حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا...

          203- قولُه: (مَا ائْتَلَفَتْ) [خ¦5060] أيْ: فَرِحتْ وانبسطَتْ، أي: اقْرؤوا القُرآن مدَّة انْشراح قُلُوبِكُم للقراءة؛ لأنَّ القارئَ إذا كان بهذه المَثابة حصل له التَّدبُّر في مَعانيْه.
          وقَوله: (فَإذا اخْتَلَفْتُمْ) أيْ: حصلَ لكُم مَلَلٌ وسآمةٌ وتفرُّقُ قُلُوبٍ.
          و قوله: (فَقُوْمُوا عَنْهُ) أي: اتْرُكُوه، يقال: قَامَ بالأمْرِ: إذا جَدَّ فِيْهِ وَدَامَ عَلَيْهِ، وَقَامَ عَنِ الأمْرِ: إذا تَرَكَهُ وتَجاوَزَهُ.
          وإنَّما طَلَبَ تركَه في هذه الحالة، لأنَّه يكون حينئذٍ مجرَّد ألْفاظٍ لا تدبُّر فيها ولا اتِّعاظ.
          وقيل: معنى (ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوْبُكُمْ): اتَّفقتُم على معرِفةِ مَعانيْه وحفِظْتُموها، مثل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ونحو ذلك من الآياتِ المُحْكَمة التي هي أُمُّ الكِتاب.
          وقوله: (فَإذا اخْتَلَفْتُمْ) أي: في معناهُ، ولم تتَّفِقوا عليه بأنْ كان من المُتشابِه، كقولِه تعالى: {الم} {طس} {حم. عسق}(1).
          وقوله: (فَقُوْمُوا عَنْهُ) أي: اتْرُكوا البحثَ عنْه؛ لأنَّه يؤدِّي بكُم إلى الخلاف والوُقوعِ في الشَّرِّ، وليسَ المرادُ قُوموا حقيقةً، بلِ المرادُ الإعراضُ عن المُتشابه، وهذا كقولِه صلعم: «فإذا رأيتُمُ الذين يتَّبِعُون المُتشابه مِنْه فاحْذَرُوْهُم»(2).
          وقالَ ابنُ الجوْزِيِّ(3): كان اختلافُ الصَّحابة يقعُ في القِراءاتِ واللُّغاتِ، فأُمروا بالقِيام عِنْد الاخْتلافِ، لئلَّا يجحد أحدُهم ما يقْرؤُه الآخَر، فيكون جاحداً لما أنزلَ اللهُ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في باب: «اقْرؤوا القرآن ما ائْتلَفَت عليه قُلوبُكُم».


[1] الآيات من سورة البقرة وآل عِمْران والعنكبوت والرُّوم ولُقمان والسَّجدة، ومن سُورة النَّمل، ومن سُورة الشُّورى... تباعًا.
[2] في البخاري 4547: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم. وفي مسلم 1/2665: فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم.
[3] كشف مشكل الصحيحين 2/47.