حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث أبي هريرة: سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي...

          250- قوله: (تَسَمَّوْا) [خ¦6197] بفَتْح التَّاءِ الفوْقيَّة والسِّيْنِ والميمِ.
          قوله: (وَلَا تَكْنُوا) بسكونِ الكافِ.
          ولأبي ذَرٍّ: «ولا تُكَنَّوا»، بفَتْح الكافِ، بعدها نُونٌ مُشدَّدةٌ مفْتوحةٌ، أصْلُه: تَتَكَنَّوا، حُذفت منْه إحدى التَّاءَيْنِ.
          قَوله: (بِكُنْيَتِي) وفي رِوايةٍ لأبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهَنيِّ: «بِكِنْوَتِي».
          وهيَ أَبو القاسِمِ.
          قولُه: (وَمَنْ رَآنِي) أيْ: رأى صُوْرَتِي.
          قوله: (فَقَدْ رَآنِي) أيْ: رأى حَقيقَتي بحالِها مِن غَيْر شُبهةٍ ولا رَيْبٍ.
          وبهذا التَّقدير اندفَعَ ما يُقال: إنَّ فيه اتِّحادُ الشَّرْطِ والجزاءِ، أو يقال: إنَّ جَزاءَ الشَّرْطِ محذوْفٌ.
          والتَّقديرُ: فلْيستبشرْ؛ لأنَّه قد رآني.
          والحقُّ أنَّ ما يراهُ مِثالُ حقيقةِ رُوْحِه المُقدَّسةِ التي هي محلُّ النُّبوَّة، وما يراهُ منَ الشَّكْلِ ليسَ هُو رُوْحَ النَّبيِّ صلعم ولا شَخْصَهُ، بلْ هُو مِثالٌ لَه على التَّحْقيقِ.
          قوله: (فَإنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ) أيْ: يتَصوَّر.
          وقوله: (على صُوْرَتِي) ولأبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهَنيِّ: «في صُوْرَتِي»، وهذا كالتَّتْميم للمعنى، والتَّعْليلِ للحُكْمِ.
          فائِدةٌ:
          ذَكَر في «كَنْز الأخْبارِ»(1)، عنِ الحسنِ ☺ أنَّه قال:
          «مَنْ أرادَ أنْ يَرى النَّبيَّ صلعم في نَوْمِه، فلْيُصلِّ أربع رَكعاتٍ بعد العشاءِ بتَسْليمتَين، ويقرأُ في كلِّ رَكْعةٍ بفاتحة الكتابِ {وَالضُّحَى} [الضحى:1] و{أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح:1] و{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] و{إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة:1].
          فإذا سلَّمَ يُصلِّي على النَّبيِّ صلعم سَبْعينَ مرَّة، ويستغفرُ اللهَ سبعِيْنَ مرَّة، وينامُ مُستقبل القِبْلة.
          فإذا كانَ كذلك، ترتفعُ رُوْحُه حتَّى تَسْجُدَ لله تعالى تحتَ العَرْشِ، فعِنْدها يَرى النَّبيَّ صلعم سبعين مرَّة حتَّى لا يشتبه عَليْه»(2).
          قوله: (وَمَنْ كَذَبَ) ولأبي ذَرٍّ: «فَمَنْ»، بالفاءِ بَدَلَ الواوِ.
          وقولُه: (فَلْيَتَبَوَّأْ) أيْ: فلْيتَّخذ له مُتبوَّأً ومكاناً يقعد فيْه ويُقيم.
          والكَذِبُ مُحرَّمٌ بالإجماع، وقد تَواتَرَتِ الأخْبارُ بذَمِّه عُموماً:
          فمِنها / ما رُوي(3) أنَّه صلعم كانَ إذا اطَّلَعَ على أحَدٍ مِن أهْلِه كذب كذبة، لم يزلْ مُعرِضاً عنْه حتَّى يُحدثَ تَوْبةً.
          وقالَ ╕(4): «إذا كَذَبَ العَبْدُ كَذِبةً تَباعَدَ عَنْهُ المَلَكُ مِيْلاً لنَتْنِ ما يَخْرُجُ مِنْ فِيْهِ».
          وقالَ ╕(5): «إيَّاكُمْ والكَذِبَ؛ فإنَّ الكَذِبَ يُؤدِّي إلى الفُجُوْرِ، والفُجُورَ يَهْدي إلى النَّارِ، وتَحرَّوا الصِّدْقَ؛ فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدي إلى البِرِّ، والبِّرَ يَهْدي إلى الجنَّةِ».
          مَدَحَ رجُلٌ جَعْفرَ بنَ سُليمانَ، فأمَرَ لَه بمِئة ناقَةٍ، فقبَّلَ يَدَه وقال: والله ما قبَّلْتُ يَدَ قُرشيٍّ غيرك إلَّا واحداً، فقال: هُو المنْصور؟ فقال: لا، قال: فمَن هُو؟ قال: الوَليْد.
          فغَضِبَ.
          فقال: لا والله ما قبَّلتها لله، وإنَّما قبَّلتها لنفسي، كما أنِّي قبَّلْت يدك كذلك.
          فقال: والله ما ضَرّك الصِّدْق عِنْدي، أعطوهُ مئةً أُخْرى.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في باب: مَن تسمَّى بأسماءِ الأنبِياءِ.


[1] ما يزال مخطوطاً.
[2] ينظر: «كنْز الأخْبار» لابن بشرويه البَلْخيِّ ░13/ب – سعود▒.
وزاد: «وينبغي أن يكون على الوضوء ثمَّ يصلّي على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين مرَّة،/حتَّى يكون مبيته على تلك الحالة».
[3] ذكره السيوطي في الجامع الصغير 6585 وعزاهما لأحمد (حم) وكاسم (ك) ولم أجده فيهما.
[4] ت 1972، الطبراني في الأوسط 7398.
[5] لم أجده بلفظ (يؤدي) وهو في مسلم 105/2607 بلفظ: (يهدي) مع تقديم وتأخير.