من «م».
[27] وفي مطبوعة «مُخْتصر البُخاري» لابن أبي جَمْرةَ (ص: 27 _ منهاج) زيادة: «وعلى آله»! وهذا غريبٌ؛ فإنَّ صُورة ما اعتمده المحقِّق في تحقيقه بمقدمة الكتاب خالية منها           
[28] كذا في الأصل، وسقطت من «م».
[29] كذا في الأصل، وسقطت من «م».
[30] كذا قال الشَّيْخ الشَّنَوَانيُّ.
[31] الكواكب الدراري 1/12.
[32] ذكر ذلك محمد الأمير في شرحه على غرامي صحيح ص44، ولم يظهر إن كان يقصده أو يقصد غيره.
[33] يريد: لام البُعْد في قوله (ذلك).
[34] ينظر: «الفتح المبين بشرح الأربعين» لابن حجرٍ الهيْتَميِّ (ص: 106 - منهاج).
[35] تمام الحديث: «حديثًا واحدًا، كان له أجر أحَدٍ وسبعين نبِيًّا صِدِّيقًا».
[36] قال في لسان الميزان في ت 1430 محمد بن يوسف بن يعقوب أبو بكر الرقي: قال الخطيب: هذا حديث موضوع. وكذا هو في اللآلئ المصنوعة 1/197.
[37] عنى ﺑ (الشَّارح) أبا الإرشاد عليَّ بن محمَّد الأجهوريَّ المالكيَّ.
[38] كذا في الأصل، وسقطت من «م».
[39] قوله: «عطف مسبب على سبب» زيادة من الأصل، وسقطت من «م».
[40] بهامش الأصل: قوله (وبالمد)، صوابه وبالقصر.
[41] يعني وفي نسخة: ولعلَّه.
[42] يريد قولَه: (وآخرها).
[43] زيادة من «ز1».
[44] عند الكلام على قوله: (فكان أوَّلها كيف كان بدء الوحي).