حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء

          170- قولُه: (عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ) [خ¦3241] يُستجاب الدُّعاءُ عند ذِكْره.
          وكانتِ الملائكةُ تزُوره لما قامَ به من مَرَضِ البَوَاسِيْر، فَدَعا لَه النَّبيُّ صلعم بالشِّفاءِ منْه بطلبِه لَه، فشُفي، فانقطعتْ عنه زِيارةُ الملائكةِ، فسَألَ النَّبيَّ صلعم أنْ يَدْعُو لَه اللهَ تعالى بِرَدِّ ذلك المَرَضِ، فدَعَا، فعادَ، فعادَتْ لَه زِيارةُ الملائكةِ.
          قوله: (اطَّلَعْتُ) بتشديد الطَّاءِ، أي: أشرفتُ ليلةَ الإسْراءِ، أو في المنام.
          قوله: (الفُقَرَاءَ) بالنَّصْب، مفعولٌ ثانٍ ﻟ (رَأَى) إنْ كانت علميَّةً.
          فإنْ كانت بصَريَّةً ﻓ (الفُقَرَاءَ) مفعولُه، و(أَكْثَرَ) حالٌ مُقدَّمةٌ على صاحبِها بناءً على جوازِ مجيءِ الحالِ مَعْرِفةً، وهو قَليلٌ.
          قوله: (فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ) أي: لما يغلبُ عليهنَّ من الهوى، والميْلَ إلى زِيْنة الدُّنيا، والإعْراضَ عنِ الآخِرة بسببِ نقصِ عقْلهنَّ، / أو لكفرهن العَشِيْر، أي: الزَّوْج، أي: إنكارهُنَّ ما أنعمَ به عليهنَّ.
          وفي حديثِ ابنِ سَعْدٍ(1) في صِفةِ أدنى أهْلِ الجنَّة: «إنَّ لكُلِّ رجُلٍ زَوْجتَين».
          وحديثِ أبي يعلى، عَن أبي هُريرةَ: «لَيَدْخلُ الرَّجُلُ على اثنتَين وسبْعين زَوْجة»(2)، وهذا يدلُّ على أنَّ النِّساءَ في الجنَّة أكْثرُ من الرِّجال.
          ولا يعارِضه هذا الحديثُ المذْكورُ في الكتاب، وحديثُ: «رأَيْتُكُنَّ أكْثر أهْلِ النَّارِ»؛ إذْ لا يلزم من أكثريَّتهنَّ في النَّار نفي أكثريَّتهنَّ في الجنَّة.
          وكذلك كونهنَّ أكثر ساكِني النَّار، لا يُنافِي كونهنَّ أكثر منَ الرِّجال في الجنَّة؛ إذْ مفادُ كونهنَّ أكثر ساكني النَّار أنَّ ساكني الجنَّة منهنَّ أقلّ مِن ساكني النَّار منهنَّ، وهذا لا يُنافي كونهنَّ في الجنَّة أكثر من الرِّجال، وإنَّما يُنافيه أنَّ ساكِني الجنَّة منهنَّ أكثرُ مِن ساكِني النَّار منهنَّ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: ما جاء في صِفة الجنَّة وأنَّها مخْلُوقةٌ.


[1] هو في مسلم 311/188 من رواية أبي سعيد فأخشى أنه تصحيف ولم أجده لابن سعد.
[2] كما في فيض القدير للمناوي 3/110، ولم أجده عند أبي يعلى بهذا اللفظ.